وزير الطاقة اللبناني لـ"العربي الجديد": الكهرباء تحت خط النار

22 أكتوبر 2024
وزير الطاقة اللبناني وليد فياض (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه قطاع الطاقة في لبنان تحديات كبيرة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، مما أدى إلى أضرار في البنية التحتية وزيادة الضغط على مرافق الكهرباء، مع انخفاض الطلب في المناطق المُخلاة وارتفاعه في المناطق التي استقبلت النازحين.
- تعود أزمة الكهرباء إلى سوء التخطيط والاعتماد على مصادر غير متجددة، مع تثبيت تعرفة الكهرباء على أسعار قديمة وعدم التزام بعض المواطنين بدفع الفواتير، مما أدى إلى عجز مالي كبير.
- اقترح تعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة وتوفير قروض ميسّرة، وتعديل قوانين البناء، مع تفعيل خطط الطوارئ لإصلاح الأعطال وزيادة ساعات التغذية للمناطق الحيوية.

أكد وزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد"، أن المناطق المتضررة من القصف الإسرائيلي لا يمكن إصلاح شبكاتها الكهربائية لأنها لا تزال تحت خط النار، فيما يتم إصلاح الأعطال في المناطق الآمنة نسبياً.

كما أشار إلى أن الطلب على الكهرباء انخفض في المناطق التي أُخليت من سكانها، بينما ارتفع في المناطق التي استقبلت النازحين، موضحاً أن الوزارة تعمل على توجيه الكهرباء إلى المناطق الآمنة ما دام هناك وقود متاح.
وشدد فياض على أهمية الاتصالات المكثفة مع الدول الفاعلة لتحييد البنى التحتية عن القصف، ولتفادي استهداف المدنيين. كما لفت إلى أن الوزارة تعمل بالتعاون مع مؤسسة كهرباء لبنان على الحفاظ على استمرارية الخدمات، وضمان توفير السيولة اللازمة لإصلاح الأعطال رغم الموارد المحدودة.
وأوضح الوزير أن 60% من حاجات الكهرباء في لبنان تُغطى من خلال مولدات خاصة موزعة جغرافياً في مختلف المناطق، ما يجعل استهدافها أو تعطيلها أمراً صعباً.

أضاف أن 20% من استهلاك الكهرباء في البلاد يتم تأمينه من خلال أنظمة الطاقة الشمسية، فيما تعتمد 20% المتبقية على منظومة الإنتاج المركزية التابعة لشركة كهرباء لبنان، والتي تنتشر على أربع مناطق مختلفة.
 

أضرار جسيمة بالبنية التحتية

يواجه قطاع الطاقة في لبنان تحديات غير مسبوقة نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر، الذي ألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية الحيوية، وزاد الضغط على مرافق الكهرباء.

هذه الأوضاع تفاقم تعقيد المشهد الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، حيث يتطلب توفير التيار الكهربائي وتلبية احتياجات المناطق المتضررة والنازحين تنسيقاً حثيثاً بين الجهات المعنية.

يعاني اللبنانيون منذ سنوات طويلة أزمة الكهرباء نتيجة الفساد والصفقات، وتصاعدت المشكلة مع انكشاف الانهيار النقدي في العام 2019، حيث لم تتعدَّ ساعات التغذية قبل الحرب الساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً، مع فرض برنامج تقنين قاس نتيجة عدم توافر مصادر الطاقة اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء.
في هذا السياق، صرّح الباحث في "الدولية للمعلومات" (شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية لبنانية مستقلّة)، محمد شمس الدين، لـ"العربي الجديد" أن أزمة الكهرباء في لبنان تعود إلى سوء التخطيط، رغم امتلاك البلاد إمكانيات كبيرة يمكن استثمارها في توليد الطاقة المتجددة بدلاً من الاعتماد على المازوت أو الغاز أو الفيول.

وأوضح شمس الدين أن لبنان في عام 1970 كان يغطي حوالي 70% من احتياجاته الكهربائية من الطاقة المائية، ولكن مع ازدياد الطلب على الكهرباء، ارتكبت الدولة اللبنانية خطأ في عدم بناء معامل مائية جديدة، بل اكتفت بتوسيع معامل تعمل على الفيول مثل معملي الجية والذوق، مشيراً إلى أنه بعد الحرب تم إنشاء معامل إضافية، مثل معملي دير الزهراني ودير عمار، لكنهما أيضاً يعتمدان على المازوت والغاز، ما عزز الاعتماد على مصادر غير متجددة.

