بدأت فصول الانهيار الكامل لعملاقة المقاولات الإماراتية "شركة أرابتك القابضة" العام الماضي، قبل أن تقرر محكمة دبي قبول طلب افتتاح إجراءات إفلاس الشركة المساهمة العامة والشركات التابعة لها. فكيف بدأت القصة قبل بلوغ مراحلها الأخيرة؟
الشركة قالت، في بيان لسوق دبي المالي، يوم الإثنين، إن محكمة دبي أصدرت قرارها بتاريخ 16 يونيو/حزيران الحالي، بقبول طلب إفلاس "أرابتك" و6 شركات تابعة لها، هي "أرابتك للإنشاءات أبوظبي" و"أرابتك للإنشاءات دبي" و"الشركة النمساوية العربية للخرسانة الجاهزة"، و"أرابتك بريكاست"، وكذلك شركتا "صقر الإمارات الكهروميكانيكية أبوظبي" و"صقر الإمارات الكهروميكانيكية دبي".
وأوضحت أن المحكمة قررت تعيين أمناء إجراءات لكل شركة على استقلال، وكلفت المحكمة كل أمين إجراءات بأن يقوم بنشر قرار افتتاح الإجراءات بالنسبة لكل شركة وتحقيق ديونها، وإيداع قائمة وإعداد سجل بالدائنين والقيام بكافة الإجراءات وفقاً لأحكام قانون الإفلاس، وذلك خلال 35 يوماً من تاريخ الإخطار بالتعيين.
وكلفت المحكمة كل أمين بأن يقوم بإعداد تقرير مبدئي منفصل عن أموال الشركة يتضمن حصراً لأموالها وموجوداتها وحقوقها لدى الغير، بالإضافة إلى حصر لمديريها وأعضاء مجلس إدارتها والشركاء فيها خلال السنتين السابقتين على تقديم طلب الإفلاس، بالإضافة إلى رأيه حول إدارة أموال الشركة والمحافظة على قيمتها، على أن يودع التقرير المالي المبدئي خلال أسبوعين.
وقررت المحكمة أيضاً وقف جميع الإجراءات القضائية وإجراءات التنفيذ ضد أموال الشركات إلى حين المصادقة على خطة إعادة الهيكلة، أو مرور 10 أشهر على صدور قرار افتتاح إجراءات الإفلاس، وعلى كل أمين تقديم طلب مستقل للمحكمة في شأن الفوائد التعاقدية أو القانونية.
وحددت المحكمة جلسة في 26 يوليو/تموز المقبل لمتابعة الإجراءات، وكلفت رئيس مجموعة الأمناء بتنظيم اجتماع تمهيدي مع الأمناء والمحكمة خلال أسبوع ليعرض كل منهم خطة عمله.
ماذا حصل سابقاً؟
وكانت الجمعية العمومية لشركة "أرابتك" قد أكدت على تصفية الشركة، بعد تصويتها في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بالرفض على مقترح من مساهمين يمثلون 5% من رأسمال الشركة، لإلغاء قرار الجمعية العمومية بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2020، الخاص بتفويض مجلس الإدارة وإعلان الإفلاس وتصفية الشركة.
وقبل نحو 7 أعوام، كان لشركة "أرابتك" القابضة المدرجة في دبي مستثمرون يحققون أرباحا من ورائها. وفي اجتماع اتسم بالبذخ للمساهمين في فندق "سانت ريجيس" بأبوظبي، أعلنت شركة المقاولات التي ساهمت في بناء برج خليفة بدبي، وهو أطول ناطحة سحاب في العالم، عن خطط للإدراج في لندن وهونغ كونغ ونيويورك.
لكن هذه الخطط لم تُنفذ قط. فبعد ضخ سيولة بين 2013 و2017، وتغييرات في الإدارة، وتسريح عاملين وعدة جولات لإعادة الهيكلة، قرر المساهمون في "أرابتك"، والذين من بينهم صندوق مبادلة التابع لحكومة أبوظبي، الأسبوع الماضي أن أكبر شركة مقاولات مدرجة في الخليج يتعين عليها تقديم طلب للتصفية.
