أعلن مصرف قطر المركزي مطلع الشهر الجاري إدخال بعض التعديلات على ضوابط التمويل العقاري، تشمل تحديد سقوف منح التمويل العقاري (نسبة القرض للضمان العقاري ومدته) الذي سيُطبَّق على البنوك القطرية والشركات التابعة داخل الدولة، فيما ستخضع الفروع والشركات التابعة خارج قطر لتعليمات وسقوف السلطات الرقابية المضيفة ما دامت العقارات الضامنة والممولة خارج قطر.
تأتي تلك التعديلات، في الوقت الذي انتشرت فيه إعلانات التملك العقاري في قطر، المدفوعة بالزخم الكبير الذي أحدثته بطولة كأس العالم 2022، حيث دُشِّن العديد من المشروعات العقارية الجديدة خلال الأشهر القليلة الماضية وما تبع ذلك من إعلانات مكثفة من البنوك لتمويل شراء العقارات، خاصة في المناطق الجديدة مثل لوسيل ومشيرب، أو القائمة مثل اللؤلؤة وضواحي الدوحة.
ومن هذا المنطلق، بدأت البنوك في تقديم برامج تمويلية لتشجيع عملائها على حيازة العقار، منها تحديث تسهيلات القروض المتاحة وشروطها.
ويشرح المستشار القانوني والخبير في العلاقات الدولية الدكتور أحمد غيث الكواري لـ "العربي الجديد"، أهم التعديلات التي أجراها أخيراً المصرف المركزي، ويقول: "تنقسم سقوف منح التمويل العقاري إلى 3 فئات: الفئة الأولى، وهي تمويل العقارات الجاهزة وتحت الإنشاء للأفراد لأغراض السكن الخاص، وهي التي ترتبط مصادر سدادها بالمصادر الخاصة بالعميل، سواء في شكل راتب أو أي مصادر أخرى غير عقارية".
ويشير إلى أن "الفئة الثانية، تخص تمويل العقارات الجاهزة للأفراد والشركات لأغراض استثمارية وتجارية تعتمد في سدادها على الإيرادات العقارية بشكل أساسي. أما بالنسبة إلى المقيمين من أفراد وشركات، فإن الحد الأقصى لنسبة القرض للضمان يساوي 70 في المائة بالنسبة إلى قيمة العقار الضامن التي تصل إلى 10 ملايين ريال، وبمدة زمنية أقصاها 25 سنة.
أما الفئة الثالثة، فهي تخص تمويل العقارات تحت الإنشاء لأغراض استثمارية وتجارية تعتمد على الإيرادات العقارية بشكل كامل أو جزئي، فإنها تكون بالنسبة إلى المواطنين والشركات الوطنية التي لا تقل فيها نسبة ملكية الشركاء القطريين عن 51 في المائة".
ويؤكد الكواري أن التشريعات القطرية تتميز بمرونتها في مواكبة المستجدات بما يتوافق مع تطور المجتمع ونموه وازدهاره، والعمل على إعطاء المزيد من التسهيلات الممنوحة للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال في دخول السوق العقاري، وهذا سيعمل على إنعاش السوق وتنشيطه والحد من ارتفاع الأسعار في العقارات والأراضي بشكل غير مبرر، لأنه انعكس على مختلف القطاعات، وأن تكون مرونة القوانين وفق ضوابط تحددها الجهات المختصة للحفاظ على الثبات في السوق والعمل على ترويج الوحدات العقارية بمختلف أنواعها، سياحية وخدمية وسكنية.
ويشدد على أنّ مرونة الضوابط في القطاع العقاري يجب أن تشمل قطاعات أخرى مثل السياحة والصحة والخدمات والبيئة وأماكن الترفيه، لأنّ المستثمرين والمبادرين والمطورين العقاريين عندما يرغبون في اقتناص الفرص، فإنّ أنظارهم تتجه إلى قطاعات الصحة والسياحة والخدمات والبيئة والأسواق التي بدورها تخدم النمو العقاري، ومن هنا أهمية جذب الاستثمارات محلياً وعالمياً.
ويشير إلى أنّ القطاع العقاري يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار، وهذا يشكل عبئاً على المستثمر، ومن هنا من الضروري السعي لكبح الارتفاع وأن يكون المعروض في السوق العقاري بأسعار تنافسية وتشجيعية محفزة للجميع.
