تثير تكاليف الرهن العقاري المرتفعة في بريطانيا المخاوف بين مالكي المنازل والمستثمرين والجمعيات الخيرية وصناع السياسات بشأن الضغط المتزايد على المقترضين، لكن المقرضين بدوا حتى الآن متفائلين على نطاق واسع بشأن قدرة عملائهم على التأقلم.
ومع ذلك، من المرجح أن يختبر هذه الثقة ارتفاع سعر الفائدة الأساسي الذي أقره بنك إنكلترا بمقدار 50 نقطة أساس إلى 5% يوم الخميس، بما يشكل ضعف الارتفاع الذي كان متوقعا بمقدار 25 نقطة أساس والارتفاع الثالث عشر على التوالي، خاصة أن المستهلكين يكافحون بالفعل بسبب غلاء أسعار الغذاء والوقود والخدمات الأساسية.
وتستخدم المصارف البريطانية بعض الأدوات لمساعدة العملاء على تجاوز الاضطرابات ووجهات النظر المتعلقة بما إذا كانت هذه الإجراءات ستكون كافية لمنع حدوث ضرر كبير لسوق الإسكان البالغ 1.7 تريليون جنيه (2.2 تريليون دولار). (الدولار= 0.783 جنيه إسترليني).
ويأتي ذلك مع إعلان الحكومة البريطانية الجمعة الفائت، عن إجراءات لمساعدة أصحاب الرهون العقارية بعد ارتفاع تكاليفها جراء زيادة أسعار الفائدة، مثل زيادة مهلة عدم السداد والسماح للعملاء بتسديد خدمة الدين فقط لستة أشهر أو تمديد مدة الرهن لتخفيض الدفعات الشهرية.
وجاءت تلك التدابير بعدما تأثر ملايين البريطانيين الذين لديهم قروض سكنية، خصوصا برفع بنك إنكلترا أسعار الفائدة التي سوف يعكسها المقرضون التجاريون.
لماذا ارتفعت فوائد الرهن العقاري في المملكة المتحدة؟
ثمة نوعان رئيسيان من فائدة الرهن العقاري: متغيّرة وثابتة. والرهون العقارية ذات الفائدة المتغيرة تتبع سعر الفائدة الأساسي المعتمد من بنك إنكلترا، لذلك كلما رُفعت الفائدة المعيارية (أو القياسية أو الأساسية)، يتم تمرير الزيادة تلقائيا إلى العملاء الحاصلين على قروض رهن عقاري.
أما الرهون العقارية ذات السعر الثابت، فتحافظ على سعر فائدة محدد مقدما، وعادة ما تكون لمدة سنتين إلى 5 سنوات. ويعتمد التسعير على المكان الذي تعتقد الأسواق أن أسعار بنك إنكلترا ستذهب إليه خلال تلك الفترة المحددة، حيث يشير المقرضون إلى أسواق مقايضة أسعار الفائدة التي تتعقب رهانات المستثمرين على الأسعار المستقبلية.
وقد أدت سلسلة البيانات التي تظهر تضخما أكثر ثباتا من المتوقع في المملكة المتحدة، إلى أن تراهن الأسواق على أن أسعار الفائدة لدى بنك إنكلترا ستظل مرتفعة ولفترة أطول. وقد انعكس هذا في أسواق المقايضة.
وأظهرت بيانات "ريفينيتيف إيكون" Refinitiv Eikon أن المقايضات لأجل عامين و5 أعوام بلغت 5.99% و5.26% على التوالي يوم الخميس الماضي، وهي مستويات لم تشهدها بريطانيا منذ الفوضى التي أعقبت الميزانية المصغرة لشهر سبتمبر/أيلول الفائت. وتقول المصارف إن عليها أن تعكس تحركات السوق لتجنب تسعير الرهون العقارية بخسارة.
من المعرضون لمخاطر الرهن العقاري البريطاني؟
تقول المصارف إن أعدادا صغيرة فقط من العملاء تعاني من ضغوط مالية أو تتأخر في سداد أقساط الرهن العقاري، لكنها تولي اهتماما وثيقا بشكل خاص للأسر ذات الدخل المنخفض التي تضررت بشدة من ارتفاع معدلات التضخم.
وأحد أسباب مرونة العملاء حتى الآن هو أن معظمهم ما زالوا يعملون وقادرين على سداد قروضهم العقارية حتى لو تم تقليص دخلهم. وظلت معدلات البطالة في بريطانيا منخفضة، ولكن أي زيادة كبيرة في هذا الأمر قد تغير قواعد اللعبة، بحسب تحليلات "رويترز".
ومن بين نحو 9 ملايين رهن عقاري سكني قائم، ثمة 800 ألف من المقرر أن يتم إبرام صفقات ذات معدل فائدة ثابت بشأنها في النصف الثاني من عام 2023، وفقا لبيانات صادرة عن مجموعة "يو كيه فاينانس" UK Finance. كما ستعتمد 1.6 مليون أسرة إضافية المعدلات الثابتة في عام 2024.
في هذا السياق، يقول المدير الفني للرهن العقاري في شركة سمسرة الرهن العقاري "جون تشاركول" نيكولاس مينديز، لـ"رويترز"، إن بيانات أظهرت أن المزيد من مالكي المنازل يختارون نقل المنتجات مع مقرض حالي بدلا من التسوق.
