هكذا تخدم "وول ستريت" النفوذ الأميركي حول العالم

13 يوليو 2023
تحركات "وول ستريت" تؤثر في مؤشرات أسواق المال العالمية (Getty)
+ الخط -

يعد سوق "وول ستريت" من بين أهم أدوات قوة الاقتصاد الأميركي والتفوق التقني والعسكري عبر ما يمثله من قنوات تمويلية رخيصة لشركات التقنية والدفاع الكبرى والتقنيات الحديثة.

كما يرى محللون أن واشنطن السوق المالي الأكبر في العالم والأكثر سيولة في معاقبة الدول التي تعارضها سياسياً، كما يحدث حالياً بالنسبة لشركات التقنية الصينية التي تعرضت للحظر في التداول في "وول ستريت".

ويلاحظ محللون أن مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم تعتمد على ركائز رئيسية وهي قوة الدولار والنظام المصرفي وسوق وول ستريت، والقوة العسكرية والتفوق التقني، إضافة إلى القوة الناعمة حسب خبراء في الاستراتيجيات الدولية.

على صعيد دور "وول ستريت "، يرى محللون أن سوق المال الأميركي الذي يقدر حجمه بنحو 90 تريليون دولار يلعب دوراً رئيسياً في قوة وتنمية هذه الركائز ودفعها لتعزيز مكانة الولايات المتحدة كدولة عظمى في النظام العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الوقت الراهن. وذلك بسبب عمق السوق وضخامته مقارنة بأسواق المال العالمية، حيث يعادل نحو 25% من إجمالي أسواق المال العالمية، إضافة إلى حاجة الدول والشركات إلى العوائد الدولارية.

يقدر إجمالي القيمة السوقية للسندات الأميركية وحدها بأكثر من 51 تريليون دولار، وهو أكبر سوق سندات على مستوى العالم

وحسب هيئة سوق الأوراق والبورصات الأميركية، يقدر إجمالي القيمة السوقية للسندات الأميركية وحدها بأكثر من 51 تريليون دولار، وهو أكبر سوق سندات على مستوى العالم.

وشكلت السندات السيادية الأميركية التي تصدرها وزارة الخزانة وحدها نحو 26 تريليون دولار من إجمالي سوق السندات حتى بداية الشهر الجاري.

وتقدر الهيئة إجمالي حجم البورصات الأميركية الثلاث بنحو 41.511 تريليون دولار حتى نهاية العام الماضي 2022. وهذا الحجم الضخم من السيولة الدولارية يجعل من السوق الأميركي الملجأ الرئيسي للاستثمار والخزين الآمن للادخار من قبل الدول والشركات وإصدارات سندات الديون الضخمة التي تحتاجها الدول والشركات العملاقة.

ويقول خبراء إن الإدارة الأميركية تستخدم سوق "وول ستريت" في محاصرة الدول التي تعارضها سياسياً وتحرمها من الحصول على التمويلات المطلوبة للتنمية، كما تستغل الإدارة السوق كذلك في محاصرة التقدم التقني بالصين منذ عهد حكم الرئيس دونالد ترامب وحتى الآن، حيث يرى أعضاء في الكونغرس أن الشركات الصينية تجمع الأموال من "وول ستريت" لتمويل صناعتها التقنية التي تستخدمها في الصناعات العسكرية.

في هذا الصدد، قالت المحللة في شركة "برينسيبال غلوبال إنفستورز" الأميركية لإدارة الأصول، سيما شاه: " عندما يتعلق الأمر بمسائل التكنولوجيا والدفاع فإن الكونغرس سيكون قاسياً مع الصين، وبالتالي يجب على المستثمرين الاستعداد لحرب تقنية أطول وأكثر عدائية ".

وأضافت، "سيكون من الصعب جدًا تلبية مطالب الولايات المتحدة حول التكنولوجيا والدفاع نظراً لأنها تركز على احتواء تطلعات الصين التقنية".

وحظرت وزارة التجارة الأميركية في 10 فبراير/ شباط الماضي ست شركات طيران صينية قالت إنها تدعم برنامج البالون الاستطلاعي العسكري الصيني الذي دخل الأجواء الأميركية. وضمت الوزارة الشركات إلى "القائمة السوداء" التي ترى أنها تشكل تهديدات خطيرة للأمن القومي.

في ذات الشأن، قال وكيل وزارة التجارة للصناعة والأمن، آلان إستيفيز، إن "الكيانات التي تسعى إلى إلحاق الضرر بالأمن القومي الأميركي وسيادة الولايات المتحدة ستُمنع من الوصول إلى التقنيات الأميركية".

محللون: المضاربات في "وول ستريت" أضرت كثيراً بالتدفقات النقدية التي تحتاجها قطاعات رئيسية في الاقتصاد الأميركي مثل الصناعة والزراعة

كما تعتبر سوق "وول ستريت" من أدوات التمويل الرئيسية للنمو الاقتصادي الأميركي، إذ إن بنوك الحي المالي الشهير تعتمد الإنفاق الأميركي الضخم عبر إصدار السندات الحكومية التي تبيعها إلى المشترين من أنحاء العالم عبر المزادات.

ويمنح سوق المال الأميركي فرصة أكبر وأرخص للشركات المحلية في النمو وتمويل الأفكار والتقنيات الجديدة، حيث إنه يجمع الاستثمارات من كل أنحاء العالم مقارنة بأسواق المال الأخرى في أوروبا أو آسيا.

وحسب تحليل في "إنفستوبيديا"، تمكن سوق الأوراق المالية الأميركية الشركات من جمع الأموال بسهولة لتسيير الأعمال التجارية والتوسع في الصناعات. وبالتالي تسهم وول ستريت في نمو الوظائف وقوة الشركات الأميركية وتوفر رأس المال عبر طرح الأسهم الجديدة.

وبشكل عام، يرى التحليل أن السوق المالية الأميركية تخدم الأهداف الاقتصادية الأساسية خفض نسبة البطالة في العمالة والنمو والاستقرار الاقتصادي وتعزيز الكفاءة الإنتاجية.

ولكن رغم هذه المزايا التي يوفرها سوق المال الأميركي يقول محللون إن المضاربات في "وول ستريت" أضرت كثيراً بالتدفقات النقدية التي تحتاجها قطاعات رئيسية في الاقتصاد الأميركي مثل الصناعة والزراعة، وحولت في الآونة الأخيرة الاستثمارات من القطاعات الإنتاجية إلى مجالات هامشية، وهو ما أدى إلى تفوق الصادرات الصينية وتمددها في الأسواق العالمية وسط تراجع صادرات الشركات الأميركية.

وتسعى واشنطن حالياً إلى سحب الشركات الأميركية التي تصنع في الصين ضمن استراتيجية حرمان بكين من التقنيات الأميركية.

المساهمون