ويضيف أنّ مسؤولية تحفيز السوق العقاري لا تقع على العقاريين أو المختصين في المجال، بل على جميع الجهات الحكومية والشركات الوطنية، وبخاصة الصحة والسياحة والخدمات لأنها جميعاً تشكل عوامل جذب للاستثمارات، مشيراً إلى أنّ تحديث السوق العقاري علاقة تكاملية بين كل الجهات والشركات بالدولة.
شروط الاقتراض
في بداية حديثه عن البرامج التي تقدمها البنوك القطرية لتشجيع عملائها على حيازة عقار، يؤكد الخبير العقاري والمثمِّن المعتمد خليفة المسلماني لـ "العربي الجديد"، أن مصرف قطر المركزي حدد مجموعة من الضوابط والاشتراطات الأساسية عند تمويل العقارات الجاهزة وتحت الإنشاء للأفراد لكل الأغراض التي يكون أحد مصادر سدادها الراتب للعميل بحيث لا يزيد إجمالي الاستقطاعات من الراتب والعلاوات الاجتماعية لجميع أنواع الالتزامات على راتب العميل لدى الجهاز المصرفي على 75 في المائة من الراتب الأساسي والعلاوة الاجتماعية للقطريين و50 في المائة من إجمالي الراتب لغير القطريين، مع دعوة البنوك إلى إجراء الدراسة الواجبة لتحديد العمر المناسب لكل فئة من العملاء وفقاً لجهة وظروف عملهم ووظائفهم وسنّ التقاعد وربط ذلك بحجم التمويل ومدته والحاجة لوجود كفيل شخصي أو وجود تغطية تأمينية.
ويضيف أن المركزي طالب أيضاً بضرورة التحقق من وجود مصادر سداد محولة للبنك بتغطية أقساط التمويل، وذلك بالنسبة إلى تمويل العقارات الجاهزة لغير المقيمين، وفي حال حصول العميل على إقامة دائمة في قطر نتيجة تملكه للعقار، يمكن للبنك تمديد مدة التمويل لتكون المدة مماثلة للمدة المتاحة للمقيمين.
كذلك نصّت التعديلات على أنه في حالة التمويلات العقارية تحت الإنشاء، يجب ألا تزيد فترة السماح إن مُنحت على 3 سنوات، وتكون ضمن المدة الاجمالية للتمويل مع الانتظام في سداد الفائدة خلال هذه الفترة بشكل شهري أو ربع سنوي على الأكثر.
هذه الإجراءات تدعو للتفاؤل بمستقبل قطر العقاري، وفق المسلماني، هو ما تتمتع به الدولة من قطاع صحي متقدم للغاية، وقطاع تعليمي ينافس أكبر الأنظمة التعليمية حول العالم، وبها مناطق للتملك الحر ووحدات سكنية وإدارية وتجارية، مع امتلاكها لأحد أكثر الصناديق السيادية مرونة وتكيفاً.
ويشير المسلماني إلى أن الدولة تستهدف الوصول بحجم التداول العقاري إلى 100 مليار ريال (27 مليار دولار)، خصوصاً أن التداول العقاري يتضاعف بمعدلات متسارعة، مؤكداً أن هناك مؤشرات عديدة تصب في مصلحة هذا القطاع، منها العمل على ترويج الفرص الاستثمارية المتاحة وتيسير عمل المستثمرين وتقديم أي خدمات تساعد في تنمية هذا القطاع الذي يرتبط بقطاعات أخرى كثيرة.
ويؤكد أن الهيئة العامة لتنظيم القطاع العقاري التي صدر أمر أميري بإنشائها في إبريل/ نيسان الماضي، ستؤدي دورها في تنمية هذا القطاع الهام في الدولة، معتبراً أنها خطوة رائدة ومهمة لتعزيز هذا القطاع الحيوي ومواصلة تطويره، من خلال تنظيمه وتحفيزه والمساهمة في النهوض به، تنفيذاً لسياسات الدولة وتوجهاتها الطموحة، ضمن رؤية قطر الوطنية 2030، مع مراعاة خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق التنمية العمرانية بشكل متوازن ومتكامل.
الاستثمار الأجنبي
من جانبه، يرى الخبير العقاري أحمد العروقي في حديث مع "العربي الجديد" أن قطر حققت ارتفاعاً مميزاً ونمواً سنوياً في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر بمعدل 70 في المائة، خلال الفترة ما بين عامي 2019 و2022، ويتوقع أن يستمر النمو بنسبة 2.4 في المائة بنهاية عام 2023، وهو ما جعل دولة قطر تحتل المرتبة الأولى ضمن أفضل الدول جذباً للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم لعام 2023.
