بات المواطن العربي أمام إجراءات تقشفية عنيفة، يواجه سياسات "نيوليبرالية" مستوردة من الغرب لا ترحم فقيراً ولا تسد معدة جائع وتنتصر فقط للأثرياء.
بات أمام حكومات فاشلة تفضل الحجر على البشر. حكومات تلعب دور السمسار لا المنظم، دور التاجر الجشع لا دور موفر السلع والخدمات بأسعار مقبولة لدى الأفراد، حكومات تراعي مشاعر وقرارات وإملاءات وشروط صندوق النقد والبنك الدوليين والدائنين وأصحاب السندات الخارجية أكثر من مراعاتها مشاعر وأحاسيس ومصالح وظروف مواطنيها خاصة من الطبقات الفقيرة.
حكومات تفضل بناء العقارات والأبراج السكنية الفاخرة والكباري على المستشفيات والمدارس والمصانع وشبكات المياه والصرف الصحي، تهتم بالقطاعات الريعية والخدمات سريعة الربح أكثر من اهتمامها بالتعليم والصحة العامة والبحث العلمي والتصنيع والزراعة.
حكومات تراعي قرارات وإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين والدائنين أكثر من مراعاتها مشاعر ومصالح وظروف مواطنيها خاصة من الطبقات الفقيرة
خلال الشهور الأخيرة، بات هذا المواطن أمام ضغوط اقتصادية ومعيشية عنيفة وضائقات مالية لا قبل له بها، وقفزات متواصلة في أسعار السلع والخدمات، قفزات لا ترحم الطبقة الوسطي، فما بالنا بالطبقات الفقيرة والكادحة والمعدمة التي لا تملك من حطام الدنيا سوى الستر؟
بات هذا المواطن المغلوب على أمره أمام تكلفة خدمات حكومية لا تُطاق، وزيادات متواصلة في كل شيء، بداية من رسوم المدارس والجامعات وتراخيص المرور والمخالفات واستخراج شهادات الميلاد وجواز السفر وغيرها، ونهاية برسوم تصاريح الدفن والطلاق.
قفزات في أسعار الوقود بكل أنواعه، سواء بنزين أو غاز طهي أو سولار أو مازوت حتى في ذروة انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، بات المواطن أمام فواتير نارية للمياه والكهرباء والإيجارات والمواصلات العامة تفوق القدرة الشرائية للجميع بمن فيهم الطبقة التي كانت مستورة في يوم ما.
ورغم تفاقم الظروف المعيشية وتفشي جائحة كورونا وتراجع الدخول وتآكل المدخرات، يقع المواطن تحت قرارات حكومية لا ترحم أحدا ولا تراعي ظروف الأغلبية، أمام حكومات تفضل سياسة الجباية على زيادة الإنتاج، تفضل سياسة فرض مزيد من الضرائب على أولوية زيادة الصادرات والإنتاج وتنشيط السياحة والاستثمارات الأجنبية وتحويلات المغتربين، تستسهل تطبيق قرارات عنيفة من نوعية خفض دعم السلع الأساسية كالغذاء، أو إزالته من الأصل، على تنمية الاقتصاد وتنشيط قطاعاته.
المواطن أمام حكومات تحولت إلى سمسار عقارات وتاجر شره للأموال يهمها تحقيق العوائد، حتى ولو كان ذلك على حساب ملايين الفقراء وتردي مستوى الخدمات
حكومات تحولت إلى سمسار عقارات وتاجر شره للأموال يهمها تحقيق العوائد والعمولات في المقام الأول، حتى ولو كان ذلك على حساب ملايين الفقراء وتردي مستوى الخدمات العامة بما فيها الصحة والتعليم.
حكومات لا تبذل أي مجهود لتحسين مستوى المواطن المعيشي وكبح جماح الأسعار، بل تفضل استيراد كل شيء، حتى لو كان الثمن هو نزيف احتياطيات البلد من النقد الأجنبي، وتعرقل زراعة السلع الغذائية، سواء أكانت قمحاً أو ذرة أو أرزاً حتى تظل دولها معتمدة على الاستيراد من الخارج، خاصة السلع الأساسية مثل الغذاء والسلاح والدواء.
حكومات تحصل على ضرائب ورسوم ضخمة وبالمليارات، وفي المقابل لا يشهد الموطن تحسنا في مستواه المعيشي، أو يجد صدى للأموال الضخمة التي يدفعها في شكل ضرائب ورسوم.
حكومات تفضل اغتراف القروض الدولارية من الخارج، حتى لو أدى ذلك إلى ارهاق موازنة الدولة وإيراداتها العامة، ومعها المواطن الذي يتحمل وحده تكلفة عبء سداد هذا الدين، أو رهن مستقبل البلاد الاقتصادي والمالي والسياسي للدائنين الدوليين.
