وعود الرئيس التونسي بالاكتفاء الذاتي تتبخر: الحبوب المحلية لا تتجاوز ثلث الاستهلاك

20 يوليو 2022
جمع 7 ملايين طن حبوب حتى الآن (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

لم تتمكن تونس هذا العام من الاقتراب من تحقيق هدفها بجمع محصول حبوب لا يقل عن 18 مليون قنطار، حيث لم تتخط الكميات المجمعة نحو 7 ملايين قنطار رغم اقتراب موسم الحصاد من نهايته.
وتبعد أرقام الكميات المجمعة من مختلف أصناف الحبوب تونس عن تحقيق خطط الاكتفاء الذاتي من الحبوب حيث لا تزال البلاد محتاجة إلى توريد ما يزيد عن ثلثي الاستهلاك المقدر إجماليه بنحو 32 مليون قنطارا.
وتكشف بيانات أولية حصلت عليها "العربي الجديد" من اتحاد الفلاحة والصيد البحري (منظمة المزارعين) عن تجميع نحو 7 ملايين قنطار من الحبوب في مراكز التخزين أغلبها من القمح الصلد وسط توقعات أن ينتهي الموسم بتجميع ما بين 9 و10 ملايين قنطار على أقصى تقدير.
وفي مايو/ أيار الماضي قال الرئيس التونسي قيس سعيد إن بلاده تسجّل هذا العام محصولا قياسيا من الحبوب وقادرة على تحقيق اكتفائها الذاتي من الحبوب، غير أن حقيقة الميدان الزراعي أظهرت تواصل الحاجة إلى توريد ما لا يقل عن 20 مليون قنطار من أجل تأمين خبز التونسيين.
وقال عضو منظمة المزارعين المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية إن أرقام المحصول المجمع لا تزال بعيدة كل البعد عن الاكتفاء الذاتي، مشيرا إلى أن الكميات التي سيتم تجميعها لن تتجاوز 10 ملايين طن طوال الموسم في أحسن الحالات.

وأفاد رجايبية في تصريح لـ"العربي الجديد" أن وزارة الزراعة قدرت محصول الحبوب هذا العام بنحو 18 مليون قنطار، غير أن مراكز التجميع لم تتمكن من تجميع سوى أقل من نصفها حتى الآن.
وأعتبر عضو منظمة المزارعين أن البلاد لا تزال بعيدة عن تحقيق اكتفائها الذاتي من الحبوب، مؤكدا أن الكميات المجمعة لا تتجاوز ثلث الاستهلاك المحلي.
وأشار في سياق متصل إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي يحتاج إلى مراجعة شاملة لمنظومة الحبوب بما في ذلك الاستهلاك مشددا على ضرورة حوكمة استهلاك القمح اللين والحد من التبذير.
وقال: "معدل الاستهلاك الفردي السنوي من الحبوب في دول العالم يتراوح بين 70 و80 كلغ للفرد الواحد سنويا بينما تصل هذه النسبة إلى 200 كلغ في تونس على سبيل المثال".
ويرى المتحدث أن بلوغ الاكتفاء من القمح الصلد على الأقل يحتاج إلى خطة محكمة متعددة الأطراف يساهم فيها القطاع البنكي بدور كبير عبر تمويل خطوط تمويل ميسّرة ونسب فوائد تفاضلية تساعد المزارعين على زيادة الإنتاج.
وأضاف أن البلاد بصدد تكبّد خسائر مضاعفة عبر توريد القمح اللين المخصص لصناعة الخبز وتوريد الأدوية بينما كان يتعيّن دعم إنتاج القمح الصلد واستعادة العادات الغذائية القائمة على استهلاك هذا الصنف من الحبوب
ويرى رجايبية أن تحقيق الاكتفاء الذاتي يتطلب أيضا تعزيز البحوث العلمية في اتجاه أقلمة أصناف الحبوب مع التغيرات المناخية ونقص التساقطات المطرية.

