هل صحيح أن مصر ليست سريلانكا؟

19 يوليو 2022
القوة الشرائية للجنيه المصري تتراجع وخدمة الديون الخارجية ترتفع getty)
+ الخط -

ثار شعب سريلانكا، لاحق الغاضبون الرئيس غوتابايا راجاباكسا في مكتبه، من مقره الرسمي المحصن إلى فراشه بقصره الخاص، قبل أن يحرقوه ويمرحوا في حدائقه. تابع العالم الأحداث المروعة، التي توقعها كثيرون منذ أشهر، بعد دخول سريلانكا مرحلة الإفلاس، مع ذلك تجاهل الإعلام المصري ما وقع هناك.

صدرت الجرائد المصرية الحكومية والخاصة، في اليوم التالي لفرار الرئيس، دون الإشارة إلى أية أنباء، أو صور للمظاهرات الساخنة التي تجري هناك. شغل الإعلام المصري الناس، باحتفالات العيد، والأضاحي وصفحات مدفوعة، لتبادل التهاني بين المسؤولين.

مصر ليست سريلانكا، هكذا قال المسؤولون، كما قالوا من قبل: مصر ليست تونس، عندما بدأت ثورات الربيع العربي في 2010، مع ذلك جاءت رياح التغيير، بسرعة البرق.

حاليا تندلع نيران الغضب، من الشرق الأدنى، مع ذلك نقول إن مصر ليست سريلانكا، بينما خبراء مصريون، ومؤسسات عالمية تقدم نصائح مدفوعة الأجر للحكومة، يرفعون لها الراية الصفراء، حتى لا تصحو يوما، على ضجيج أحداث مشابهة.

تضع المؤسسات المالية قائمة مطولة، لدول بدأت مرحلة التعثر المالي، بلغت ديونها 250 مليار دولار، توشك على الإفلاس. وفقا لآخر تحذير أطلقته مؤسسة بلومبيرغ إيكونوميكس، تأتي مصر وتونس وباكستان والسلفادور على رأس الدول النامية المتعثرة.

وتخشى مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن تضطر الحكومة المصرية إلى خفض العملة، إذا ما تعرضت لمخاطر عدم الحصول على تمويلات خارجية، خلال الأشهر المقبلة، بسبب سوء التواصل مع الأسواق الدولية.

ورغم التفاؤل النسبي الذي يبديه بعض الخبراء، مع التزام السعودية وقطر والإمارات، بضخ 25 مليار دولار، كاستثمارات مباشرة، بما يساهم في عدم انجراف مصر إلى دائرة التعثر عن دفع فوائد وأقساط الديون، فإن الجميع يتفق على أن مصر ستظل في مرحلة الخطر، خلال العامين القادمين على الأقل.

ما يحدث في سريلانكا نتيجة حتمية لما سار عليه رئيس الدولة، الذي أجبرته الاحتجاجات الواسعة على الفرار خارج البلاد ثم الاستقالة، وشقيقه الأكبر رئيس الوزراء السابق ماهيندا راجاباكسا، منذ شرعا في تنفيذ مشروعات تنموية لا عائد من ورائها، أغرقتها في أسوأ أزمة مالية، في تاريخها الحديث.

تورط الرئيسان في مشروعات لطرق وموانئ ومطارات، في السنوات الأخيرة، بلغت قيمتها 25 مليار دولار. تأتي الصين على رأس الدول التي أغرقت سريلانكا، في ديون نفذت بها ميناء بحريا، وعندما فشلت الدولة في تشغيله، أخذته الصين، بامتياز مدته 99 عاما. أقامت الصين مطارا، بتكلفة 1.4 مليار دولار، بالقرب من مقر عائلة الرئيس، لا يستقبل إلا بضع رحلات محلية يوميا.

بلغ إجمالي الديون الصينية المستحقة على سريلانكا، وفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي، نحو 6.5 مليارات دولار، سواء من خلال الحكومة الصينية مباشرة، أو بنك البنية الأساسية والاستثمار الذي أنشأته، لتمويل مشروعات "الحزام والطريق"، ومن خلاله توسعت في بناء طرق وعقارات وتجمعات فاخرة، على طريقة العاصمة الإدارية في مصر.

جاءت اليابان في المرتبة الثانية للدائنين، ومن بعدها الهند، والبنك الدولي وصندوق النقد. استنزفت القروض قدرة الدولة على سداد 7 مليارات دولار، أقساط مستحقة، في وقت تعرضت لكوارث داخلية، بدأت مع غرق المحاصيل، عامي 2016 و2017 في الأمطار الغزيرة التي سببتها الرياح الموسمية الكبرى.

