هزّة روسيا المالية..تساؤلات حول مستقبل الروبل

30 ديسمبر 2014
ضعف إيرادات الطاقة لا تدعم استمرارية تحسن الروبل (Getty)
+ الخط -
هل فعلا استقر سعر صرف الروبل أمام الدولار، أم أن لتثبيته دلالات سياسية أكثر مما هي اقتصادية؟ وهل حقا تستطيع الحكومة الروسية ضبط سعر صرف الروبل، مما يعني أنها المضارب الرئيسي أو هي تعرف المضاربين وتخفيهم وتستطيع إيقافهم عندما يصبح اللعب خطيرًا؟ وما دلالات تراجع سعر صرف العملة الروسية بعد ارتفاعها قبيل أعياد الميلاد؟
اقترحت وزارة المالية الروسية تخصيص 70% من أموال صندوق الاحتياط لدعم الاقتصاد، وتعني بذلك دعم الروبل. فالمغامرة بمثل هذه النسبة الكبيرة من أموال صندوق الاحتياط دون ضمان نجاح الإجراءات تشكل تهديدًا بالعجز عن التدخل المالي لمواجهة هزة مالية جديدة قد تتعرض لها روسيا، وربما في المستقبل القريب. ويصعب القول بعدم حدوث هذه الهزة انطلاقاً من مؤشرات البلاد الاقتصادية.
ولا تفيد هنا طمأنة المسؤولين إلى أن كل شيء يسير على ما يرام، من نمط تصريح وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، في الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الجاري، حيث نقلت عنه وكالة "إنترفاكس" قوله أثناء اجتماع مجلس الفيدرالية:" هناك نزوع عكسي نحو تعزيز سعر صرف الروبل. الروبل وصل إلى التوازن، وبدأ يقوى".
هذه التصريحات لا يسندها الواقع الاقتصادي الروسي، وربما لا تدعم قوة الروبل أمام العملات الأخرى، خاصة وأن الاقتصاد الروسي يعتمد بالدرجة الأولى على تصدير الطاقة الخام، وينعكس عليه وعلى العملة المحلية سعر النفط بصورة مباشرة.
وفي يوم السادس والعشرين نفسه، نقلت "تاس" عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله أثناء اجتماعه بأعضاء الحكومة:" يجب تنسيق العمل بين جميع الوزارات والمؤسسات، يجب تنسيق العمل مع إدارة الرئيس، ومع البنك المركزي، ويجب إبقاء كل شيء تحت السيطرة، وإذا احتاج الأمر، ومع أن ذلك لا يعجب البعض إلا أنه الآن مبرر بصورة مطلقة، فيجب تشغيل ما يسمى بنظام الإدارة اليدوية". وربما كانت هذه الإدارة اليدوية تعني فيما تعنيه، إجراءات تشديد الرقابة على البنوك والعمليات المالية الجارية فيها، ما يعني معالجة المسائل المالية بوسائل إدارية مؤقتاً دون النظر إلى أسبابها الاقتصادية.

منظور الرقابة الحكومية على الشركات

في السياق، يمكن العودة إلى حديث رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، أثناء جلسة مجلس الوزراء الختامية في العام الجاري، عن إمكانية العودة من جديد إلى تعيين مسؤولين كبار من مستوى نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء الفيدراليين في عضوية مجالس إدارة الشركات الحكومية ومجالس الإشراف عليها. علما بأن هذا التقليد تم التراجع عنه سنة 2011. كما تقول صحيفة "كوميرسانت" التي نقلت الخبر.
ويعود طرح ميدفيديف إلى تصور حكومي بضرورة تشديد الرقابة على نشاط الشركات الحكومية في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها روسيا. علما بأنهم في البيت الأبيض الروسي لا يستبعدون اللجوء إلى ذلك كإجراء مؤقت للتحكم بالسوق المالية.