ويضيف أن القطاع العقاري اليوم أحد أسرع القطاعات نمواً في دولة قطر، ويحتل المرتبة الثانية بعد قطاع الطاقة، باستقطاب استثمارات تتجاوز 82 مليار ريال، بما يعادل أكثر من 23 مليار دولار خلال عام 2022، وإطلاق 135 مشروعاً عقارياً خلال العام نفسه.
ويقول العروقي إن سنة 2023 تُعَدّ سنة تحدٍّ بالنسبة إلى القطاع العقاري، بسبب زيادة الفوائد البنكية عالمياً، حيث إن القطاع العقاري يعتمد بشكل رئيسي على التمويلات البنكية، لكن من المتوقع أن يكون هذا التحدي مؤقتاً لسنتين كحد أقصى إلى أن يتم التغلب على التضخم الحالي، وهذا ينطبق على السوق العقارية العالمية، وليس على دولة قطر فقط.
وعن مدى الحاجة لاندماجات بالسوق العقارية بالدولة كتلك التي شهدتها سوق المصارف المحلية لخلق كيانات عقارية كبرى تستطيع المنافسة محلياً وعالمياً، يوضح العروقي أن اندماج كيانات عقارية سيعزز من مكانتها الإقليمية، حيث إن الاندماج سيعمل على تكملة الخبرات المتنوعة وزيادة كفاءة الكيان الوليد ويعزز من قدرته على التنافس في الأسواق المحلية والخارجية، وبالتالي الاستحواذ على حصص أكبر في السوق العقارية.
من جانبه، يدعو ناصر حسن الأنصاري رئيس مجلس إدارة شركة "جاست ريل استايت"، إلى الخروج من نطاق دولة قطر والترويج للمنتجات العقارية لمستثمرين بالخارج، موضحاً أن القطاع العقاري في قطر يحتاج إلى دعم من القطاع الخاص، إضافة إلى دعم البنوك والمصارف لتوفير أدوات مالية جديدة لتسهيل التمويل العقاري.
ويعتبر أن إنشاء الهيئة العامة لتنظيم القطاع العقاري في قطر نقلة نوعية لتطوير هذا القطاع الحيوي، معرباً عن تطلعه إلى إشراف الهيئة على جميع الحقوق الخاصة بالمستثمرين، وتوفير البيانات الصحيحة للمستثمر، ومنحهم حوافز عقارية، واستحداث أفكار ريادية تسهم في تحفيز القطاع.
ويؤكد ضرورة بناء علاقة تعاونية بين الهيئة والقطاع العقاري. ويقترح تقديم بعض الحوافز والتسهيلات، من أجل التشجيع على الاستثمار في القطاع العقاري، الذي يُعَدّ أحد أكثر القطاعات أماناً.
ويلفت الأنصاري إلى أن عوامل جذب المستثمرين تكمن في تكوين استراتيجية ووجود حوكمة وتوافر بيانات ووضع إطار قانوني يحمي التعاملات العقارية، معتبراً ذلك جزءاً من خطة التطوير العقاري، ونوه بأهمية إنشاء الهيئة العامة لتنظيم القطاع العقاري، من أجل معالجة المشاكل والتحديات، حيث يجب أن تعمل الهيئة مع القطاع الخاص والقطاع العقاري لرفع جودة منتجات القطاع.
ويشير إلى أن القطاع المالي والمصارف ومصارف التمويل المختلفة، إحدى الركائز التي تقوم عليها مختلف القطاعات، خصوصاً القطاع العقاري، كذلك فإنها الرافعة المالية التي تسهم في رسم السياسات المالية المهمة التي تستخدم في السوق المالي لزيادة ومضاعفة الأصول والأرباح.
ويشرح أهمية التمويل العقاري في دعم أنشطة هذا القطاع، وصولاً إلى صناعة عقارية متميزة، وما يمكن أن يقدمه التمويل لصاحب المال، إلى جانب ما تواجهه بعض الشركات العقارية من أزمات مالية جراء تأخر سداد القروض العقارية، ودور الوسائل التنظيمية والعقود المتفق عليها بين المصرف والشركات العقارية، من أجل إدارة رشيقة للقطاع التمويلي الخاص بالشركات العقارية.