أرجع بنك قطر الوطني، قوة الدولار إلى الأداء النسبي القوي للاقتصاد الأميركي، ولموقف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأكثر تشددا، والتوترات الجيوسياسية في كل من أوروبا وآسيا. وفي حين أن حجم تحركات العملات الأجنبية كان كبيرا، فمن غير المرجح أن نرى زخما يقود الدولار الأميركي إلى الارتفاع خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وتوقع التقرير الأسبوعي لبنك قطر الوطني أن يظل الدولار مرتفعا لبعض الوقت، مرجحا أن تظل الاقتصادات المتقدمة الأخرى في وضع أكثر هشاشة من حيث النمو والسيطرة على التضخم والمخاطر الجيوسياسية.
وأشار التقرير إلى أن قيمة العملة الخضراء ارتفعت خاصة في الأشهر الأخيرة، مقابل العملات الرئيسية إلى مستويات لم نشهدها منذ ما يقرب من عقدين، مشيرا إلى أن هذه التحركات كانت حادة ومتقلبة، خاصة بعد إعادة فتح الاقتصاد الأميركي في أعقاب الجائحة.
ولفت الى أن مؤشر الدولار الأميركي (DXY)، وهو معيار مرجعي تقليدي يقيس قيمة الدولار الأميركي مقابل سلة مرجحة من ست عملات رئيسية، شهد ارتفاعا بأكثر من 10 بالمائة من مستويات ما قبل الجائحة، وبأكثر من 10 بالمائة في السنة حتى تاريخه، وبأكثر من 19 بالمائة بالمقارنة مع المستويات المتدنية للغاية التي بلغها بعد الجائحة في أوائل عام 2021.
وكان هذا الارتفاع واسع النطاق، ويشمل جميع العملات الرئيسية، بما في ذلك اليورو والين الياباني ومعظم عملات الأسواق الناشئة الرئيسية.
تأرجح الدولار
وبين التقرير أن التحركات التي شهدها الدولار لم تحدث في خط مستقيم. في بداية الجائحة، كان الدولار مدعوما بالطلب الكبير من قبل المستثمرين العالميين الباحثين عن "ملاذ آمن". ولكن بعد ذلك بفترة وجيزة، انخفضت قيمة الدولار الأميركي في غضون أسابيع مقابل العملات الرئيسية، واستمر ذلك لنحو ستة أشهر.
وقد حدث هذا في الفترة بين مايو/ أيار 2020 ويناير/ كانون الثاني 2021، عندما قدمت الولايات المتحدة حوافز اقتصادية أسرع وأكبر من الاقتصادات الأخرى. ولكن تلك التحركات عكست اتجاهها بالكامل لاحقا، مما أدى إلى ارتفاع أكثر حدة في قيمة الدولار الأميركي. وشمل ذلك ارتفاعا بنسبة 17 بالمائة مقابل اليورو، وبنسبة 24 بالمائة مقابل الين، وبنسبة 13 بالمائة مقابل عملات الأسواق الناشئة.
وأرجع التقرير التطورات التي شهدتها قيمة الدولار إلى ثلاثة عوامل رئيسية في الارتفاع الأخير في قيمة الدولار الأميركي، أولها أن فروق النمو في الولايات المتحدة كانت أكبر من معظم البلدان الأخرى.
مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 بالمائة من مستويات ما قبل الجائحة في الربع الأخير من عام 2019، قدمت الولايات المتحدة أداء اقتصاديا أقوى بكثير من الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
وخلال نفس الفترة، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.5 بالمائة في منطقة اليورو، و-0.6 بالمائة في اليابان. وبالمثل، تقلصت فروق النمو بين الولايات المتحدة والأسواق الناشئة بشكل ملحوظ، مما يشير إلى أداء أضعف نسبيا في الأسواق الناشئة.
تأثير الفائدة
العامل الثاني الذي أشار إليه التقرير تمحور حول أسعار الفائدة الحقيقية المتوقعة، التي تعدل سعر الفائدة متوسط الأجل من خلال مقاييس التضخم الاستشرافية، التي تحركت أيضا في اتجاه داعم للدولار الأميركي. ولا يرجع هذا الأمر فقط إلى الموقف المتشدد لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تجاه السياسة النقدية، ولكن أيضا بسبب حقيقة أن توقعات التضخم في الولايات المتحدة على المدى المتوسط كانت معتدلة في الأشهر الأخيرة.
في المقابل، كانت توقعات التضخم تتزايد في منطقة اليورو واليابان، حيث إن البنوك المركزية مقيدة بدرجة أكبر من حيث مدى قدرتها على اتخاذ موقف متشدد في مكافحة التضخم، بسبب ضعف اقتصاداتها وارتفاع مستويات الديون.
العامل الثالث والأخير هو استفادة الدولار الأميركي أيضا من ارتفاع وتزايد المخاطر السياسية والجيوسياسية بالإضافة إلى المخاطر الأخرى التي تهدد الظروف والآفاق الاقتصادية العالمية. ويجعل هذا الأمر معنويات المستثمرين والمستهلكين عرضة للأخبار السلبية.
أخيرا وليس آخرا، يعمل الدولار الأميركي كأداة "ملاذ آمن" تم إثبات فعاليتها مرة أخرى من خلال الاضطرابات الجيوسياسية في أوروبا وآسيا.
(قنا)