فهل يعني ذلك اعترافاً ضمنياً بدور الشركات الحكومية على مثال "روس نفط" في الأزمة المالية حيث اشترت من السوق دولارات بالروبلات التي أقرضتها إياها الحكومة، وتم الحديث حينها عما يتجاوز 600 مليار روبل؟
ولكن هل تكفي الإجراءات البوليسية، بل هل تفيد في ظل الفساد؟
المفوضون من قبل البنك المركزي الروسي، ظهروا في 119 بنكاً من البنوك الرئيسية التي تلعب دوراً مؤثراً في النظام المالي الروسي، منذ بداية هذا العام. ولكن، أضيف إلى مهامهم السابقة المتعلقة بمراقبة عمل البنوك، الكشف عن المضاربين بالعملات الصعبة. ذلك ما كتبته صحيفة "فيدوموستي" نقلا عن مصادرها في مؤسسات الإقراض ومصادرها الأخرى المقربة من البنك المركزي الروسي.
وأكد أوليغ فيوغين، رئيس مجلس إدارة بنك "إم دي إم" (أو بنك عالم الأعمال الموسكوفي) أنّ " هناك في البنك مشرفاً يراقب جميع المعاملات بما فيها بالعملة الصعبة". مما يعني غياب السرية المصرفية، ويضعف الثقة بالبنوك الروسية، الأمر الذي من شأنه أن يضاعف تهريب الأموال إلى الخارج بالعملة الصعبة وتزايد الطلب عليها وما إلى ذلك من انعكاس على سعر صرف العملة المحلية.
إلى ذلك، فقد نشر البنك المركزي الروسي، في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الجاري، معلومات على موقعه الرسمي "إس بي آر.رو" تفيد بأن " مجلس إدارة بنك روسيا المركزي قرر في 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري إدخال أداة جديدة، هي الإقراض بالعملات الأجنبية المضمونة بحق المطالبة بالتسديد بالعملة الأجنبية".
أي أن البنك المركزي سيقدم للبنوك الروسية قروضاً بالعملة الصعبة من أجل أن تعطي الأخيرة قروضاً لقطاع الأعمال، ليتمكن هؤلاء من تسديد قروضهم للبنوك الأجنبية الخارجية بالعملة الصعبة. وسيضمن البنك المركزي حقه من خلال أن المقترض سيكون مسؤولاً ليس فقط أمام البنك الذي منحه القرض، بل وأمام البنك المركزي الذي سيطالبه بالتسديد له مباشرة في حال تخلف عن تسديد القرض للبنك الذي اقترض منه.
وبما أن البنك المركزي يملك أدوات ضغط على الأعمال التجارية، فهو يأمل باستعادة الأموال. ولكن الحديث يدور عن اقتصار الإقراض بالعملة الصعبة على البنوك الحكومية، من نمط مصرف التوفير "سبيربانك" وبنك التجارة الخارجية "في تي بي". وأنّ هذه البنوك ستقصر قروضها على كبريات الشركات الحكومية من نمط "روس نفط" و"غاز بروم" وما على شاكلتها.
وإذا كان الأمر كذلك، فما هو حجم الأعمال غير الحكومية في روسيا؟ هل هو ضئيل إلى درجة إهمال تأثيرها في سعر صرف الروبل؟ أم أن مراقبة شرائها للعملة الصعبة سيشكل تضييقاً عليها ويجعلها تهرب من سوق الاستثمار الروسية، مما سيشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد الروسي وبالتالي على سعر صرف الروبل، فتكون النتيجة دون مستوى التوقعات إن لم تكن عكسية؟
يذكر أن الروبل الروسي أنخفض في يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول إلى حوالي 80 روبلا للدولار. وعاد للارتفاع في أعقاب رفع البنك المركزي الروسي لسعر الفائدة من 10.5% إلى 17% بزيادة 6.5% مرة واحدة وضخ مليارات الدولارات في المصارف الروسية. لكن الروبل بعد تحسن سعره مقابل الدولار، عاد مرة أخرى للانخفاض.
المساهمون