هل يمكن أن تستغني أوروبا تماماً عن الغاز الروسي؟

23 أكتوبر 2024
منصة تخزين غاز مسال عائمة في ألمانيا، 15 ديسمبر 2022 (فابيان بيمر/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت الدول الأوروبية في تقليل اعتمادها على الغاز الروسي بزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر والجزائر، رغم استمرار الاعتماد الجزئي بسبب العقود الحالية وارتفاع الأسعار.
- تواجه أوروبا تحديات في تحقيق استقلالها الطاقوي مع انتهاء عقد الغاز الروسي، حيث ترفض كييف التفاوض مع موسكو، مما يعقد الوضع الجيوسياسي ويؤثر على أمن الطاقة في دول مثل النمسا وإيطاليا والمجر.
- يقترح خبير الطاقة خافيير بلاس توسط أذربيجان في العقد الجديد للحفاظ على تدفق الغاز عبر أوكرانيا، بينما تحذر مفوضة الطاقة الأوروبية من الاعتماد على الغاز الروسي كخيار سياسي خطير.

مع قرب انتهاء عقد عبور الغاز الطبيعي إلى أوروبا في أول يناير/ كانون الثاني المقبل، يثار السؤال: هل يمكن أن تستغني أوروبا تماماً عن الغاز الروسي؟ 
يلاحظ  أن دول الكتلة الأوروبية منذ وقف خطوط غاز الأنابيب الروسي بدأت الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال الذي تستورده عبر السفن، وأصبح عنصراً حاسمًا في استبدال غاز خطوط الأنابيب الروسية. ووفق معدد بروغيل للدراسات الاقتصادية في بروكسل، انخفضت حصة روسيا في واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي في الحالة الغازية من 29% في الربع الثاني من عام 2022 إلى 18% في الربع الثاني من عام 2024. وزاد الاتحاد الأوروبي وارداته من الغاز الطبيعي المسال من مختلف البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وقطر والجزائر. ولكن سمح هذا التحول عن غير قصد بزيادة أسعار الغاز الطبيعي المسال الروسي الذي لا يزال مسموحاً به بدخول الأسواق الأوروبية. ونتيجة لذلك، فيما تعمل أوروبا بنشاط على تنويع مصادر الطاقة لديها، وتهدف إلى التحرر من الغاز الروسي بحلول عام 2027، لا يزال هناك مستوى معين من الاعتماد على الغاز الروسي بسبب العقود الحالية وديناميكيات السوق. وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في بورصة أمستردام في نهاية سبتمبر الماضي بنسبة 2.35% عند 39.20 دولارًا (35.25 يورو) لكل ميغاوات في الساعة، وذلك في التداولات الآجلة. ويقول تحليل بوكالة بلومبيرغ، رغم أن أوروبا حققت تقدماً كبيراً في تقليل اعتمادها على الغاز الروسي، وخصوصاً إمدادات خطوط الأنابيب، فإنها لا تزال بحاجة إلى استيراد مستوى معين من الغاز الطبيعي المسال الروسي لتلبية احتياجاتها من الطاقة. ويشير خبير الطاقة خافيير بلاس، في تحليله المنشور اليوم بوكالة بلومبيرغ، إلى أن الوضع الجيوسياسي المستمر في التأثير يمنع الدول الأوروبية من تحقيق قدر أكبر من الاستقلال والأمن في مجال الطاقة. وبالتالي لا تزال أوروبا بحاجة إلى استيراد مستوى معيَّن من الغاز الروسي، خصوصاً بعض الدول، مثل النمسا وإيطاليا والمجر.
ويقول الخبير خافيير بلاس، إنه منذ ما يقرب من ثلاث سنوات من الحرب الأوكرانية، لا تزال أوروبا تشتري مليارات اليورو من الغاز الطبيعي الروسي. ومن المثير للسخرية أن الغاز الروسي يتدفق إلى القارة عبر خط أنابيب أوكراني. ولعل الأمر الأكثر إثارة للسخرية، أن كييف تفرض رسوم عبور على عدوها اللدود موسكو مقابل عبور الغاز، وفي منتصف الحرب، دفع الكرملين فاتورة بقيمة 800 مليون يورو سنويًا لأوكرانيا. ولاحظ  التحليل أن أوروبا تدفع لروسيا ثمن الغاز، وتستخدم روسيا تلك الأموال لشن حرب ضد أوكرانيا، وفي المقابل، تقدم أوروبا المال إلى أوكرانيا لوقف الهجوم الروسي، وبالتالي باتت أوروبا بطريقة غير مباشرة تموّل طرفي الصراع.

