واشنطن تسعى لكسب الهند في صراعها الاستراتيجي مع بكين

23 يونيو 2023
جو بايدن يستقبل رئيس الوزراء ناريندرا مودي في البيت الأبيض (Getty)
+ الخط -

سبق أن راهنت الولايات المتحدة على الصين في كسب الحرب الباردة ومحاصرة نفوذ الاتحاد السوفييتي. ورغم أن النظام الشيوعي سقط في نهاية عقد الثمانينات الماضي، ولكنها خسرت رهانها في تحويل الصين من صديق إلى عدو.

والآن تراهن واشنطن على كسب الهند في نزاعها المتصاعد مع بكين، ولكن هل ينجح الرهان وسط طموح نيودلهي أن تصبح دولة عظمى خلال العقد المقبل وربما منافسة الولايات المتحدة نفسها في النفوذ الجيوسياسي؟

مع بدء زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي لواشنطن، يثار السؤال حول ما الذي تريده الهند من واشنطن، وماهي المصالح الأميركية التي ترغب إدارة بايدن تحقيقها من الشراكة الاستراتيجية مع الهند؟ على الصعيد الهندي، يقول مودي، إن هذا هو عقد الهند.

وهذا يعني ببساطة أن بلاده ترغب في إحداث تحول اقتصادي وتقني هائل عبر الاستثمارات الغربية ونقل التقنية، وأن تصبح بلاده الوجهة الجديدة للشركات الأميركية الراغبة في التخارج من التصنيع بالسوق الصيني. وبالتالي يطرح مودي بلاده كبديل تجاري وصناعي للشركات الأميركية المتواجدة في الصين؟

وتأتي أهمية الهند في هذا الصراع بين واشنطن والصين بسبب موقعها الاستراتيجي في آسيا، فهي الدولة الجارة للصين وثالث أكبر اقتصاد في القارة وكذلك خامس أكبر اقتصاد في العالم، إذ يقدر حجم اقتصادها بنحو 3.202 تريليونات دولار، حسب بيانات صندوق النقد الدولي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وتشير البيانات الهندية الرسمية التي نشرتها " إنديا تايمز" يوم الأربعاء إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الهندي، نما خلال الفترة 2022-2023 بنسبة 7.2% مقارنة بـ 9.1% في العام المالي الماضي 2021-2022. ولكن قطاع الصناعات التحويلية في الهند شهد تباطؤاً حاداً في النمو إلى 1.3% في السنة المالية 2022 ـ 2023 مقابل 11.1% في السنة المالية الماضية.

ولذا فإن الهند تسعى لجذب التقنية والاستثمارات الأميركية لتقوية هذا القطاع. كما أن الهند دولة كثيفة السكان ويقدر عدد سكانها بنحو 1.4 مليار نسمة وحجم السوق الاستهلاكية يزداد نمواً مع تنامي حجم الطبقة الوسطى في البلاد.

وهذه العوامل إلى جانب القوة الشرائية المتضاعفة يسيل لها لعاب الشركات الكبرى متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة. ومن هنا فهي دولة مغرية تجارياً للشركات الأميركية الباحثة عن أسواق بديلة عن الصين.

لكن رغم ذلك لا تزال الهند متخلفة نسبياً على النطاق العالمي، حيث يعيش أكثر من 600 مليون شخص على أقل من 3.65 دولارات في اليوم، حسب بيانات مؤسسة "ماكرو ترند" العالمية للبيانات الاقتصادية.

ولا تزال تملك إمكانات هائلة للنمو الاقتصادي بالهند في حال أن كسبت التقنيات والاستثمارات الأميركية التي ستساهم في زيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة وتوسع الطبقة الوسطى.

على الصعيد الأميركي ترغب إدارة الرئيس جو بايدن اجتذاب الهند كشريك استراتيجي موثوق به لتحجيم التمدد الاقتصادي والتجاري الصيني، خلال زيارة الدولة التي بدأها مودي إلى واشنطن.

وكان مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، قد سبق زيارة مودي بزيارة إلى نيودلهي الأسبوع الماضي، اجتمع خلالها مع نظرائه الهنود لوضع الأساس للتعاون المستقبلي بشأن التقنيات المتقدمة والتجارة الثنائية التي تجاوز حجمها 190 مليار دولار.

ولكن رغم الإغراءات التي تعرضها واشنطن على شركاتها بالانتقال خارج الصين والتوجه للهند ودول النمو الآسيوية الأخرى، إلا أن العديد من أصحاب الأعمال التقنية الأميركية مترددون في اتخاذ خطوة كهذه، خوفاً على مصالحهم في السوق الصيني الضخم.

