هيمنة الدولار: عملات الأسواق الناشئة تتراجع... والروبل الروسي يفلت

30 يونيو 2022
محل صرافة في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (Getty)
+ الخط -

لا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا تُلقي بظلالها على الأسواق الناشئة، وتُعد أكبر الأخطار التي تقلق المستثمرين في أسواق الصرف العالمي، إذ أنها تهدد بتغيير جذري في النفوذ الجيوسياسي في أوروبا، كما ترفع الحرب من معدلات التضخم، وتزيد من احتمالات حدوث اضطرابات سياسية في دول الأسواق الناشئة.

ورغم أن العديد من عملات تلك الأسواق التي تصدّر دولها سلعاً رئيسية استفادت خلال العام الجاري من ارتفاع أسعار السلع الرئيسية، مثل النفط والغاز الطبيعي والمعادن والحبوب، إلا أن بعض هذه العملات عادت لتواجه حالياً متاعب بسبب الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار وتراجع أسعارها، وسط المخاوف من وقوع بعض الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا في فخ الركود الاقتصادي أو ربما "الركود التضخمي".

وترى شركة لازارد الفرنسية المتخصصة في إدارة الثروات الخاصة، أن العملات الناشئة باتت تتأثر سلباً وبدرجة كبيرة من تدهور نوعية الأصول بسبب ارتفاع حجم الديون السيادية الدولارية، وهروب المستثمرين من سنداتها السيادية تفادياً للخسائر، وسط أخطار إفلاس بعضها أو عدم قدرتها على خدمة الديون، وتوقعات إعادة الجدولة تحت ضغوط ارتفاع سعر صرف الدولار.

يُذكر أن مؤشر الدولار يواصل الارتفاع مقابل العملات الرئيسية في العالم، مع احتمال مواصلة مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) رفع الفائدة المصرفية لمكافحة التضخم.

وحسب بيانات "وول ستريت جورنال"، ارتفع مؤشر الدولار بنحو 2.5% خلال الشهر الجاري، كما ارتفع بنحو 12% في المتوسط مقابل 16 عملة عالمية. وبالتالي، فإن عملات الأسواق الناشئة كانت أكبر الخاسرين، خاصة عملات الدول غير المصدّرة للسلع الاستراتيجية. لكن في المقابل، فإن العملة الروسية خرجت رابحة لتصعد إلى أعلى مستوى في 7 سنوات.

ومن بين العملات التي تواجه أزمات في الأسواق الناشئة في الوقت الحالي، الراند الجنوب أفريقي والريال البرازيلي والبيزو التشيلية والروبية الهندية والليرة التركية والبيزو المكسيكية والنيرو النيجيرية، وعملات شرق أوروبا التي باتت تحت نيران التهديد بالحرب. وبالتالي، من المتوقع أن تشهد موازين الحساب الجاري والتجاري في هذه الدول والاحتياطات بالعملات الصعبة مزيدا من الصعوبات، كما من المتوقع أن تؤدي ضغوط التضخم إلى ركود في الاقتصادات العالمية، في حال طول أمد الحرب الروسية في أوكرانيا.
ورغم أن قمة السبع التي أنهت اجتماعاتها يوم الثلاثاء في ألمانيا شددت العقوبات الغربية على أمل الضغط المالي على موسكو وإجبارها على التراجع عن غزو أوكرانيا، إلا أن التصريحات الصادرة من الكرملين لا تبشر بخير حتى الآن.

عملات المتاعب
كان الراند الجنوب أفريقي من العملات التي جذبت المستثمرين في الشهور الأولى من العام الجاري، بسبب ارتفاع أسعار السلع دخل البلاد بالعملات الصعبة من الصادرات. لكن المستثمرين عادوا لبيعها خلال الشهر الجاري، وسط مخاطر تراجع ركود الاقتصادات العالمية وتداعياتها على أسعار السلع الجنوب أفريقية. وحسب بيانات التداول في بورصة جوهانسبرغ، فإن سعر صرف عملة جنوب أفريقيا واصل التذبذب حول مستويات دنيا تراوحت بين 15.8 و16 راند مقابل الدولار.

ورغم أن جنوب أفريقيا تصدّر سلعاً رئيسية من بينها الذهب والبلاتنيوم والفحم والألماس، وتحقق سنوياً، حسب بيانات شركة "أو إي سي" العالمية المتخصصة في البيانات التجارية، دخلاً يبلغ نحو 12 مليار دولار من صادرات الذهب، و11.9 مليار دولار من صادرات البلاتنيوم، و4.75 مليارات دولار من صادرات الألماس، إلا أن مخاطر حدوث ركود في الأسواق الرئيسية التي تستورد هذه السلع، خاصة الأسواق الأوروبية والأميركية، واحتمال تباطؤ الاقتصاد الصيني، جعل المستثمرين يهربون من الراند خلال الشهر الجاري.
وعادة ما يفضل المستثمرون في أوقات عدم اليقين بشأن النمو الاقتصادي العالمي أو الاضطراب الجيوسياسي، الاستثمار في الأصول الدولارية، رغم ضعف عائدها الحقيقي والتخلص من الأصول ذات العائد المرتفع، ولكنها تصنف أصولاً عالية المخاطر.
أما الريال البرازيلي الذي كان من بين الرهانات الناجحة في النصف الأول من العام، وحقق المستثمرون منه أرباحاً عالية بسبب التوقعات الحكومية بارتفاع حجم الفائض التجاري الذي يدعم صرف العملات مقابل الدولار، فإنه تعرّض لمبيعات كثيفة بسبب الخسائر المحتملة للصادرات. وتراجع في تعاملات الثلاثاء وفق نشرة ناسداك الأميركية إلى 5.26 ريالات مقابل الدولار.

