هل أصبحت الحبوب سلاحاً بيد روسيا في مواجهة العقوبات؟

هل أصبحت الحبوب سلاحاً بيد روسيا في مواجهة العقوبات؟

18 يوليو 2023
سفينة حبوب أوكرانية في طريقها إلى تركيا بموجب الاتفاق المنتهية صلاحيته (Getty)
+ الخط -

يعتقد باحثون أن روسيا أصبحت تستخدم الحبوب وتصديرها سلاحا في مواجهة العقوبات وأداة ضغط في مفاوضاتها مع دول القرار المؤثرة في مسار عمليتها  العسكرية داخل أوكرانيا، وترسّخ هذا الاعتقاد بعدم قبول موسكو تجديد الاتفاق المنتهي أجله ليل الاثنين الثلاثاء.

في السياق، يؤكد مركز أبحاث الدراسات الاقتصادية "سي إي بي آر" الأوروبي أن حكومة موسكو تستخدم الحبوب كسلاح في حربها ضد أوكرانيا، إذ تحتاج موسكو إلى تمويل الصراع في أوكرانيا الذي يكلف عشرات مليارات الدولارات في وقت تنخفض فيه إيرادات الطاقة بنسبة 25% بعد تطبيق العقوبات الغربية على النفط والغاز، حسب بيانات رسمية روسية.

وتساهم الضرائب المحصلة على صادرات القمح بمليارات الدولارات في تمويل الماكينة العسكرية في وقت تتعرض فيه الإيرادات الأخرى للخطر.

ويشير المركز في دراسة حديثة إلى أن التهديد بعرقلة الصادرات الأوكرانية يقلل من دخل المزارعين الأوكرانيين، ويثبط كذلك الحافز للزراعة في المواسم الزراعية، ويقلل من عائدات حكومة كييف، وبالتالي يعرقل قدرتها على تمويل حملتها العسكرية.

ووفقًا لقاعدة بيانات "غلوبال تريد أليرت"، طبقت روسيا حظر التصدير وضرائب التصدير وحصص التصدير على شحناتها من القمح كجزء من استراتيجية إدارة التجارة الزراعية. وفي العام الماضي وحده، غيرت روسيا سياسات تصدير السلع الزراعية 99 مرة.

ويرى محللون أن روسيا تستخدم اتفاقية الحبوب كسلاح لرفع معدلات التضخم في أوروبا، إذ إنها عندما أشارت إلى أنها قد تنسحب من الصفقة في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قفزت أسعار العقود الآجلة للقمح في مجلس شيكاغو للتجارة بنسبة 5.8%. ولكن بمجرد تجديد الصفقة، انخفضت أسعار العقود الآجلة بنسبة 2%.

وتتدخل روسيا في سوق القمح من خلال شركة UGC التجارية المملوكة للكرملين منذ العام 2009 لحجب الحبوب من السوق العالمية، وتشتري UGC القمح المزروع محليًا لتخزينه. وحسب مركز أبحاث الدراسات الاقتصادية الأوروبي، عرضت UGCعلى الكرملين شراء 3 ملايين طن من القمح بحلول عام 2024.

واشتكت روسيا عدة مرات من أن القيود المفروضة على الشحن والتأمين عطلت صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة، وهي أيضا مهمة لسلسلة الغذاء العالمية. بيد أن المحللين وبيانات التصدير يفيدون بأن روسيا تشحن كميات قياسية من القمح وتتدفق الأسمدة أيضا. وتم تجديد الاتفاق لمدة 60 يوما في مايو/أيار الماضي. وفي الأشهر الأخيرة، انخفضت كمية المواد الغذائية التي يتم شحنها وعدد السفن المغادرة لأوكرانيا، مع اتهام روسيا بالحد من السفن الإضافية القادرة على المشاركة في نقل الحبوب.

وأدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية إلى مستويات قياسية العام الماضي، وساهمت في حدوث أزمة غذاء عالمية مرتبطة أيضا بالصراع والآثار المستمرة لجائحة كورونا والجفاف وعوامل مناخية أخرى. كما أدت التكاليف المرتفعة للحبوب اللازمة للمواد الغذائية الأساسية في أماكن مثل مصر ولبنان ونيجيريا، إلى تفاقم التحديات الاقتصادية، وتسببت في دفع ملايين الأشخاص إلى الفقر أو انعدام الأمن الغذائي. وينفق الناس في البلدان النامية المزيد من أموالهم على الوجبات الغذائية. كما تنفق الدول الأكثر فقرا التي تعتمد على استيراد المواد الغذائية المسعرة بالدولار، أموالاً أكثر في ظل ضعف عملاتها واضطرارها إلى استيراد المزيد من الحبوب بسبب مشاكل المناخ.

وخلافا لتوقعات كثيرة بعدول موسكو عن موقفها التصعيدي في الربع ساعة الأخير، رفضت روسيا تجديد العمل باتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود بموجب الاتفاق الذي جرى التوصل إليه سابقا برعاية أممية تركية، بعدما حذرت مرارا من عدم تيسير مرور صادراتها من الأسمدة وغيرها بموازاة السماح بتصدير الحبوب من أوكرانيا، لتشخص أنظار العالم بقلق بالغ نحو أمنه الغذائي، وتثير المخاوف من اندلاع أزمة غذاء عالمية قد تصاحبها اضطرابات اجتماعية وقلاقل اقتصادية كما جرى في العام 2022 وقبلها في العام 2008، خاصة نظرياً إلى أهمية القمح الأوكراني لأسواق العالم.

كما أن من شأن القرار الروسي أن يعرّض للخطر طريقا تجاريا رئيسيا من أوكرانيا مع بدء موسم الحصاد تقريبا، وأن يؤثر في مشترين رئيسيين للحبوب حول العالم مثل مصر والصين وإسبانيا. وقبل ساعات على انتهاء أجل اتفاق إسطنبول الاثنين، أكد الكرملين أن الاتفاق حول تصدير الحبوب الأوكرانية "انتهى عمليا"، مؤكدا أن روسيا مستعدة للعودة إليه "فورا" عندما تُلبّى شروطها، فيما سارعت ألمانيا إلى دعوة روسيا لتمديد العمل بالاتفاق وسط استنكار معظم العواصم الغربية القرار "الوحشي" بحسب الوصف الأميركي.

وما أن أعلن الكرملين، تعليق مشاركة روسيا في اتفاق تصدير الحبوب، بما يعزز حالة عدم اليقين بشأن إمدادات الغذاء العالمية وتصاعد التوترات في المنطقة، ارتفعت أسعار قمح العقود الآجلة في بورصة شيكاغو بأكثر من 4%، كما زادت أسعار محاصيل أخرى.

ونقلت قناة "روسيا اليوم" عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا قولها إن موسكو "أبلغت رسميا كلا من تركيا وأوكرانيا والأمانة العامة للأمم المتحدة باعتراضها على تمديد صفقة الحبوب"، بحسب وكالة "الأناضول".

وبذلك التطور، تعلن روسيا أنها أوقفت اتفاقًا غير مسبوق في زمن الحرب يسمح بتدفق الحبوب من أوكرانيا إلى معظم بلدان العالم ومنها في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، حيث يمثل الجوع تهديدًا متزايدًا، وأدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى دفع المزيد من الناس إلى الفقر، بحسب وكالة "أسوشييتد برس".

وعقب الإعلان الروسي عن عدم تجديد الاتفاق سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تخفيف حدة القلق داخل أسواق الحبوب العالمية المتعطشة للقمح الروسي والأوكراني، حيث كان لافتا تأكيده أمس في مؤتمر صحافي عقده في مطار أتاتورك، أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين يريد الاستمرار في اتفاق الحبوب الذي انتهى أجله.