ويتدفق الغاز الروسي إلى أوروبا عبر ثلاثة طرق رئيسية. الأولان يشملان خطوط الأنابيب. أحدهما يمتد عبر أوكرانيا إلى سلوفاكيا؛ ويسافر آخر عبر تركيا إلى بلغاريا. والطريقة الثالث هو النقل على شكل غاز طبيعي مسال، وهو منتج يُبرَّد بشكل فائق لتحميله على الناقلات والشحن حول العالم، تمامًا مثل النفط.
ويرى التحليل أن انتهاء العقد الجاري لعبور الغاز الروسي سيختبر قدرة سوق الطاقة الأوروبية على الاستغناء عن الغاز الروسي. ويقول تحليل بلومبيرغ إنّ من غير المرجح تجديد الصفقة في شكلها الحالي، حيث ترفض كييف، على نحو مفهوم، الجلوس مع موسكو لإعادة التفاوض بشأنها. ومما يزيد الأمر تعقيداً، أن نقطة الدخول إلى خط الأنابيب على الجانب الروسي تقع في بلدة تسمى سودجا، التي أصبحت الآن تحت الاحتلال الأوكراني بعدما توغلت كييف هذا الصيف في المنطقة. ومع ذلك، هناك محاولات عديدة جارية للحصول على تمديد للاتفاق أو اتفاق جديد مقبول سياسياً يعكس واقع اليوم في كل شيء باستثناء الاسم.
ويُعَدّ خط الأنابيب الأوكراني الذي ينقل الغاز الروسي حاسماً لأوروبا الشرقية والوسطى، خصوصاً سلوفاكيا والنمسا. كذلك تتلقى إيطاليا وجمهورية التشيك والمجر بعض الغاز الروسي. وفي وقت سابق من هذا العام، حذرت الحكومة النمساوية من "خطر هائل" على أمن الطاقة إذا توقف تدفق الغاز الروسي. لقد حافظت فيينا على واحدة من أقدم وأعمق الروابط في أوروبا مع الطاقة الروسية، وحتى اليوم، فهي تعتمد على روسيا في أكثر من 80% من وارداتها من الغاز على روسيا.
ويرى خبير الطاقة والسلع خافيير بلاس، في تحليل اليوم على بلومبيرغ، أن الحل للحفاظ على تدفق الغاز الروسي عبر أوكرانيا ينطوي على  توسط أذربيجان ودرجة كبيرة من كيمياء تجارة السلع الأساسية. ويقول إن الحل الصحيح سياسياً يدعو الدولة الواقعة في آسيا الوسطى، وهي أذربيجان إلى الاستيلاء على عقد الغاز بين أوكرانيا وروسيا بعد انتهائه في يناير، وتوصيل الغاز الروسي نيابة عن موسكو إلى أوروبا. ولكن هناك مشكلة، وهي أن أذربيجان تضخ بالفعل أكبر قدر ممكن من الغاز. لذا، لتزويد أوروبا بجزيئات إضافية، سيتعين عليها مبادلة الغاز مع روسيا.
ويذكر أن مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، حذرت هذا الشهر القارة العجوز من السماح للغاز الروسي بالمرور، وقالت: "لا توجد أعذار. يمكن للاتحاد الأوروبي أن يعيش من دون هذا الغاز الروسي. هذا خيار سياسي وخطير". وترى سيمسون أن الاعتماد على روسيا خيار خطير، وهو خيار ينطوي على الكثير من الضغوط السياسية. فالغاز عبارة عن هراوة دبلوماسية في يد الكرملين يستخدمها ضد الكتلة الأوروبية. 

المساهمون