لم تجد الحلول التي اتخذتها حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفعاً حتى الآن، فالسوق العطشى امتصت حتى اليوم 4.3 مليارات دولار ضخها المصرف المركزي خلال الشهر الجاري. ولم تتأثر الأسواق بما قيل عن "البرنامج الاقتصادي الجديد". ولم تلجم التضخم عودة العلاقات التركية الخليجية ولا حتى ما يقال عن "صفر مشاكل" خلال العام المقبل، وتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الشرق الأوسط وأوروبا والتوجه أفريقياً.
إذ إن الليرة تشيح الوجه عن جميع الإجراءات والجرعات الإسعافية التي تضخها الحكومة بعروق الاقتصاد، الأمر الذي دفع عضو الأكاديمية التركية للعلوم عزت أوزجينتش ليغرد، أمس، حول ضرورة استعداد الأتراك لإعلان حالة الطوارئ نتيجة الأزمة الاقتصادية، بعد الخسائر المتتالية لليرة، وذكر أن المادة 119 من الدستور تنص على إمكانية إعلان الطوارئ لمدة ستة أشهر في حالات الكوارث والأزمات الاقتصادية.
وأصبحت كلمة "OHAL"، الاختصار لحالة الطوارئ باللغة التركية، موضوعًا شائعًا على تويتر أمس واليوم، وتلقفتها رئيسة حزب "الجيد" المعارض ميرال أكشنر، وعلقت أن "حالة الطوارئ ستؤدي إلى إفلاس تركيا".
ويرى المحلل التركي سمير صالحة أن بلاده تعلن بطبيعة الحال الطوارئ، ولكن بشكل مختلف عن الأسلوب الذي يثير الرعب لدى الأسواق أو يثير الهلع لدى المستهلكين، فما يجري على صعيد إعادة العلاقات الاقتصادية وما جرى وسيجري على صعيد تدخل المصرف المركزي، هو حالات طارئة لجأت إليها الدولة لوقف تدهور العملة ومحاولة عدم إعاقة المشروع الاقتصادي الذي من المخطط الوصول إليه عام 2023.
ويضيف صالحة، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن من ملامح الطوارئ بتركيا أيضاً رفع الحد الأدنى للأجور لأعلى نسبة تشهدها تركيا، وهي ستفوق، عندما يتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة، أي زيادة سابقة أو نسبة التضخم الحالية، كما أن اجتماع الرئيس مع "صناع القرار المالي" قبل يومين ولخمس ساعات، هي ملمح طوارئ، وما سيقوله وزير المالية خلال لقائه مديري المصارف، ملمح آخر، ولكن تبقى الحزمة المباشرة الأكبر للطوارئ، غداً الخميس، فإذا تم تخفيض سعر الفائدة كما هو متوقع، فالأرجح أن تعلن الدولة عن إجراءات طوارئ، لوقف تدهور الليرة المتوقع.
ويشير صالحة إلى أن بلاده بصدد متابعة "حلمها الاقتصادي" بوصول الناتج المحلي إلى تريليون دولار ودخولها نادي العشرة الكبار وتدشين المشروعات الكبرى بحلول ذكرى مئوية تأسيس الدولة بعد عامين، وهذا الأمر "ليس أحلاما أو شعارات" بل ثمة خطة محددة، ولا يمكن التنكر إلى أن وضع الليرة يعيق تلك الخطة، ما يستوجب بالفعل إعلان طوارئ.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أشار إلى هدف رفع الدخل القومي الإجمالي في تركيا خلال العام 2021 إلى أكثر من 800 مليار دولار وإلى مستوى تريليون دولار بنهاية فترة البرنامج الاقتصادي متوسط المدى.
وبين خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماع الحكومة أن احتياطي البنك المركزي التركي من العملة الصعبة تجاوز حاجز 118 مليار دولار منذ آب / أغسطس الماضي، وأن بلاده تسعى لخفض عجز الميزانية للعام الجاري، لتصل نسبته إلى 3.5% بعد تجاوز الصادرات 207 مليارات دولار على أساس سنوي، مع استمرارها في تسجيل أرقام قياسية، بما يزيد من حصة تركيا في إجمالي الصادرات العالمية.
وأضاف أردوغان أنه في إطار البرنامج الاقتصادي التركي متوسط المدى، سيتم إنشاء هيكل نمو يخلق فرص عمل مؤهلة ويراعي عدالة توزيع الدخل ولا ينتج عنه عجز في الحساب الجاري، لأن من أهداف البرنامج زيادة العمالة بمعدل وسطي يصل إلى مليون و170 ألف شخص كل عام، إلى جانب خفض معدل البطالة تدريجياً.
وتزيد المخاوف بالأسواق التركية بعد التراجع المستمر لسعر صرف الليرة التي خسرت نحو 50% من قيمتها خلال العام الجاري، بعدما هوت اليوم إلى 14.7 مقابل الدولار، رغم التدخل المباشر من المصرف المركزي وضخ 4.3 مليارات دولار بالسوق خلال الشهر الجاري.
وتتصاعد المخاوف من إقدام المصرف المركزي، غداً الخميس، على تخفيض سعر الفائدة بين 1% و2%، ما سيزيد من التضخم وتراجع سعر الليرة، الأمر الذي ينعكس مباشرة على حياة الأتراك بعدما تجاوزت كلفة معيشة الأسرة 8 آلاف ليرة، ويزيد من إحجام الاستثمارات بواقع تذبذب سعر صرف ويتوجس منه أصحاب الرساميل، ما يستوجب بالفعل، وفق محللين، إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية وضرورة استعداد المستهلكين لهزة جراء التفاوت بين الدخل والإنفاق.