هل تعرقل موسكو محادثات الملف النووي الإيراني التي من المقرر أن تنطلق الشهر الجاري بسبب مصالح الطاقة والاستراتيجية الروسية الرامية للهيمنة على سوق الطاقة في أوروبا والصين؟
سؤال طرحه عدد من خبراء الطاقة في روسيا وعواصم أوروبية خلال الآونة الأخيرة.
ويرى محللون أن مصالح روسيا الحيوية في تجارة النفط والغاز ستتضرر في حال نجاح مفاوضات الملف النووي وفك العزلة الإيرانية، إذ إنّ لدى طهران احتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي وربما ستتمكن من استثمارها وتسويقها على حساب موارد الطاقة الروسية.
ولا يستبعد محللون أن تصبح إيران منافساً شرساً لروسيا في أسواق استراتيجية للطاقة في أوروبا والصين، في حال نجاح المفاوضات النووية، حيث إن إيران قريبة من السوق الأوروبي من جهة، كما أن لدى الصين اتفاقاً طويل الأجل مع إيران لتطوير مكامن النفط والغاز يمتد لفترة 25 عاماً وبقيمة استثمارات تقدر بنحو 250 مليار دولار، وهو ما يعني أن الصين ربما ستفضل استيراد الغاز أو النفط الإيراني على الروسي.
ووقعت الشركات الروسية الأسبوع الماضي اتفاقية مع إيران لتطوير حقل جالوس الإيراني الذي تم اكتشافه حديثاً في بحر قزوين وحرصت على حيازة حصة أغلبية في الحقل. ووقعت الاتفاقية بشروط مجحفة في وقت تعاني فيه طهران من العقوبات الأميركية وتعيش ازمة اقتصادية.
حجم الاحتياطات
وتقدر احتياطات حقل جالوس بنحو 3.5 تريليونات متر مكعب من الغاز، وهو ما يعادل نحو 25% من احتياطات الغاز في حقل بارس الجنوبي بإيران وحقل جالوس جزء من بحر قزوين الغني بالطاقة.
وتقدر نشرة "أويل برايس" احتياطات النفط والغاز الطبيعي في حوض بحر قزوين بنحو 48 مليار برميل من النفط و292 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وفقاً لبيانات النشرة الأميركية المتخصصة في الطاقة.
ويتوقع محللون أن يحظى الحقل بتمويل سهل من المؤسسات المالية الغربية، في وقت تعاني أوروبا من أزمة غاز.
وحسب "أويل برايس"، من المتوقع أن تضخ المصارف التجارية الأوروبية في كل من النمسا وألمانيا وإيطاليا مليارات الدولارات لتطوير الحقل القريب من أوروبا، والذي يمكن ربطه من بحر قزوين بشبكة خطوط الغاز الروسي التصديرية لأوروبا.
إذا كانت التقديرات الأولية لاحتياطيات الغاز في حقل جالوس صحيحة، فسيكون الغاز الإيراني قادراً على تلبية ما لا يقل عن 20% من احتياجات أوروبا
في شأن تعزيز هيمنة روسيا على سوق الغاز الأوروبي، قال مسؤول روسي كبير في تعليق على أهمية تطوير شركات الطاقة الروسية لحقل جالوس: "هذه خطوة نهائية لإحكام السيطرة الروسية على سوق الطاقة الأوروبي".
من جانبه، قال الخبير البريطاني سايمون واتكنز في تحليل : "إذا كانت التقديرات الأولية لاحتياطيات الغاز في حقل جالوس صحيحة، فسيكون الغاز الإيراني قادراً على تلبية ما لا يقل عن 20% من احتياجات أوروبا من الغاز".
ومن هذا المنطلق يلاحظ أن الشركات الروسية ضغطت على إيران لأخذ حصة رئيسية في تطوير حقل جالوس حتى تتمكن موسكو عبر شركة غاز بروم من تحديد حجم الإمدادات والمسار الجغرافي للأنابيب وسعر الغاز المصدر من حقل جالوس لأوروبا.
ويقول واتكنز: "حقل جالوس سيزيد من سلطة موسكو في مجال الطاقة على أوروبا".
وتدعو الولايات المتحدة حلفاءها الأوروبيين لتنويع مصادر الغاز الطبيعي وتقليل نسبة الغاز الروسي من إجمالي احتياجات أوروبا المقدرة حالياً بنحو 200 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.
خلاف ومنافسة
يشكل تزايد اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، خصوصاً إمدادات الغاز نقطة خلاف جوهرية بين واشنطن وحلفائها في الاتحاد الأوروبي، إذ ترى الولايات المتحدة أنّ موسكو تبتز أوروبا عبر الغاز وتؤثر على قرارها السياسي.
من جانبه، يقول الخبير في الصندوق الوطني لأمن الطاقة الروسي، والخبير في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، ستانيسلاف ميتراخوفيتش: "حقيقة، روسيا وإيران حليفان تكتيكيان في الصراع السوري، ولديهما، بشكل عام، مواقف متقاطعة في السياسة الخارجية، ولكن لا ننفي أن هنالك منافسة مباشرة بيننا في سوق النفط والغاز، فنحن نصدر الغاز إلى السوق الصينية، كما أن إيران ستصدر الغاز للصين وستنافسنا عليها".
