هل الفوائد الاقتصادية لحقل "الدرة" تستحق تصعيد الخلافات الإيرانية الخليجية؟

22 مارس 2024
الخليج يتمتع بثروات نفطية هائلة (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تصاعد التوتر بين إيران والكويت والسعودية حول حقل "الدرة" للنفط والغاز، مع تهديد إيراني ببدء الاستخراج إذا مضت الكويت قدمًا في ذلك، وسط قلق من التصعيد بسبب عدم ترسيم الحدود البحرية ومطالبة إيران بحصة 40% من الحقل.
- الخلاف يهدد بتأثيرات اقتصادية وسياسية، خاصة على الكويت التي تعتمد على الطاقة بنسبة تزيد عن 90% من إيراداتها، مع تأكيد على أهمية حل النزاع عبر ترسيم الحدود وفق قوانين البحار الدولية.
- الخبراء يحذرون من أن الثمن السياسي للخلاف قد يكون أكبر خطرًا، مشيرين إلى أهمية الحل السلمي والتفاوض لتجنب تأثيرات سلبية على العلاقات بين الدول المعنية واستقرار سوق الطاقة العالمي.

 

أثار تأكيد مساعد الرئيس الإيراني للشؤون القانونية محمد دهقان أنه إذا بدأت الكويت في استخراج النفط والغاز من حقل "الدرة" فإن بلاده ستتخذ خطوة مماثلة، تساؤلات قلقة لدى المراقبين بشأن مدى التصعيد في هذا الملف، وانعكاسه الاقتصادي على الكويت والسعودية، خاصة في ظل اعتبار طهران الحقل مخزناً منتظراً لإنتاج الغاز.

وعزز من تلك التساؤلات حديث دهقان عن "ضرورة حل هذه القضية سلمياً"، حسب ما ذكرت وكالة "الطلبة" الإيرانية، ما طرح إمكانية ترجمة إيران للتهديدات الإعلامية إلى التصعيد بأشكال أخرى. وعطل موقع الحقل إنتاجه منذ تاريخ استكشافه في العام 1960، لكن تطلعات السعودية والكويت لاستخراج النفط والغاز منه أخيراً، أعادت التوترات مع إيران، التي تتمسك بما تعتبره حقاً لها في الحقل، رغم عدم ترسيم الحدود البحرية بين الدول الثلاث حتى الآن.
وشهد عام 2011 اتفاقا بين السعودية والكويت على ترسيم الحدود بينهما، فيما شهد عام 2019 مذكرة تفاهم بينهما لتطوير حقل الدرة، تطورت في 21 مارس/ آذار 2022 إلى اتفاق لتطوير الحقل واستغلاله.
وتقول إيران إن ما يقرب من 40% من حقل الغاز يقع في المياه الإقليمية لإيران، لكن الكويت قدمت ترسيما حدوديا مختلفًا يضع الحقل بأكمله ضمن المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية، وهو ما يعني أن إيران ليس لها أي حق في الحقل.

ورغم أن معظم دول الخليج تعمل على تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط والغاز، فإن مبيعات الطاقة لا تزال تمثل أكثر من 90% من إيرادات الكويت، حسبما أورد تقرير لمجلة "غلوبال فاينانس" الأميركية.

مماطلة إيرانية
يشير الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الخلاف على حقوق حقل الدرة بين الكويت والسعودية من جانب وإيران من جانب آخر يهدد العلاقات الإيرانية الخليجية، خاصة أن إيران تريد حصة 40% من الحقل حسب تصريحات لوزير النفط جواد أوجي، في 30 يوليو/ تموز 2023.

ويرى إسماعيل أن إيران تماطل إزاء طلب الكويت والسعودية ترسيم الحدود البحرية، بينما تدفع الكويت باتجاه البدء بالتنقيب والإنتاج، وهو ما أعلنه وزير النفط سعد البراك، مشددا على أن بلاده "لن ننتظر ترسيم الحدود". وحسب موقع "أويل برايس" الأميركي، المتخصص في شؤون الطاقة، فإن حقل الدرة "يحتوي على 310 ملايين برميل نفط و20 ترليون قدم مكعبة من الغاز"، فيما يشير إسماعيل إلى تقديرات سابقة من مصادر مختلفة تشير إلى احتوائه على 60 ترليون قدم مكعبة من الغاز.