وينتظر أن تناقش الحكومة غدا الخميس، مع المنظمات المهنية مشروعها لزيادة إنتاج القمح أكثر من النصف وفق ما أكده عضو منظمة المزارعين.
ونهاية يونيو/ حزيران الماضي صرف البنك الدولي لفائدة تونس تمويلا بقيمة 130 مليون دولار، من أجل مساعدة البلاد على مجابهة مصاريف توريد الغذاء وتخفيف آثار الحرب الروسية الأوكرانية على موازنة الدعم ونفقات استيراد القمح المخصص للخبز خاصة.
وقال البنك الدولي إنه جرى منح تونس التمويل الاستثنائي لدعم شراء القمح الموجه لصناعة الخبز، معتبرا في بيانه أن تونس "تحدّيات كبيرة على مستوى إمدادات الحبوب، بسبب الصعوبات التي تواجهها في الوصول إلى الأسواق المالية وارتفاع الأسعار العالمية، مما أثر على قدرة البلاد على شراء الحبوب المستوردة".
وأكد أنه يسعى عبر مشروع التمويل إلى تجنب اضطرابات على مستوى إمدادات الخبز في الربع الثالث من عام 2022، من خلال تمويل الشراء العاجل للقمح اللين، بما يعادل شهراً ونصف الشهر من الاستهلاك.
ويرجح الخبير الاقتصادي أيمن الوسلاتي ألا تتجاوز كميات الحبوب المجمعة مع نهاية موسم الحصاد 8 ملايين قنطار مقارنة باستهلاك وطني يقدر بـ33 مليون قنطار من القمح الصلب واللين والشعير.
وأكد الوسلاتي لـ"العربي الجديد" أن الاكتفاء الذاتي من القمح الصلد سيكون 55 بالمائة مقارنة باكتفاء ذاتي من القمح اللين لا يتجاوز 2 بالمائة واكتفاء من الشعير في حدود 20 بالمائة ليكون الاكتفاء الذاتي الإجمالي أقل من 30 بالمائة، حسب توقعاته.
وأكد الوسلاتي أن أسعار الحبوب في الأسواق العالمية تراجعت نسبيا من مستوياتها القياسية في الشهر الماضي مع بدء موسم الحصاد في أوروبا وروسيا، لكنها تبقى في مستويات عالية نسبيا.
وأشار إلى أن مصر اغتنمت التراجع الظرفي للأسعار واقتنت نحو مليون طن من القمح في أسبوع واحد بينما تواصل تونس توريد كميات أقل من حاجيات البلاد من الحبوب بنحو 20 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية كطريقة لتقليص كلفة الدعم وتقليص الاستهلاك وانتظار هبات جديدة من أوروبا أو اليابان لتسديد فاتورة التوريد التي لا تقدر ميزانية الدولة على دفعها.

ينتظر أن تناقش الحكومة غدا الخميس، مع المنظمات المهنية مشروعها لزيادة إنتاج القمح أكثر من النصف وفق ما أكده عضو منظمة المزارعين


وتتعرض تونس، بشكل خاص، لاضطرابات في إمدادات الحبوب، حيث كانت قد استوردت السنة الماضية 60 بالمائة من احتياجاتها من القمح اللين، و66 بالمائة من احتياجاتها من الشعير من كلٍ من الاتحاد الروسي وأوكرانيا.
وفرضت الحرب الروسية الأوكرانية واقعا جديدا على الدول التي لا تؤمّن خبز مواطنيها من إنتاجها الخاص، بعد أن قفزت أسعار الحبوب إلى مستويات قياسية، ما يكلّف موازنة تونس نحو 1.3 مليار دينار إضافية لدعم الغذاء، بحسب تقديرات خبراء الاقتصاد.
وأعلنت الحكومة التونسية مؤخرا عن خطة لزيادة إنتاج القمح نحو 50 بالمائة بداية من العام المقبل، وذلك في إطار خطتها لتحسين الأمن الغذائي للبلاد، بعد الأزمة الأوكرانية التي قفزت بسعر الحبوب إلى مستويات قياسية.
وأكدت الحكومة، على لسان وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، إلياس حمزة، أن البرنامج الإصلاحي للاقتصاد يتضمّن خطة لرفع إنتاج الحبوب عبر توسعة المساحات المخصصة لإنتاج القمح، وذلك بتخصيص 200 ألف هكتار إضافية بداية من موسم البذر القادم.
وأشار حمزة إلى أن البرنامج يستهدف تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح الصلب، وإنتاج 12 مليون قنطار خلال الموسم 2023، ورفع أسعار شراء الحبوب من المزارعين بنحو 50 بالمائة، وتوسيع رقعة الزراعة إلى 800 ألف هكتار، مقابل معدل حالي للمساحات المزروعة بنحو 600 ألف هكتار.

المساهمون