يضيف: "لذلك، ستكون من الصعب مشاركة أسواقنا الحيوية للنفط والغاز الطبيعي مع إيران". وبالتالي من المفيد للشركات الروسية استمرارية العقوبات الأميركية ومحدودية أو عدم وصول النفط والغاز الإيرانيين إلى الأسواق العالمية بسبب العقوبات الغربية.
ويقول ميتراخوفيتش: "صيغة المفاوضات السابقة القائمة على معادلة تقاسم سوق الغاز بيننا وبين إيران، وهي، أن تزود شركاتنا أوروبا، وتزود إيران آسيا، لن تنجح اليوم".
ويطرح المسؤول الروسي السؤال الجوهري: ما حاجة روسيا إلى مساعدة إيران في تطوير حقولها، إذا كانت ستنجم عنها منافسة الغاز الروسي في أوروبا وتركيا والصين؟
ويشترط ميتراخوفيتش التواجد الدفاعي الروسي في إيران مقابل التعاون معها مستقبلا في سوق الطاقة. ويقول: "يمكن التوصل إلى حل وسط في سياق أوسع للعلاقات، إذا سمحت إيران لروسيا، على سبيل المثال، ببناء قاعدة عسكرية لديها، أو قبلت الرؤية الروسية للبنية السياسية المستقبلية في سورية".
وفي ذات الصدد، يرى محللون أن روسيا في عهد فلاديمير بوتين لديها أطماع في تعزيز نفوذها الجيوسياسي والتمدد عالمياً عبر استخدام الطاقة كأداة رئيسية في تنفيذ هذه السياسة.
تمدد ونفوذ
وبينما باتت ضائقة إمدادات النفط والغاز الطبيعي وارتفاع أسعارهما تدعم قدرة روسيا المالية داخلياً كما تدعم نفوذها على القرار الأوروبي بشكل أكبر، تجد موسكو الباب مفتوحاً أمامها للتمدد الجيوسياسي وتوسيع نفوذ الطاقة في أكثر من قارة، في وقت تنشغل الإدارة الأميركية باستراتيجية "احتواء الصين" وتحالف الديمقراطيات الغربية.
ولاحظ محللون أن موسكو تسعى إلى تغيير الفضاء الجيوسياسي في أفريقيا والسيطرة على الممرات المائية المهمة، ضمن تحالف مباشر مع بكين.
ويرى خبير الطاقة يوجين تشازوفسكي الزميل بمعهد "نيولاينز" الأميركي الذي عمل في السابق بمعهد "ستراتفور" للدراسات الاستراتيجية، أن روسيا عملت على توظيف موارد الطاقة خلال العقد الماضي وما زالت توظفها لشق التحالف الدفاعي الغربي، حلف الأطلسي "ناتو"، عبر استراتيجية إضعاف وحدة القرار داخل دول الاتحاد الأوروبي وإثارة الخلافات عبر إنشاء أنابيب غاز بديلة لتصدير الغاز غير عابرة لأوكرانيا.
ويقول تشازوفسكي في تحليل بدورية "فورين بوليسي" أن موسكو تستخدم الطاقة بشكل فعال كأداة جيوسياسية في أوروبا منذ سنوات عبر آليتين، وهما وقف ضخ الغاز في لحظات الشتاء البارد لتجبر دول الاتحاد الأوروبي على تبني بعض وجهات النظر التي تخدم مصالحها، وكذلك عبر آلية توقيع اتفاقات طويلة الأجل تربط دول الاتحاد الأوروبي بمصالح روسيا الحيوية.
من جانبه، يرى الخبير جيمس هندرسون أن روسيا استغلت انشغال الولايات المتحدة بالملفات الشائكة في آسيا والتخلي عن منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط لبناء تحالفات نفطية تخدم استراتيجية النفوذ السياسي مثل تحالف "أوبك+".
ويقول إنّ هذه التحالفات منحتها الهيمنة على قرار المنظومة البترولية، كما أن موسكو التي عانت من ضغوط الحظر الأميركي بعد ضم شبه جزيرة القرم، لجأت إلى الصين ودول خليجية نفطية للحصول على استثمارات مالية.
وحسب استراتيجية الطاقة الروسية التي وضعتها الحكومة الروسية حتى العام 2035 وتتم مراجعتها كل خمس سنوات، فإن روسيا تستهدف زيادة إنتاج الغاز الطبيعي وزيادة صادراته لتغطية التراجع في إنتاج النفط الروسي خلال السنوات المقبلة.
وحسب مديرة مركز الطاقة بجامعة موسكو، تاتيانا ميتروفا، فإن روسيا تستهدف زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة تتراوح بين 46% و47% حتى العام 2035.
وتقول الدراسة التي نشرت مقتطفات منها باللغة الإنكليزية إنّ روسيا تركز على زيادة إنتاج الطاقة، ليس من الحقول الروسية فقط، لكن، كذلك عبر زيادة حصتها من نفط الشرق الوسط وأميركا الجنوبية ودول بحر قزوين.