وقال أردوغان: "أعتقد أنه على رغم تصريحات صديقي السيد بوتين يريد الاستمرار في الاتفاق" الذي يتيح تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وتم التوصل إليه العام الماضي برعاية تركيا والأمم المتحدة، مضيفا: "بالرغم من التصريحات (المتحفظة على تمديد الاتفاقية) الصادرة الاثنين أؤمن أن الرئيس بوتين يرغب باستمرار هذا الجسر الإنساني". وتابع: "ربما نتخذ خطواتنا عبر اتصال هاتفي مع بوتين دون أن ننتظر حلول أغسطس/آب (موعد زيارة بوتين لتركيا)"، بحسب "الأناضول".

كما أكد أنه سيناقش مع بوتين مسألة تصدير الأسمدة الروسية التي تقول موسكو إنها عملية لا تزال تجد العراقيل، ويبدو أنها العقبة الوحيدة أمام قبول روسيا تجديد الاتفاق.

وتعد مبادرة حبوب البحر الأسود، التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا، مثالًا نادرًا للمفاوضات المثمرة التي تمت بين أوكرانيا وروسيا منذ بدء الحرب في نهاية فبراير/ شباط الماضي. وتم التوصل إلى الصفقة في البداية قبل عام من الآن، مما سمح لأوكرانيا باستئناف تصدير ملايين الأطنان من الحبوب لعدة أشهر. ويجدد الاتفاق كل فترة، وكان ينبغي أن يجدد يوم الاثنين، لكن روسيا هددت مرارا بالانسحاب من الاتفاق الذي تم تجديده لفترات قصيرة فقط.

يُشار إلى أن روسيا وأوكرانيا من الموردين العالميين الرئيسيين للقمح والشعير وزيت عباد الشمس وغيرها من المنتجات الغذائية ذات الأسعار المعقولة التي تعتمد عليها الدول النامية.

ورغم تزايد مخاوف أسواق الحبوب العالمية، إلا أن مركز الأبحاث الاقتصادية الأوروبي، يرى أنه في حال منع روسيا صادرات القمح الأوكراني وخفض صادراتها من القمح بنسبة تصل إلى النصف، فإن المخاطر لن تكون كبيرة على الأمن الغذائي العالمي، وذلك، لأنه سيتم طرح 2.5 مليون طن من القمح في الأسواق الدولية أكثر مما كان عليه قبل بدء الحرب في العام الماضي، وهذا يحد من ارتفاع أسعار القمح خلال العام الجاري 2023.

ووفق المركز فإنه حتى لو حظرت موسكو شحنات القمح الأوكرانية في البحر الأسود، فإن ذلك سيرفع متوسط سعر القمح للمستورد بنسبة 4.2% فقط. لكن كلف التوريد تجعل أسعار القمح في الفيليبين وإندونيسيا وتونس ترتفع بمعدلات أكبر تصل نسبة 27%.

لكن وحسب برنامج الغذاء العالمي فإن من المتوقع بعد رفض تجديد الاتفاق أن ترتفع أسعار بعض الأطعمة الأساسية، لكن الوضع الغذائي في العالم أفضل كثيراً مما كان عليه في الأشهر التي تلت بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، بسبب تحسن إمدادات الحبوب من منتجين آخرين مثل روسيا والبرازيل. ووفق البرنامج، انخفضت أسعار القمح المكون الرئيسي للخبز، بنحو 17% حتى الآن هذا العام، بينما انخفضت أسعار الذرة بنحو 26%. ومع ذلك، فإن أزمة الغذاء العالمية الحالية لم تنته بعد.

وفي عام 2022، عانى 349 مليون شخص من الجوع الحاد، بينما تأرجح 772 ألف شخص على حافة المجاعة، حسبما قال برنامج الأغذية العالمي في مراجعة سنوية. ويشتري البرنامج عدة ملايين من الأطنان من السلع الغذائية كل عام، حوالي 75% منها عبارة عن حبوب. وفي عام 2021، بلغ إجمالي مشتريات البرنامج 4.4 ملايين طن، وكانت أوكرانيا أكبر مصدر لها ، مما يوفر 20% من إجمالي احتياجاته من القمح

المساهمون