هل ينقذ "سوبر ماريو" اقتصاد إيطاليا؟

08 فبراير 2021
ماريو دراغي المكلف بتشكيل الحكومة الإيطالية (Getty)
+ الخط -

"هل يستطيع ماريو دراغي إنقاذ إيطاليا كما أنقذ منطقة اليورو؟".. ذلك هو السؤال الذي ردده محللون ووسائل إعلام عالمية، في أعقاب تكليف الرئيس الإيطالي، سيرغيو ماتاريلا، الأسبوع الماضي، محافظ البنك المركزي الأوروبي السابق دراغي بتشكيل حكومة جديدة، تعبَر بالبلاد من الأزمة الاقتصادية والسياسية، التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.

أعاد مراقبون التذكير بعبارته الشهيرة "مهما كلف الأمر"، عندما تصدّى دراغي، باعتباره محافظاً للبنك المركزي الأوروبي، لإنقاذ اليورو في عام 2012، عبر تطويع الأسواق المالية. وأشار آخرون إلى سمعته، التي ستسهل له الاعتماد على الدعم الأوروبي، خاصة المالي منه.

ووفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" أخيراً، يمكن لدراغي أن ينجح فيما فشل فيه كونتي، الذي يرى مراقبون أنه أخفق، لأنه لم يتحكم في تدبير خطة الإقلاع الاقتصادي بسبب الخلاف بين مكونات حكومته، بينما قد يحظى دراغي بوفاء الكتلة الأوروبية بوعدها بضخ 209 مليارات يورو من أجل إنقاذ الاقتصاد العليل.

ورغم الصعوبات التي ستصادف دراغي في تشكيل الحكومة، إلا أن العارفين بسيرته يدركون أنه يتمتع بقدرة كبيرة على الإقناع كي تلتف الأحزاب حول مشروع الإقلاع الاقتصادي. علما أنه سيحاول الحصول على دعم فريق متجانس نسبيا إلى غاية 2023، في ظل دعوة أطراف من اليمين المعادي لأوروبا إلى انتخابات مبكرة.

ويعود إلى دراغي الحاصل على دبلوم في الاقتصاد ودكتوراه من معهد ماساشوسيتس، الفضل في إنقاذ منطقة اليورو عام 2012 في أوج أزمة الديون. ويُعرف عنه تكتّمه وجديته وإصراره، لكنه سيحتاج إلى دعم بلده والبرلمان كي تخرج إيطاليا من الأزمة.

ينحدر دراغي من أب مصرفي وأم صيدلانية، ويصفه المراقبون بأنه يعرف كيف يخاطب الأسواق من دون أن يلهو عن الاقتصاد الحقيقي، اكتسب خبرة حقيقية عندما التحق بخزانة بلده في ظل أزمة جعلته على حافة الإفلاس في التسعينيات من القرن الماضي، حيث تولى "إصلاحات"، استحق بعدها لقب "أب التقشف"، في إشارة إلى إصلاحات هيكلية قادها في تلك الفترة.

عمل في سنوات ماضية لدى بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس، الذي ارتبط اسمه بقضية مساعدة اليونان على إخفاء بيانات حقيقية حول الديون والعجز المالي، وهو ما كشفته تقارير رقابية أميركية في 2010، ما يجعل هذه القضية محسوبة على دراغي.

ترأس دراغي، البالغ من العمر 73 عاماً، منتدى الاستقرار المالي، الذي أسسته مجموعة الدول السبع، قبل أن تتحول إلى الدول العشرين، ما ساعده على اكتساب شهرة كبيرة، لينتقل بعد ذلك ليتولى أمر البنك المركزي الأوروبي في 2011، وهو التعيين الذي تحفظت عليه ألمانيا وبلدان شمال أوروبا، على اعتبار أنهم كانوا يرون أنه كإيطالي "لا يعرف قيمة المال".

غير أن نجاحه في إخراج منطقة اليورو من أزمتها، دفع مراقبين إلى إطلاق وصف "سوبر ماريو" عليه. فقد أتي دراغي بشيء غير مسبوق في تاريخ البنوك المركزية، حيث تصدى لإعادة إحياء إقراض الشركات والأسر، وعمد البنك المركزي إلى شراء القروض الخاصة والسندات العمومية، بهدف تحريك آلية القروض. ويحسب له أنه أرسى العديد من الأدوات التي تتيح للبنك المركزي التدخل عند الحاجة، وإن لم يفلح خفض التضخم آنذاك إلى 2%.

وصفه الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، بول كروغمان، بأنه أفضل محافظ بنك مركزي في الأزمنة الحديثة، حيث يعترف له بدفاعه عن العملة الأوروبية الموحدة عندما كانت مستهدفة من قبل المضاربين في سياق أزمة الديون السيادية.

لم يسبق له أن مارس السياسة، لكنه لم يكن بعيداً عنها في مختلف المهام التي تحمّلها. وتتصور الاقتصادية فيرونيكا دي رومانيس، أنه بروفايل ملائم للوضعية الحالية، ما دامت "منهجيته التصرف بسرعة والحسم في الخيارات".

لكن قبل ذلك، يتوجب عليه الحصول على الأغلبية المطلقة التي تقتضي 161 صوتاً داخل البرلمان، علما أن حزب "خمسة نجوم"، الذي يستحوذ على 92 مقعداً أعلن أنه سيصوت ضد حكومة دراغي، في حين ينظر كثيرون إلى الرجل بالكثير من الفخر بفضل دوره في إنقاذ اليورو. لكن إدارة الأزمة الصحية وتوفير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا وبلورة خطة الإقلاع الاقتصادي لن تكون مهمة سهلة.

المساهمون