شهدت البلاد توترات سياسية، مع اتهام المعارضة للرئيس وشقيقه، بتزوير الانتخابات، أججت المظاهرات العنيفة، أعقبتها تفجيرات أكثر عنفا في الكنائس عام 2019، أوقفت حركة السياحة الخارجية للبلاد. تسببت جائحة كورونا في عزل جزيرة سريلانكا عن العالم، لمدة عامين، وما إن بدأ انحسار الوباء حتى اندلعت الحرب في أوكرانيا، فزادت الأمور سوءا. تستورد سريلانكا، مثل مصر أغلب قمحها وزيوتها النباتية، من روسيا وأوكرانيا.

تستورد سريلانكا الغاز والبترول من الخارج بالعملة الصعبة، في وقت انخفض الاحتياطي النقدي لمستويات قياسية، ولم تعد قادرة على دفع أقساط الديون وقيمة الواردات الأساسية. تركت الحكومة الناس يكافحون لشراء الغذاء والدواء الذي ارتفع لأسعار قياسية.

تذمر الناس من وقوفهم لساعات طويلة، في طوابير ممتدة، للحصول على الوقود للسيارات، أو أنابيب الغاز للمنازل، بما دفع الحكومة إلى إنزال الجيش مع الشرطة، لمواجهة الاحتجاجات المتكررة يوميا.
ظهر التخبط الحكومي في الإدارة، عندما خفضت الحكومة الضرائب على المشروعات الكبيرة، التي أنشأتها وحفنة رجال الأعمال القريبين من عائلة الرئيس وزمرته من قيادات الجيش والشرطة، اكتشفت الحكومة أن ميزانيتها أصبحت بلا موارد، فأعادت الضرائب، بعدما أصيبت الأسواق بالارتباك، ولم تجد الدولة ما تدفعه لشراء ثمن وقود محطات الكهرباء والقطارات.

أتى رئيس سريلانكا راجاباكسا، برئيس وزراء جديد، رائيل ويكر يمسيننغه، بعدما بدأت الثورة تشتعل ضد عائلة الرئيس التي تدير جماعات الفساد في الدولة. احتاج رئيس الوزراء تعويم الاقتصاد بتوقيع صفقة جديدة مع صندوق النقد الدولي، للحصول على تسهيل ائتماني إضافي، فلم يجد دولة تدعمه.

فالصين لا تريد الدخول في مفاوضات طرفها صندوق النقد، والغرب والهند رفضا التدخل، فاعترف الرجل بصعوبة مهمته في" إحياء بلد به اقتصاد متهالك تماما".

موقف
التحديثات الحية

مصر ليست سريلانكا بلا شك، فمصر عدد سكانها 103 ملايين نسمة، بينما الجزيرة الصغيرة 22 مليونا، واقتصاد مصر الكلي يفوق سريلانكا عشرات المرات، ولكن نسبة الديون الخارجية للناتج الكلي تتشابه إلى حد كبير. أوقعها نظام عائلي طائفي فاسد في "فخ الديون" وتنفيذ مشروعات غير ذات جدوى، أفادت الدائنين وأهدرت موارد الدولة.

يقول الاقتصادي المصري هاني توفيق، إنه رفع الراية الصفراء للحكومة المصرية، بعدما بلغ الدين العام نحو 100% من الناتج القومي، بما دفع النظام إلى خفض قيمة الجنيه عدة مرات، مع الخشية من لجوء الحكومة لذلك الحل، رغم خطورته، في مرات تالية. يذكر الخبير الاقتصادي أن الموازنة العامة توجه لسداد ديون هي الأعلى في سعر الفائدة، بما أثر سلبا على الصناعة وكل فرص الاستثمار.

الدول كما الأفراد، لا تتعرض للإفلاس فجأة، فكل مرض له أعراض، وها هي سريلانكا، قد سقطت في مستنقع، لا تدري كيف تخرج منه بدون حرب أهلية ومجاعات.

وعندما يقول البعض إن مصر ليست سريلانكا، فلن يستفيد من إنكار الأمراض التي أصابت الاقتصاد المصري، وشخصها العلماء، بينما النظام ما زال مستمرا، في مشروعاته المهدرة للأموال، وسياساته التي يجرب فيها سياسات مالية، لا علاقة لها بعلم الاقتصاد.