وكانت الحكومة البرازيلية قد توقعت ارتفاع الصادرات إلى 348.8 مليار دولار وتراجع الواردات إلى 237.2 مليار دولار، وهو ما يعني ارتفاع الفائض التجاري للبرازيل إلى 111.6 مليار دولار. ولاحظ محللو عملات أن العملة البرازيلية عادة ما تشهد تقلبات جنونية قبل شهور الانتخابات. وتشهد البرازيل انتخابات رئاسية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ويواجه الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو اختباراً صعباً وربما لا يتمكن من الفوز بدورة ثانية، حسب توقعات غربية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

أما العملة التشيلية، فقد شهدت ارتفاعاً كبيراً في بداية العام الجاري، حيث خسرت بسبب احتمال تراجع أسعار النحاس في حال حدوث ركود اقتصادي يؤدي إلى هبوط حاد في أسعار المعادن.
وتراجعت العملة المكسيكية البيزو بنسبة 5% خلال شهر مايو/أيار الماضي، حسب بيانات ناسداك، ولكن المستثمرين يعتقدون أن الرهان على البيزو أمر جيد في سوق العملات بسبب قوة المكسيك النفطية، وبالتالي حصولها على دخل مرتفع. وتنتج المكسيك نحو 2.48 مليون برميل يومياً وتتجه لزيادة الإنتاج من النفط والغاز الطبيعي. وكانت الحكومة المكسيكية قد رفعت نسبة الفائدة إلى 7.7%، وفقاً للبيانات الحكومية في مكسيكو.
ومن بين العملات المرشحة للهبوط هذا العام، كل من الروبية الهندية والليرة التركية واليوان الصيني. وتثار المخاوف من تراجع اليوان بسبب قلق المستثمرين من النقص المتوقع في إنتاج القمح، إذ تعرضت الصين لموجة من الجفاف. ويقول محلل سوق الصرف في شركة "بي أو أم كابيتال ماركتس" في تعليقات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن العملة الصينية من المتوقع أن تظل ضعيفة خلال العام الجاري. وعانت الصين من مجموعة من المتاعب، خاصة جائحة كورونا التي أدت إلى إغلاق النشاط التجاري في إقليم شنغهاي، أكبر المناطق التجارية في البلاد.

وترى شركة لازارد الفرنسية، في تقريرها عن العملات الناشئة، أن الحرب الروسية على أوكرانيا والديون الدولارية تعد من أكبر المخاطر التي تواجهها عملات الأسواق الناشئة وتدفع المستثمرين إلى تفادي الاستثمار فيها.

ورغم العلاقة التجارية الضعيفة بين الاقتصادات الناشئة وبين روسيا، إلا أن الحرب تؤثر على الأمن الغذائي وإمدادات الطاقة في الدول النامية والفقيرة، وتضغط على احتياطاتها من العملات الصعبة.
وتشير بيانات لازارد إلى أن تجارة روسيا مع العالم تراجعت كثيراً بسبب غزوها أوكرانيا، حيث تمثل حالياً نحو 4% فقط من إجمالي تجارة السلع والخدمات في العالم، مقارنة بنسبة 10% قبل الغزو لأوكرانيا. ولكن روسيا تنتج سلعاً استراتيجية ذات تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، حيث تنتج 10% من إجمالي النفط العالمي، و20% من إجمالي الغاز الطبيعي العالمي، و17% من إجمالي القمح العالمي، كما أنها منتج رئيسي للعديد من المعادن التي تؤثر في الصناعات، حسب بيانات لازارد.

وبالتالي، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلاه من عقوبات مالية واقتصادية على موسكو كان له تأثير كبير على عملات الدول الناشئة. ويحدث هذا التأثير على الرغم من أن صادرات الدول النامية والفقيرة لروسيا لا تتجاوز 1.4%، كما أن وارداتها منها لا تزيد عن 2.2%، إلا أن موسكو تزيد من ضغوطها عبر التأثير على إمدادات القمح الأوكراني.

لكن رغم هذا التأثير السلبي، إلا أن العملة الروسية واصلت ارتفاعها لتصعد إلى أعلى مستوى منذ مايو 2015. وحسب بيانات، ارتفع الروبل إلى أعلى مستوياته في سبع سنوات مقابل الدولار خلال تعاملات الأربعاء، حيث عوضت ضوابط رأس المال الروسية إلى جانب سداد الشركات المحلية للمدفوعات الضريبية في نهاية الشهر، التأثير السلبي لتخلف روسيا عن سداد ديونها الدولية في الميعاد المحدد.

وتخلفت روسيا عن سداد مدفوعات سنداتها الدولية، يوم الأحد، وسط استمرار العقوبات الغربية التي تحرم البلاد من تحويل الأموال إلى الدائنين. ومع ذلك، يظل الروبل هو العملة الأفضل أداءً في العالم في عام 2022، بدعم من إجراءات الطوارئ الروسية وضوابط رأس المال، التي تم اتخاذها لحماية النظام المالي للبلاد من العقوبات الغربية، بعد بدء الحرب على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير.

وارتفعت العملة الروسية بنسبة 2.69% إلى 51.57 روبل مقابل الدولار، لتتداول عند أعلى مستوياتها منذ عام 2015، كما صعدت مقابل اليورو بنسبة 5.74% عند 53.99 روبل.

المساهمون