وبيّن أن الخطأ الثاني كان تحديد تعرفة الكهرباء في عام 1994 على أساس سعر برميل النفط عند 15 دولاراً، ومع ارتفاع أسعار النفط لاحقاً إلى ما يقارب 100 دولار، بقيت التعرفة على حالها حتى نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، مؤكداً أن هذا التثبيت للتعرفة خلق عجزاً متراكماً، إذ كانت الكهرباء تباع بأقل من تكلفتها، أي ما يباع الى المستهلكين تقريباً 10% من التكلفة، ما أدى إلى تفاقم الخسائر، إضافة إلى نظام شرائح متدرج في الفواتير حيث كانت 35 ليرة لأول 100 كيلووات، و55 ليرة لـ200 كيلووات التالية، ثم 120 ليرة في الشرائح الأعلى.
وأضاف أن هذا النظام لم يعكس الكلفة الحقيقية للإنتاج، مما ساهم في عجز كبير راوح بين 32 و45 مليار دولار، بحسب التقديرات، حيث تم احتساب الفوائد على القروض التي استخدمها لبنان لتمويل القطاع.
وشدد شمس الدين على أنه من أسباب تفاقم الأزمة عدم التزام بعض المواطنين بدفع الفواتير، خاصة في مناطق مثل ضاحية بيروت والجبل والمخيمات والشمال، حيث يتم استهلاك الكهرباء من دون تسديد المستحقات.

مصالح تمنع إصلاح قطاع الكهرباء

أكد الباحث شمس الدين أن وجود مصالح متشابكة تمنع إصلاح القطاع، حيث يستفيد نحو 3600 موزع اشتراكات كهربائية، إضافة إلى آلاف المولدات الصغيرة المنتشرة في المنازل، والمولدات الكبيرة التي يبلغ عددها حوالي 11 ألفاً في المباني والمصانع. هؤلاء الموزعون والمستوردون يحققون أرباحاً سنوية تراوح بين 300 و400 مليون دولار من تجارة المازوت والزيوت وقطع الغيار، ما يخلق مصلحة مباشرة لديهم في استمرار الأزمة وتعطيل جهود توفير الكهرباء على مدار 24 ساعة.

واقترح شمس الدين إعادة النظر في استراتيجية الطاقة من خلال تعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة، مثل الطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، حيث إنه منذ عام 2021، تم تركيب ألواح شمسية بقدرة إجمالية تبلغ 500 ميغاوات، أي ما يعادل إنتاج معمل كهربائي.

ولتحقيق استدامة في قطاع الطاقة، دعا إلى توفير قروض ميسّرة لدعم انتشار الطاقة الشمسية، وتعديل قوانين البناء لفرض استخدام الطاقة المتجددة (مثل أنظمة تسخين المياه بالطاقة الشمسية)، وتشجيع بناء السدود لتوليد الكهرباء.
وتابع أن هذه الحلول قد تجعل الكهرباء شبه مجانية على المدى الطويل، من دون الحاجة إلى معامل إضافية، ما قد يمكّن البلاد من تأمين الكهرباء على مدار 24 ساعة يومياً.
 

كسر الاحتكار

أوضح شمس الدين أنه على الرغم من وجود خطط لإدخال الطاقة المتجددة، لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب إرادة سياسية لمواجهة المستفيدين من استمرار الأزمة، بمن في ذلك أصحاب المولدات والمستوردون. من خلال كسر هذا الاحتكار وتبني مصادر مستدامة للطاقة فقط، يمكن للبنان تجاوز أزمته المزمنة وضمان مستقبل كهربائي أفضل.
من جانبه، قال مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان، كمال حايك، في حديث سابق، إن فرق الصيانة التابعة لشركة كهرباء لبنان تواصل عملها لإصلاح الأعطال على شبكات التغذية الكهربائية في المناطق المتضررة جراء العدوان الإسرائيلي، وتتم هذه العمليات بالتنسيق الكامل مع مخابرات الجيش اللبناني وقوات يونيفيل والصليب الأحمر، لضمان تأمين الظروف الآمنة لفرق الصيانة أثناء قيامها بواجباتها.
وأكد أنه تم تفعيل خطط الطوارئ لتسريع عمليات الإصلاح وإعادة التيار الكهربائي إلى المناطق المتضررة بأسرع وقت ممكن، وزيادة ساعات التغذية للمناطق الحيوية والمراكز التي تستضيف النازحين ومراكز إيواء، كما أن التنسيق مستمر بين الفرق الفنية والأجهزة الأمنية لضمان الوصول الآمن إلى مواقع الأعطال، رغم التحديات الأمنية.

المساهمون