ورطة الشيكات بدون رصيد في تونس: تعديلات قانونية تحبط الشارع

09 يونيو 2024
داخل بورصة تونس، 13 أكتوبر 2008 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- برلمان تونس يناقش تعديلات قانون الشيكات بدون رصيد لتخفيف العقوبات السجنية والغرامات، استجابةً لمطالب الفاعلين الاقتصاديين والمواطنين المتأثرين بالتعثر المالي.
- جمعيات مهنية ومتعاملون اقتصاديون يعبرون عن خيبة أملهم تجاه التعديلات المقترحة، مطالبين بإلغاء العقوبات السجنية كليًا والتحول نحو الشيك الإلكتروني لضمان تسويات مالية آمنة.
- النقاشات تبرز الحاجة لإصلاحات هيكلية في المنظومة المصرفية التونسية لتحسين الاندماج المالي وتقليل الاعتماد على الشيكات، مع مواجهة انتقادات تطالب بإجراءات أكثر جذرية لحماية المتعثرين ماليًا.

بدأ برلمان تونس نقاشات بشأن تنقيح بنود القانون التجاري المتعلقة بجرائم إصدار الشيك من دون رصيد، بعد إطلاق حملات واسعة من متعاملين اقتصاديين ومواطنين سقطوا في دائرة التعثر المالي والملاحقات القضائية والسجنية بسبب الصكوك بدون أرصدة مكالبين بإجراء تعديلات قانونية جديدة.
ومؤخرا، أحالت الحكومة على مجلس نواب الشعب مقترحا لتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية، أو ما يُعرف محليا بقانون الشيك بدون رصيد، تضمّن خفض العقوبات السجنية والغرامات المالية لمصدِري الشيكات بدون رصيد.
كما تضمّن مشروع القانون أيضا سحب ذات العقوبة على كل من تسلّم شيكا على وجه الضمان، في إطار مساع لحوكمة استعمال الشيكات كوسيلة خلاص مؤجلة.

الشيكات وعقوبات السجن

جاءت التنقيحات المعروضة على المصادقة على مشروع القانون الذي صاغته الحكومة، مخالفة لمطالب نشطاء وجمعيات مهنية طالبت بإلغاء عقوبات السجن والخطايا عن إصدار الشيكات بدون رصيد.

كما طالبت جمعيات مهنية ومتعاملون اقتصاديون بتغيير المنظومة كلها، والانتقال إلى استعمال الشيك الإلكتروني الذي يوفر الضمانات الكافية للخلاص بين الأطراف المتعاملة.

ويقترح تنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية في علاقة بجريمة إصدار الشيك بدون رصيد، المعاقبة بالسجن لمدة عامين وبغرامة مالية تساوي 20% من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته لكل من أصدر شيكا وليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك.

كذلك تشمل العقوبة قبول شيك بدون رصيد عن علم، أو تلقّي شيك كضمان، أو مساعدة مُصدر الشيك عمدًا في إخفاء الجريمة بانتهاك الواجبات المهنية.
وينص مشروع القانون أيضا على فرض غرامات على البنوك التي ترفض خلاص شيك في بعض الحالات تصل إلى 40% من قيمة الشيك.

وتصنّف قوانين تونس السارية حاليا عملية إصدار الشيك بدون رصيد ضمن الجرائم المالية التي تستوجب السجن في حال عدم السداد وفقا لبنود الفصل 411 من المجلة التجارية، الذي طالب طيف واسع من التونسيين بإسقاطه، بمن في ذلك المستثمرون، بعد ارتفاع عدد الملاحقين في قضايا إصدار صكوك بنكية بدون أرصدة إلى أكثر من 7 آلاف، إلى جانب مئات الآلاف من الفارين من الأحكام القضائية.

قضايا التعثر المالي وتعديلات قانونية جديدة

يقول رئيس الجمعية التونسية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، عبد الرزاق حواص، إن التنقيحات المعروضة على المصادقة جاءت محبطة لآلاف المتعاملين الاقتصاديين، ولا سيما أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة الذين يعدون أكبر ضحايا القانون الحالي.

وأكد حواص، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الإبقاء على العقوبات السجنية والخطايا المالية سيؤبّد ما وصفه بـ"المآسي" المترتبة على هذا الصنف من القضايا، نتيجة التعثر المالي لأصحاب المؤسسات الذين يواجهون السجن وخسارة مؤسساتهم بسبب غياب وسائل الحماية الاقتصادية اللازمة لهم وعدم توفير السيولة المالية لدعم أصحاب المشاريع.
وتابع: "يلجأ أغلب المتعاملين الاقتصاديين إلى استعمال الشيكات كضمان أو وسيلة خلاص مؤجلة الدفع بسبب صعوبة النفاذ إلى التمويلات المالية".

