هكذا تلاعب إيلون ماسك بمستثمري عملة "بيتكوين" المشفرة

07 يونيو 2021
خسرت "بيتكوين" 37% خلال مايو/أيار في أسوأ أداء شهري لها منذ سبتمبر/أيلول 2011 (Getty)
+ الخط -

تقلبات حادة جداً شهدتها سوق العملات المشفرة منذ نشأتها قبل سنوات حتى الآن، وكان بارزاً جداً الأثر الذي تركه إيلون ماسك، صاحب شركة "تسلا" ومديرها التنفيذي، على مستوى المضاربة في سوق أكسبت مستثمرين المليارات وأصابت آخرين بخسائر فادحة.

فكيف تلاعب ماسك بالسوق، ولا سيما بالعملة الأكثر شهرة على الإطلاق "بيتكوين"؟

مطلع العام الجاري، وتحديدا في 7 يناير/كانون الثاني 2021، أصبح ماسك أغنى أغنياء العالم بفضل ارتفاع سعر أسهم مجموعته في البورصة، وفق ما ذكرته وكالة "بلومبيرغ نيوز". وقدّرت محطة "سي.إن.بي.سي" التلفزيونية الأميركية ثروة ماسك بحوالى 185 مليار دولار.

ومع الارتفاع الكبير في سعر سهم "تسلا"، التي يملك 18% منها في البورصة، تجاوز رجل الأعمال البالغ من العمر 49 عاماً صاحب مجموعة "أمازون" جيف بيزوس، الذي كان أثرى أثرياء العالم منذ العام 2017، علما أن ماسك يملك كذلك شركة "سبايس إكس" لتكنولوجيا الفضاء المتعاقدة مع وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، لإرسال رحلات مأهولة وأخرى لنقل المؤن إلى محطة الفضاء الدولية.

إثر احتلاله مركز "الثري الأول" عالميا، بدا ماسك أكثر حرصا على تكثيف تغريداته متسببا بأزمة، إلى أن أعلن في 3 فبراير/شباط أنه سيتوقف عن استخدام "تويتر" لبعض الوقت، إثر تغريدات أثارت بلبلة في البورصة وأدت إلى ارتفاع كبير في قيمة أسهم شركات عدة، علما أنه انضم إلى "تويتر" في يونيو/حزيران 2009. 

وكتب ماسك، المتحدر من جنوب أفريقيا، لمتابعيه الذين يقرب عددهم من 45 مليوناً: "سأتوقف عن استخدام تويتر لبعض الوقت". لكنه لم يعط أي تفسير لهذا القرار المفاجئ.

وبعد بضع ساعات، أدى امتداح ماسك عبر "تويتر" لموقع "إتسي" المتخصص في بيع منتجات صغار الحرفيين، إلى ارتفاع قيمة أسهمها بصورة كبيرة. ولم تكن هذه المرة الأولى التي أثارت فيها تغريدات ماسك بلبلة في الأسواق المالية، إذ إنه ساهم في ارتفاع قيمة "بيتكوين" بعد تطرقه إلى هذه العملة الرقمية.

كما أنّ وجوده على "تويتر" جلب له متاعب قضائية في السابق. واضطر إلى ترك رئاسة مجلس إدارة "تسلا" في 2018، بعد مواجهة مع اللجنة الأميركية لعمليات البورصة التي اتهمته بتضليل المستثمرين من خلال تغريداته بشأن إمكان انسحاب "تسلا" من البورصة.

رقم قياسي لعملة "بيتكوين"

بالنسبة للعملات الرقمية، شكل تاريخ 8 فبراير/شباط الماضي، محطة مفصلية، حيث حققت "بيتكوين" أرقاما قياسية جديدة، لكن ذلك حصل بعد إعلان "تسلا" للسيارات الكهربائية، في إفصاح للبورصة، استثمار 1.5 مليار دولار فيها خلال يناير/كانون الثاني 2021.

إثر ذلك، قفز سعر "بيتكوين" نحو 7%، بعد إفصاح "تسلا"، إلى 41200 دولار، وسط توقعات بمزيد من الارتفاعات للعملة الرقمية المعروفة. وقالت تسلا إنها قد "تستحوذ على أصول رقمية وتحتفظ بها من وقت لآخر أو على المدى الطويل".

طبعا، لم تكن خطوة تسلا هي الأولى، فقد أقدمت جامعات أميركية شهيرة على ضخ جزء من ثرواتها التي تقدر بمليارات الدولارات في شراء العملات المشفرة. وأوردت "بلومبيرغ" في يناير/كانون الثاني، أن جامعات هارفارد، ييل، براون، وميشيغان، ضخت جزءاً من أموال الأوقاف لديها في بورصات العملات.

وفي اليوم التالي، 9 فبراير/شباط،  صعدت "بيتكوين" إلى مستويات قياسية غير مسبوقة فوق 48 ألف دولار، غداة ضخ "تسلا" استثمارات فيها. وبذلك، صعد سعر "بيتكوين" 66.7% منذ مطلع العام الجاري، ارتفاعا من 28.8 ألف دولار في ختام جلسات العام 2020.