وبرز ذلك جلياً خلال الزيارات التي قام بها كبار مليارديرات التقنية لبكين الشهر الماضي، ومن بينهم الملياردير بيل غيتس صاحب شركة مايكروسوفت.

وتراهن واشنطن، أن الهند ستجذب تدريجياً الشركات الأميركية واليابانية وربما الأوروبية إلى قطاعها الصناعي، كما تراهن واشنطن على العداء التاريخي بين الهند والصين الذي تصاعد في يونيو/حزيران العام 2020 إلى نزاع عسكري على الحدود.

لكن رغم هذه الميزات، فإن واشنطن قلقة من علاقات الهند الدفاعية مع روسيا التي تهدد انتقال تقنياتها الدفاعية الحساسة إلى موسكو.

وحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وقعت واشنطن على خطة جديدة للتعاون في مجال التصنيع الدفاعي مع نيودلهي تمنح الهند وصولًا أكبر إلى التكنولوجيا الأميركية.

كما تأمل نيودلهي أيضًا في شراء طائرات استطلاع أميركية بدون طيار لاستخدامها على طول حدودها المتنازع عليها مع الصين. وينظر محللون إلى أن كلتا الخطوتين تفيدان الولايات المتحدة، الأولى من خلال تطوير سلاسل إمدادات دفاعية أكثر مرونة والأخرى من خلال المساعدة في ردع العدوان الصيني.

من جانبه ألقى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين خطابًا أمام قمة أفكار مجلس الأعمال الأميركي الهندي في واشنطن عشية الزيارة التاريخية لمودي، طرح خلالها خلال استراتيجية بايدن لمستقبل العلاقة مع الهند في القرن الحادي والعشرين".

ورغم أن القضايا الأمنية والدفاعية تحتل مكانة بارزة في الزيارة، ولكن التجارة تأتي على رأس جدول الأعمال حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع أكثر دول العالم سكانًا. والولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري للهند، في العام الماضي. ولكن لا تزال هناك حواجز كبيرة أمام التجارة بين البلدين، وربما تنجح زيارة مودي في معالجتها.

من بين هذه الخلافات عضوية الهند في منظمة بريكس التي تعادي واشنطن ونظمها المالية والنقدية وكيفية خدمة هذه العضوية لمصالح واشنطن. وتنتقد الهند مبادرة المناخ التي يروج لها بايدن.

وحسب تحليل لمجلس العلاقات الخارجية الأميركية، انتقد وزير الطاقة الهندي، راج كومار سينغ، مبادرة المناخ باعتبارها سياسة حمائية محضة تضر البلدان النامية غير القادرة على دعم انتقالها إلى الطاقة الخضراء.

وفي العام الماضي، طبقت الهند تعرفة بنسبة 40% على واردات الألواح الشمسية، والتي تدرس خفضها إلى النصف بعد نقص القدرة المحلية.

وفي ما يتعلق بالتجارة العالمية، تعارض الهند بشدة المفاوضات متعددة الأطراف في منظمة التجارة العالمية بشأن التجارة الرقمية وتسهيل الاستثمار. كما اختارت الهند الخروج من المنتدى الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي مبادرة التجارة المميزة لإدارة بايدن.

وحسب الخبيرة الاقتصادية الأميركية، إنيو ماناك، تدفع الولايات المتحدة الهند للمشاركة في هذه المحادثات، وترى ماناك، أن واشنطن، "يجب أن تشير أيضًا إلى أن اتفاقية التجارة الثنائية ليست ممكنة فحسب، بل مرغوبة أيضًا. على الرغم من ذلك، لا تزال هناك فرصة كبيرة لتحسين العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والهند.

في هذا الشأن قالت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إن "الولايات المتحدة تنتهج سياسة "تعميق التكامل مع شركائنا التجاريين الموثوق بهم، وقد حددنا الهند من بينهم".

لكن الزميلة في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إنيو ماناك، تقول في تحليل على موقعها، إذا أرادت إدارة بايدن إرسال إشارة قوية إلى الهند بأنها حليف اقتصادي موثوق به، فينبغي أن تبدأ واشنطن برفع التعريفات الجمركية التي كانت مفروضة في عهد دونالد ترامب على صادرات الصلب والألمنيوم باسم الأمن القومي، كما لا ينبغي اعتبار استيراد الصلب والألمنيوم من الهند تهديدًا أمنيًا. وتضيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد هذه الجهود من خلال المساعدة الفنية ودعوة الهند للانضمام إلى نادي الصلب الأخضر الذي تطوره مع الاتحاد الأوروبي.

المساهمون