وأكد حواص أن جمعية المؤسسات الصغرى والمتوسطة سبق أن قدمت مقترحات للبرلمان، تتمثل في استعمال صيغ جديدة للشيك، على غرار الشيك الإلكترونية المعتمدة في الدول المتقدمة.

تنص المادة 411 من القانون التجاري التونسي على أن "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبغرامة تساوي 40% من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته، على ألا تقل عن 20% من مبلغ الشيك أو باقي قيمته، على كل من أصدر شيكاً ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه، أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه".

لكن رئيس الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تساهم في حملة إسقاط هذا الفصل من المجلة التجارية، عبدالرزاق حواص، يرى أن إلغاء عقوبة الحبس للملاحقين في قضايا الشيكات سينهي معاناة آلاف التونسيين، من أبرزهم صغار ومتوسطو المستثمرين الذين يدفعون ثمنا غاليا بسبب نقص السيولة لديهم واستعمال الشيكات كوسيلة دفع مؤجلة.

ووفق وثيقة شرح الأسباب التي قدمتها الحكومة للبرلمان، تهدف التعديلات المقترحة في مشروع هذا القانون إلى تطوير السياسة الجزائية نحو دعم دور العدالة في دفع الاقتصاد الوطني، والأخذ بعين الاعتبار الإكراهات المالية والاجتماعية للمتعاملين الاقتصاديين، خاصة المستثمرين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة.
كما يندرج في إطار مراجعة التشريعات المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال وملاءمة السياسة الجزائية مع خصوصياته، وذلك بتعديل أركان جريمة إصدار شيك بدون رصيد ونظام العقوبات المقررة لها.

مشروع مخيب للآمال

يرى مقرر لجنة التشريع العام في البرلمان التونسي، ظافر الصغيري، أن المشروع المحال على البرلمان كان مخيبا للآمال بعد انتظارات دامت أكثر من سنة.

وأكد الصغيري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التنقيحات الجديدة لا تخدم الاقتصاد التونسي ولا المتعاملين الاقتصاديين مقابل خدمة أطراف متنفذة تحاول المحافظة على امتيازاتها والمكاسب التي تحقق من مواصلة تداول الشيكات بالصيغة الحالية.

وتابع: "كان البرلمان ينتظر قانونا شاملا لتغيير صيغة استعمال الشيك، بما يحمي حقوق جميع الأطراف المتعاملة، غير أن النسخة التي أحيلت على السلطة التشريعية لم تتضمن إلا تغييرا للفصل المختص من المجلة التجارية الذي يبقي على العقوبة السجنية والمالية لمصدري الشيك بدون رصيد".

يرى مقرر لجنة التشريع العام أن التنقيح المحال على البرلمان لا يحقق الحد الأدنى من تطلعات التونسيين والمتعاملين الاقتصاديين. وتؤكد بيانات حكومية رسمية أن الإحصائيات المسجلة لدى مصالح وزارة العدل من بداية العام إلى حدود شهر إبريل 2024، تشير إلى أن العدد الإجمالي للمودعين في السجون من أجل ارتكاب جريمة إصدار شيك بدون رصيد قد بلغ 496.

مطالب بإصلاحات للمنظومة المصرفية

يعتبر رئيس جمعية مكافحة اقتصاد الريع "آلارت" (مستقلة)، لؤي الشابي، أن تنقيح قانون الشيكات لا يمكن أن ينجز بمعزل عن إصلاحات هيكلية تحتاجها المنظومة المصرفية في تونس، ولا سيما النظام الريعي للبنوك الذي يتكسّب من مآسي الشيكات المرفوضة لعدم كفاية الأرصدة لدى صغار المتعاملين الاقتصاديين.

وأكد الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ضعف الاندماج المالي يجبر التونسيين على اللجوء إلى الشيك كوسيلة دفع مؤجلة أو اقتراض قصير المدى في سوق موازية لا تحمي الأطراف المتعاقدة. وأفاد الشابي بأن ضعف الاندماج المالي يهيئ الأرضية لكل التعاملات المالية المحفوفة بالمخاطر، ومن بينها إصدار الشيكات بدون رصيد.

وتفرض المصارف التونسية على الشيك بدون رصيد ثلاثة أصناف من العمولات تتراوح ما بين 90 و150 دينارا في المرحلة الأولى، ثم 95 دينارا عن كل ورقة في الملف الذي تتم إحالته للقضاء.