تراجع مرتبة ماسك

لكن حلول ماسك في المرتبة الأولى بين أثرياء العالم لم يدم طويلا، ففي 22 فبراير/شباط، تراجعت أسهم شركته 8.6%، ما أدى إلى محو نحو 15.2 مليار دولار من صافي ثروته بسبب الهبوط الأخير لعملة "بيتكوين" الرقمية التي أقدم على الاستثمار فيها.

في ذلك اليوم حصل الانخفاض الأكبر لأسهم "تسلا " منذ سبتمبر/أيلول 2020، مدفوعاً جزئياً بتصريحات ماسك خلال عطلة نهاية الأسبوع، التي قال فيها، وتحديدا في 20 فبراير/شباط، إن أسعار "بيتكوين" تبدو مرتفعة أكثر من قيمتها تزامنا مع هبوط العملة المشفرة الأكثر رواجا في العالم.

وتراجع ماسك إلى المركز الثاني في مؤشر "بلومبيرغ" للمليارديرات لأغنى 500 شخص في العالم بثروة صافية قدرها 183.4 مليار دولار، منخفضة عن مستوى الذروة الذي بلغ 210 مليارات دولار في يناير/ كانون الثاني الماضي. في المقابل، استعاد جيف بيزوس المركز الأول حتى مع انخفاض ثروته بمقدار 3.7 مليارات دولار إلى 186.3 مليار دولار.

ذروة تاريخية فوق 64 ألف دولار

في 13 إبريل/نيسان الماضي، سجلت "بيتكوين" ذروة جديدة فوق 60 ألف دولار، مسجلة 62575 دولارا، بعدما كان سبق لها أن تجاوزت 60 ألفا للمرة الأولى في 13 مارس/ آذار الماضي، مسجلة مستوى قياسياً عند 61.78 ألف دولار، عقب توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن على حزمة التحفيز المالي البالغ حجمها 1.9 تريليون دولار.

وفي اليوم التالي، 14 إبريل/نيسان، قفزت "بيتكوين" فوق 64 ألف دولار، في سعر غير مسبوق بتاريخ العملة المشفرة، حيث تحول المزاج في العملات المشفرة إلى الاتجاه الصعودي، مسجلة 64.7 ألف دولار.

دفع ثمن السيارات بـ"بيتكوين"!

الأثر السلبي الذي خلفته تصريحات ماسك السابقة بالنسبة للمستثمرين عندما تحدث عن أنها مقيّمة بأكثر من اللازم، عاد ليحدث تأثيرا عكسيا في 24 مارس/آذار، حيث قال إنه يمكن الآن شراء سيارات الشركة باستخدام عملة "بيتكوين" في الولايات المتحدة، على أن يتم توفير الخدمة ذاتها في الدول الأخرى في الأشهر المقبلة من هذا العام. وكتب على "تويتر"، اليوم الأربعاء: "يمكنك الآن شراء سيارة تسلا بعملة بيتكوين... سيتم الاحتفاظ بعملة بيتكوين المدفوعة إلى تسلا ولن يتم تحويلها إلى عملات ورقية".

وحول طريقة الدفع، يشير الموقع الإلكتروني لـ"تسلا" إلى أنه يمكن الدفع من محفظة Bitcoin الخاصة بالعميل، حيث يتم إما مسح رمز الاستجابة السريعة ضوئيًا أو نسخ ولصق عنوان بيتكوين والمبلغ الدقيق في المحفظة. 

وحتى ذلك التاريخ، كانت "بيتكوين"  قد قفزت بنحو 108%، منذ بداية العام 2021، وفق رصد لـ"العربي الجديد"، بينما كانت قد ارتفعت بنحو 1000% عام 2020، مستفيدة من زيادة الاهتمام المؤسسي بالإضافة إلى الطلب المتزايد من قبل المضاربين.

المقامرة بـ"دوج كوين"

برز في 9 مايو/أيار الفائت، هبوط عملة "دوج كوين" الرقمية بنحو 30% في أقل من 24 ساعة، بعدما وصف ماسك الاستثمار في العملة بالمقامرة، بينما كان قد ساعد في الترويج لها، ما دفع قيمتها إلى تسجيل مستويات قياسية خلال الفترة الماضية.

ووصلت "دوج كوين"، التي تُعَدّ رابع أكبر عملة مشفرة من حيث القيمة السوقية، إلى مستوى قياسي فوق 73 سنتاً، في 8 مايو/أيار، قبل أن تتراجع بشكل حاد، لتخسر في بداية تعاملات اليوم التالي، نحو 30% من قيمتها، مسجلة حوالى 51.4 سنتا.

وجاء تهاوي العملة، وفق وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، بعدما وصفها ماسك، ثاني أغنى شخص في العالم، بـ"المقامرة" خلال مشاركته في برنامج Saturday Night Live، الذي أدى فيه دور مستشار مالي يحاول شرح مفهوم العملة المشفرة.