واعتبر أن القيام بذلك سيساعد البعض على تجنب فحوصات القدرة على تحمل التكاليف الجديدة التي قد تفشل، مما يحتمل أن يخفي المدى الكامل لمشكلة القدرة على تحمل التكاليف المتزايدة.
وأظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "ستيب تشانج" StepChange الخيرية للديون، والذي نُشر يوم الخميس الماضي، أن 45% من مقترضي الرهن العقاري، أو ما يعادل 6.9 ملايين بالغ في المملكة المتحدة، وجدوا صعوبة في مواكبة الفواتير والالتزامات الائتمانية.
وأظهرت بيانات مالية بريطانية أن هناك دلائل على أن البريطانيين الذين يعانون من ضائقة مالية يتجهون إلى ارتفاع التكلفة والائتمان غير المضمون لتغطية نفقاتهم، حيث تم تسجيل 343.8 مليون معاملة ببطاقات الائتمان في مارس/آذار، بزيادة 4.9% عن مارس 2022.
وارتفع إجمالي الإنفاق البالغ 20 مليار جنيه بنسبة 8.4% عن مارس 2022، مع ارتفاع أرصدة بطاقات الائتمان القائمة بنسبة 9.6% على مدار العام حتى مارس.
هل سيكون تراجع قطاع الرهن العقاري البريطاني جماعياً؟
وتمت إعادة امتلاك حوالي 750 من العقارات المرهونة من أصحاب المنازل في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، وفقا لما ذكرته وكالة التمويل البريطانية، بزيادة 50% عن الربع السابق لكن أقل بكثير من المستويات التي شوهدت في الأزمات السابقة مثل انهيار الإسكان في أوائل التسعينيات.
وتمت إعادة تملك 410 عقارات أخرى للشراء التأجيري في نفس الفترة، بزيادة 28% على أساس ربع سنوي.
ويمثل عدد أصحاب المنازل الذين لديهم متأخرات حوالي 0.8% من الرهون العقارية المستحقة، لكن العدد آخذ في الازدياد،علما أن السوق كان فيها 76 ألفا و630 قرضا عقاريا لأصحاب المنازل المتأخرة بنسبة 2.5% أو أكثر من الرصيد المستحق في الربع الأول من عام 2023، بزيادة قدرها 2% عن الربع السابق.
وتفيد المصارف بأن عمليات إعادة التملك الجماعية غير مرجحة هذه المرة، بسبب اختبارات القدرة على تحمل التكاليف الأكثر تشددا، وخيارات التحمل المرنة للعملاء، والتحول الثقافي في الخدمات المصرفية الذي فرضته سنوات من الفضائح التأديبية بعد الأزمة المالية العالمية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ماذا تصنع المصارف البريطانية لمساعدة عملاء الرهن العقاري؟
تقدم البنوك الكبرى المساعدة للعملاء الذين تحدد أنهم قد يحتاجون إلى الدعم، مثل فحوصات السلامة المالية، أو إجازات الدفع المؤقتة، أو نقل العملاء إلى خطط سداد الفائدة فقط لفترة قصيرة، أو شروط القرض الممتدة.
ماذا تطلب الحكومة البريطانية من المصارف لحماية عملاء الرهن العقاري؟
يوم الجمعة الماضي، اجتمع وزير المالية جيريمي هانت مع رؤساء البنوك لمناقشة كيف يمكنهم مساعدة مالكي المنازل على التكيف.
وعلى ضوئه، وافق وزير المال على تدابير دعم مع كبار مقرضي الرهن العقاري في المملكة المتحدة للعملاء الذي يواجهون صعوبات في تسديد المتأخرات، وشمل ذلك انتظار فترة لا تقل عن 12 شهرا قبل إعادة استملاك المنازل، بحسب "فرانس برس".
وسبق الاجتماع قول هانت إن الحكومة لن تقدم مساعدة مالية كبيرة وأن مقرضي الرهن العقاري يجب أن يفوا بالتزاماتهم لمساعدة المقترضين الذين يعانون من ارتفاع أسعار الفائدة.
لكن النقاد يرون أن البنوك يمكن أن تفعل أكثر من ذلك بكثير، لا سيما أنها مرت برفع أسعار الفائدة للمدخرين بشكل أبطأ بكثير من ارتفاع معدلات الرهن العقاري. فخلال الوباء، كلفت الحكومة البنوك بتقديم فترات راحة للسداد، لكن المصرفيين يحذرون من أن إعفاءات مماثلة الآن قد يكون لها عواقب غير مقصودة.
ووضع حزب العمال المعارض خططا يوم الأربعاء الفائت، قال إنها ستساعد في الحد من تكاليف الرهن العقاري، بما في ذلك مطالبة المقرضين بالسماح للمقترضين بإطالة فترة الرهن العقاري.
من جانبه، قال مؤسس "حملة التمويل العادل" روجر جيوولب لـ"رويترز": "يمكنهم أن يجعلوا المصارف تبدأ أخيرا في عكس ممارسات الولايات المتحدة، حيث تكون معظم الرهون العقارية ثابتة على المدى الطويل، وهذه الإجراءات البسيطة التي فرضتها الحكومة ستجعل سوق الرهن العقاري بأكمله مكانا أكثر هدوءا".