ببساطة، بات حال المواطن العربي يرثى له، لا فارق كبير بين مصري وليبي ومغربي وتونسي، ولا بين يمني وسوداني وسوري، ولا بين لبناني وأردني وبحريني، يتكرر الحال في بعض الدول العربية النفطية كما هو الحال في العراق والجزائر، فثروات البلدين نهبها الفساد وبات الفقر والبطالة والذل يعشش في كل ركن من أركان الدولتين.
بات حال المواطن يرثى له، لا فارق كبير بين مصري وليبي ومغربي وتونسي، ولا بين يمني وسوداني وسوري، ولا بين لبناني وأردني وبحريني، يتكرر الحال في دول نفطية مثل العراق والجزائر
في السودان، عادت صفوف الخبز والوقود واختفت الأدوية من الصيدليات وتدافع السودانيون بشكل فوضوي نحو الأسواق بحثاً عن سلع أساسية بدأت تختفي، وقفز معدل التضخم لأكثر من 400%، وهو المعدل الأضخم في العالم، وكأن ثورة شعبية ما قامت.
وفي لبنان، عادت العتمة وانقطعت الكهرباء واختفى البنزين والسولار ووضعت البنوك يدها على أموال المودعين، كما تشهد الأسعار قفزات خلال اليوم الواحد، ورغم ذلك لا تزال النخب الحاكمة تواصل تهريب الأموال إلى الخارج، كما جاء في وثائق "برمودا" الأخيرة، ولا يزال رياض سلامة محافظ مصرف لبنان على رأس البنك المركزي حتى الساعة رغم الشبهات المالية التي تلاحقه.
وفي الجزائر، يتدافع الشباب نحو الهجرة غير المشروعة مفضلين الموت على البقاء في دولة لا مستقبل لها في ظل وجود حكومات فاسدة مدعومة من العسكر، ويبحث المواطن عن سلع أساسية لا يجدها، وإذا وجدها يكون سعرها أكبر من قدرته الشرائية.
وفي اليمن، يموت الأطفال والنساء بسبب اختفاء الأدوية والأغذية وحليب الأطفال، وفي مصر لا يعرف المواطن سقفا لقفزات الأسعار، وبات الملايين يتدحرجون بسرعة نحو الفقر المدقع واختفت الطبقة الوسطى، أما الطبقات الفقيرة فلا حول لها ولا قوة.
وباتت الحكومة المصرية تقترض مليارات الدولارات من الخارج وتتباهى بذلك، ولما لا ووسائل الاعلام تعتبر ذلك أحد نتائج نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وفي دول عربية، بات يرأس حكوماتها تجار ورجال أعمال لاحقت شركاتهم تهمة الاحتكار وغلاء الأسعار وربما الفساد، ويصنفون على أنهم أغنى أغنياء الدولة، فهل هؤلاء سيعملون حقاً على خفض الأسعار والاهتمام بالطبقات الفقيرة والمعدمة؟
هل ينتحر المواطن أمام هذا الفشل الحكومي المنتشر من الرباط غربا وحتى بغداد شرقا، ومن تعز جنوبا وحتى دمشق شمالا، أم يضرب رأسه في أقرب حائط حتى ترتاح الحكومات منه؟
ماذا يفعل المواطن أمام هذا المشهد المعقد بالغ البؤس، ماذا يفعل أمام حكومات باتت تعاقب مواطنيها بزيادة غلاء المعيشة، تنهار أسعار النفط في الأسواق الدولية لأقل من 20 دولارا للبرميل مقابل 120 دولارا في عام 2012 فتسارع تلك الحكومات إلى رفع أسعار الوقود، ترتفع أسعار النفط فتسارع إلى رفع سعر الوقود أيضا، لا قاعدة اقتصادية معروفة؟
حكومات باتت تغترف القروض من الخارج لبناء ناطحات سحاب وقطارات للأغنياء، ويتم سداد هذه القروض من جيوب الفقراء الذين لا يعرفون الفارق بين القطار السريع والقطار "القشاش".
السؤال: هل ينتحر هذا المواطن أمام كل هذا الفشل الحكومي المنتشر من الرباط غربا وحتى بغداد شرقا، ومن تعز جنوبا وحتى دمشق شمالا، أم يضرب رأسه في أقرب حائط حتى ترتاح الحكومات منه؟
إذا كانت الحكومات تعاقب هؤلاء المواطنين على الثورة والخروج عليها في عام 2011 فلتعلم أن الفقر والبطالة والغلاء والقبضة الأمنية هي أسباب مهدت كلها لتفجر ثورات "الربيع العربي" قبل أكثر من 10 سنوات.