وكانت "دوج كوين" بدأت كمزحة في العام 2013، قد قفزت بأكثر من 20000% خلال العام الماضي، وفقاً لشركة "كوين جيكو". وكان ماسك من بين أكبر المساهمين في هذا الارتفاع، بعدما أبدى إعجابه بالعملة التي أطلقها اثنان من المبرمجين، بغرض السخرية من سوق العملات الرقمية، واعتبرها كثيرون حينها "البديل الكوميدي" لعملة "بيتكوين".

وفي رصد حديث لـ"العربي الجديد"، قفز سعر "بيتكوين" في أقل من 8 سنوات بأكثر من 7696%، إذ سجل سعرها، في 9 مايو/أيار، نحو 58 ألف دولار، بينما لم يكن سعرها يتجاوز 744 دولاراً في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2013. ورغم التذبذب الحاد في سعر العملة الرقمية الأكثر رواجاً في العالم، إلا أن قفزاتها صعوداً كانت الأكثر لفتاً للانتباه من موجات الانحدار السريعة التي تعرضت لها.

تلاشي المكاسب

بعد الذروة المسجلة سابقا، كانت مكاسب "بيتكوين" تتلاشى تباعاً، إلى أن خسرت في 19 مايو/أيار، جميع المكاسب التي حققتها بعد إعلان "تسلا"، في 8 فبراير/شباط، أنها ستستخدم "بيتكوين" كشكل من أشكال الدفع مقابل مركباتها. وانخفض سعرها 12% إلى حوالى 38000 دولار، وتراجع حتى ذلك التاريخ بحوالى 40% من أعلى مستوياته القريبة من 65 ألف دولار التي سجلها في إبريل/نيسان، متراجعة 27 ألف دولار في شهر واحد. 

وبرز دور ماسك في تأجيج التقلبات، حيث أثارت تصريحاته على وسائل التواصل الاجتماعي الاضطرابات في مجتمع العملات المشفرة. ومن ذلك أنه لمّح في 16 مايو/أيار في تغريدة إلى أن شركته "باعت أو من المرجح أن تبيع ممتلكاتها بالعملة الرقمية البالغة قيمتها 1.5 مليار دولار"، وذلك قبل أن يعود في 18 مايو لينشر تغريدة أخرى أكد خلالها أنه لم يبع "حتى تاريخه" العملات الافتراضية التي بحوزته، إلا أن السوق لم تستجب له.

وتذهب تحليلات إلى أن ماسك، الذي خسر نحو 15.2 مليار دولار من ثروته بسبب هبوط "بيتكوين" في فبراير/شباط الماضي، ربح أضعاف هذا الرقم بسبب الطفرة في سعر العملات الرقمية ومنها بيتكوين، فكانت النتيجة دخول سوق العملات الرقمية في حالة من التخبط والغموض والقلق الشديد وربما الاضطرابات والتذبذبات العنيفة في بعض الأوقات، ودخول المستثمرين حالة من التيه و"اللخبطة" وفقدان البوصلة وعدم التركيز. 

"ليست اقتصاداً حقيقياً"

أما أحدث صيحات ماسك فكانت في عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة، حيث غرّد، السبت، 5 يونيو/حزيران الحالي، مستبعدا "بيتكوين" وغيرها من العملات المشفرة من دائرة "الاقتصاد الحقيقي"، معتبرا أن "السلع والخدمات هي الاقتصاد الحقيقي، وأي شكل من أشكال المال هو مجرّد حساب له".

وغداة هذه التغريدة، تراجعت "بيتكوين"، يوم الجمعة الفائت، إلى أدنى مستوياتها هذا الأسبوع، ما رفع الخسائر الناجمة عن حملة متنامية ضدها في الصين ومخاوف بيئية إلى ما يقرب من 40% منذ بداية الشهر. وأضافت إلى خسائرها السابقة، وانخفضت 8.2% لتصل إلى 35 ألفا و339 دولارا، إذ ظلت قابعة في نطاق تداول ضيق نسبيا هذا الأسبوع. وكانت متراجعة في أحدث التعاملات 6.2%.

وقد خسرت العملة المشفرة 37% من قيمتها في مايو/أيار، وسيكون هذا أسوأ أداء شهري لها منذ سبتمبر/أيلول 2011 إذا استمرت على الوتيرة نفسها.

صحيح أن المضاربة في أسواق المال ليس ماسك هو القيّم الوحيد عليها، لكنه من بين الأكثر تأثيرا في اتجاهات العملات الرقمية بوصفه رجل أعمال ملهما ويُعد مثالا لكثير من المستثمرين الذين يرون في تغريداته مؤشرات يمكن اتباعها لاتخاذ قرار بتوظيف أموالهم في هذه العملة أو تلك. ويبقى السؤال عن الجهة التنظيمية التي يمكن أن تضع حدا لعمليات التلاعب هذه أكانت من ماسك أم غيره من اللاعبين الكبار في الأسواق.

المساهمون