وفي نهاية يونيو/حزيران، كان إجمالي الالتزامات المالية على "أرابتك" نحو 2.75 مليار دولار، منها 500 مليون دولار اقترضتها من بنوك.
والتصفية، التي تؤدي إلى المزيد من تسريح العمالة في شركة كانت لديها قوة عمل كبيرة قوامها 40 ألف فرد حتى نهاية العام 2019، ستكتب كلمة النهاية لمرحلة من الازدهار في نشاط التشييد بالنسبة لشركات المقاولات المحلية.
وقال زياد مخزومي، الذي عمل مديرا ماليا لـ"أرابتك" في الفترة من سبتمبر/أيلول 2008 إلى مارس/آذار 2013 لـ"رويترز": "شركة عظيمة عمرها 45 عاما اختفت من على وجه الأرض. من المحزن بشدة أن تختفي شركة أيقونية مثل تلك".
وجاء قرار "أرابتك" بالتصفية بعد خسائر في النصف الأول من العام 2020 بلغت 216.18 مليون دولار وخسائر متراكمة بلغت نحو 400 مليون دولار. وقالت الشركة إن جائحة كورونا أضرت بمشروعاتها وأدت لتكبدها تكاليف إضافية.
وفي تصريحات سابقة، قال وليد المقرب المهيري، رئيس "أرابتك"، وهو أيضا نائب الرئيس التنفيذي للمجموعة في مبادلة، إنه "على الرغم من جهود السعي لاستحقاقات قانونية وتجارية وإعادة هيكلة ماليات وعمليات الشركة، فإن الوضع الذي وجدت أرابتك نفسها فيه اليوم لا يمكن تحمله".
وكثيرا ما أدى تكرار تأخر العملاء في المنطقة عن السداد إلى فرض ضغوط على شركات المقاولات المتضررة بالفعل بسبب انهيار سوق العقارات في دبي في 2008 و2009. لكن مشكلات تدفق السيولة كان يجري التغلب عليها عادة عن طريق إدارة عدة مشروعات في الوقت نفسه، وافتراض أن الإمداد سيستمر لأجل غير مسمى.
ضغوط مصرفية وعقارية
انهيار "أرابتك"، التي كُلفت بتشييد موقع "دبي إكسبو 2020"، يفرض مزيدا من الضغوط على قطاع العقارات والبنوك المحلية. فحتى قبل انهيار الشركة، كانت "ستاندرد أند بورز غلوبال" للتصنيف الائتماني قد خفضت بالفعل تصنيف أكبر شركتين للعقارات في الإمارات إلى "مرتفع بالمخاطر" في ظل توقعات بأن إجراءات احتواء جائحة كورونا ستؤدي لانكماش اقتصاد دبي 11% في العام الماضي.
وتمانع البنوك هذا العام في منح شركات المقاولات ائتمانا جديدا في ظل التباطؤ، لكن مصرفيا في دبي قال سابقا إن تصفية "أرابتك" قد تعني المزيد من الخسائر المتوقعة.
وقالت "أرقام كابيتال" العام الماضي، إن "بنك المشرق" في دبي من أكثر البنوك انكشافا بقرض قيمته 353 مليون درهم (96.11 مليون دولار). ووفقا لتقديراتها يمكن لبقية البنوك استرداد 37% فقط من سجل قروضها.
وقالت "أرقام كابيتال" في مذكرة بحثية إن شركات التطوير الكبيرة في الإمارات ستتضرر أيضا. وأضافت أن "هوامش المطور ستتقلص على الأرجح في المشروعات الجديدة، حيث نتوقع إعادة تسعير عقود التشييد لصالح المتعاقدين بعدما تبين أن نموذج العمل القائم لشركات المقاولات المحلية...غير قابل للاستمرار/يؤدي للإفلاس".
ويُعد بلوغ شركة الإنشاء التي ساعدت في بناء أطول مبنى في العالم وأبنية مهمة أخرى في الإمارات، مرحلة التصفية والإفلاس، آخر خطوة في انهيار طويل بسبب الأزمة الاقتصادية في الإمارات منذ عقد، والتي زادتها جائحة كورونا صعوبة، وأثرت ليس فقط على الاقتصاد الإماراتي، بل امتدت آثارها إلى غالبية اقتصادات العالم.