ورغم أن اكتشاف "الدرة" جرى في الستينيات من القرن الماضي إلا أنه لم يتم استغلاله، ويعزو إسماعيل ذلك إلى أن الغاز الطبيعي لم يكن في هذا الوقت من الأصول المهمة في الاقتصاد العالمي، ولم يكن مصنفا كسلعة استراتيجية كما هو الحال في السنوات الأخيرة في ظل أزمات الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

ويلفت إسماعيل إلى أن الخطة الكويتية السعودية تشمل تطوير "الدرة" وإنتاج مليار قدم مكعبة يوميا من الغاز الطبيعي و84 ألف برميل من المكثفات يوميا، على أن يتم تقاسم المخرجات بالتساوي بين البلدين.
ومن شأن هذه المقادير أن تساعد في تلبية الاستهلاك المحلي المتنامي في البلدين، ولكن التأثير على أسواق الغاز الطبيعي والغاز المسال سيكون ضئيلا، بحسب إسماعيل، موضحا أن حقل الدرة له فائدة اقتصادية متواضعة للسعودية والكويت، كما أن أهميته لأسواق الطاقة العالمية ستكون محدودة.

ولحل هذا النزاع، يرى إسماعيل ضرورة اتفاق الدول الثلاث على خطة لترسيم الحدود حسب قوانين البحار، خاصة المادة 76 من المعاهدة الدولية المبرمة عام 1980، التي توضح تفاصيل الجرف القاري، وأيضاً تحديد المياه الإقليمية والمنطقة الخالصة وغيرها من المسائل.
ويؤكد إسماعيل أن إيران لا تملك سندا قانونيا لمطالبها حتى الآن، ولذا تسعى الكويت لتطوير "الدرة" مع السعودية وتقاسم المستخرجات بالتساوي، وجاء الرد الإيراني شديد اللهجة بمثابة "استعراض لعضلاتها العسكرية في المنطقة"، حسب تعبيره.
لكن إسماعيل يؤكد، في الوقت ذاته، أن الانعكاسات الاقتصادية على الكويت والسعودية وحتى إيران ذاتها ستكون "محدودة للغاية"، خاصة أن الدول الثلاث لديها احتياطيات من النفط والغاز تكفي للاستهلاك والتصدير للأسواق العالمية، كما أن التأثير على اقتصاد الطاقة العالمية سيكون محدودا ولا يهدد الإمدادات العالمية؛ ولذا فإن "الثمن السياسي للخلافات أكثر خطرا من الثمن الاقتصادي"، حسب تقديره.

اعتراف قديم
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن حقل الدرة يمثل مشكلة "قديمة جديدة" تأزمت في السنتين الماضيتين، وتحديدا منذ مارس/ آذار 2022، عندما أعلنت السعودية والكويت بدء الاستثمار في الحقل الذي يقع ضمن الاتفاق الحدودي للمياه التجارية بين البلدين، وبالتالي فإن حقوق استخراج النفط والغاز في هذا الحقل هي للبلدين منفردين، وهو ما اعترضت عليه إيران.
ويضيف الشوبكي أن احتياطات الحقل تقدر بـ300 مليون برميل من النفط والمكثفات النفطية وحوالي 11 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وأن المخطط له، وفق حسابات الاستثمار السعودي الكويتي، أن يتم استخراج قرابة مليار قدم مكعبة من الغاز يوميا وقرابة 84 ألف برميل من النفط والمكثفات النفطية.

ويلفت الشوبكي إلى أن الاعتراض الإيراني يستند إلى اعتراف قديم للكويت بحصة لإيران في حقل الدرة، لكن الكويت أيضا تعتمد أن الاتفاق الجديد بترسيم الحدود التجارية والاتفاق بشأن الاستثمار بين السعودية والكويت يجعل اعترافها القديم بحصة إيران لاغيا، ما يؤشر إلى بداية أزمة ومخاطر جيوسياسية في منطقة حساسة تمثل شريان الخليج العربي الذي يغذي ربع احتياج العالم من الغاز والنفط.

ويضيف ذلك نقطة توتر جديدة تقف كعقبة أمام مشاريع التقارب بين الرياض وطهران، بحسب الشوبكي، الذي يتوقع أن يسفر التصعيد في هذا الملف عن نقطة خلاف مباشر قد تؤدي إلى صدام أو إلى الاتفاق على تقديم تنازلات من جانب الكويت والسعودية للجانب الإيراني لتسمح طهران لكل منهما بإكمال استثمارهما بحقل الدرة.
ولم يستبعد الشوبكي لجوء أطراف النزاع إلى تحكيم دولي، لم تبد السعودية والكويت مانعا بشأن القبول به، ما يؤشر إلى انعكاسات سياسية واقتصادية، خاصة أن الجانب الإيراني يطالب بمفاوضات مع الجانب الكويتي فقط دون الجانب السعودي، وهو ما يضعف موقف الدولة الأكبر في مجلس التعاون الخليجي من جانب ويؤثر على علاقتها بالكويت من جانب آخر، حسب تقديره.

ويخلص الشوبكي إلى أن تطورات كهذه تسفر عن انعكاسات اقتصادية على الكويت والسعودية تمثل عقبة أمام إكمال مشروعات كانت باكورة استثماراتهما المشتركة في ثروات الحدود المشتركة بينهما، سواء البحرية أو البرية، وفي القلب منها حقل "الدرة".