هدنة اجتماعية مؤقتة في تونس: اكتفاء باتفاقات الحد الأدنى بين الحكومة واتحاد الشغل

17 سبتمبر 2022
النقابات العمالية نجحت في انتزاع الحد الأدنى من مطالبها (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

تسير تونس نحو هدنة اجتماعية قد تتوقف خلالها المطالب النقابية لمدة ثلاث سنوات وذلك عقب توقيع حكومة نجلاء بودن اتفاقا مع الاتحاد العام التونسي للشغل يقضى برفع أجور 680 ألف موظف وزيادة الأجر الأدنى المضمون.

والخميس وقعت النقابات العمالية مع الحكومة اتفاقا بشأن زيادة رواتب القطاع العام وزيادة الحد الأدنى للأجور تضمن زيادات لفائدة أجراء المؤسسات والمنشآت العمومية تقدر بـ5% ستُقسّط على ثلاث سنوات. بينما سيحصل أجراء الوظيفة الحكومية على زيادة حسب الأصناف تتراوح ما بين 74 و300 دينار تصرف على ثلاثة أقساط متساوية بداية من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ويناير/كانون الثاني 2024 ثم يناير 2025.

اتفاق الحد الأدنى
واتفاق الخميس الذي تعثرت مفاوضاته في أكثر من مناسبة توّج مسار جلسات حوار مطولة بين اتحاد الشغل والحكومة، غير أنه يعد اتفاق الحد الأدنى من حيث نسبة الزيادة التي لم تنزل عن 6% خلال الاتفاقات الموقعة عام 2017 و2019.

وتضمنت وثيقة الاتفاق التزاما من النقابات بعدم المطالبة بأي زيادات في الأجور على مدى سنوات 2023 و2024 و2025 ما يشير إلى قبول الاتحاد لهدنة اجتماعية. ومنذ الإعلان عن قبول الاتفاق الحكومي قال الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي في تصريحات إعلامية أنه يتعين إعلاء المصلحة العليا للبلاد، مؤكدا حرصه على تضافر كلّ الجهود من أجل إيجاد حلول للأزمة التي تمرّ بها البلاد، على غرار توفير المواد الغذائية والعناية بكلّ شرائح المجتمع والطبقة العاملة والمستثمرين ورجال الأعمال.

ويرى الطبوبي أنّ كلّ عناصر النجاح في تونس متوفّرة، مؤكدا أن تضافر الجهود يساعد البلاد على تجاوز أزمتها. وكشف المتحدّث الرسمي باسم الحكومة نصر الدين النصيبي لوسائل إعلام محلية أنّ كلفة اتفاق الزيادة في الرواتب ستكون في حدود 600 مليون دينار سنويا أي نحو 200 مليون دولار على مدى 3 سنوات.
واعتبر النصيبي أنّ توقيع اتّفاق الزيادة في الأجور ضروري لتعديل المقدرة الشرائية للمواطنين وخلق بيئة من السلم الاجتماعي والذي سيكون تحقيقه محدّدا في قرارات العديد من الجهات المستثمرة للتوجّه إلى تونس، حسب تقديره. وأضاف أنّ الحكومة حاولت الوصول إلى اتّفاق مع المنظمة الشغيلة في حدود قدرتها المالية دون أن تؤدي الزيادات إلى تقليص في مخصصات الاستثمار.

قرض صندوق النقد
بلغت نفقات الأجور في تونس مستوى قياسياً خلال سنة 2022، حيث وصلت إلى نحو 15.6% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 10% سنة 2010، ما قلّص من الاعتمادات ذات الصبغة التنموية، وحدّ من قدرة الميزانية على تعزيز الاستثمار العمومي. ويُنظر إلى الاتفاق بين الحكومة والاتحاد بشأن الأجور والدعم ومصير الشركات المملوكة للدولة على أنه ضروري لضمان الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، والذي بدوره يمكن أن يفتح الباب أمام المزيد من المساعدات المالية الأجنبية. وأعلنت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، أمس الجمعة، أن اتفاق الأجور الذي أبرم في تونس الخميس يزيد احتمال التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض.
وقال المتحدث الحكومي نصر الدين النصيبي أمس إن تونس تأمل في التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية الشهر المقبل، وذلك بعد الوصول لاتفاق يتعلق بالأجور. وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة إن "فريق التفاوض التونسي كان على اتصال طيلة يوم أمس مع صندوق النقد الدولي بخصوص البنود الأخيرة للاتفاق". وأبلغ راديو إكسبريس إف.إم المحلي: "نأمل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد قبل نهاية أكتوبر حتى تتمكن تونس من الوفاء بجميع التزاماتها بما في ذلك توفير السلع الغذائية ومنتجات الطاقة ودفع الأجور وخدمة الدين".

وتفرض المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إكراهاتها على الجميع في تونس، وهو ما يفسر قبول اتحاد الشغل بزيادة قد تكون دون توقعات منظوريه من الطبقات العاملة التي تعاني غلاء قياسيا ونسبة تضخم بـ8.6%.
ويرى الخبير الاقتصادي محسن حسن أن تراجع القدرة الشرائية للتونسيين أجبر اتحاد الشغل التونسي على الدفاع عن منظوريه من الأجراء والمطالبة بتعديل الرواتب حيث لم يعد من الممكن ترميم المقدرة الشرائية اليوم عبر الزيادة في الدخول.
غير أن حسن أكّد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحل الأمثل لخروج الجميع من النفق المظلم هو خلق الثروة وتوزيعها بين التونسيين، عوضا عن توزيع الفقر والبؤس، وفق قوله. ويرى حسن انه "لا خيار أمام سلطات تونس سوى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي تجنّب بلادنا الهزات الاجتماعية وعدم القدرة على سداد ديونها".

ضغوط معيشية واقتصادية
وخلال الأسابيع الماضية ظهرت في تونس بوادر حراك اجتماعي من خلال مسيرات ليلية في الأحياء الشعبية إلى جانب ارتفاع وتيرة رحلات الهجرة غير الشرعية هربا من واقع صعب تعيشه الطبقات الضعيفة والمتوسطة. وأكد الخبير الاقتصادي محسن حسن، أن صندوق النقد الدولي يطالب بإصلاحات تتبناها جميع الأطراف في تونس وهو ما يتطلب جبهة وطنية موحدة، حسب قوله.

تفرض المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إكراهاتها على الجميع في تونس، وهو ما يفسر قبول اتحاد الشغل بزيادة قد تكون دون توقعات منظوريه من الطبقات العاملة

لكن السلطات التونسية التي فرضت على النقابة العمالية الرئيسية في البلاد، الهدنة الاجتماعية والقبول بنسبة زيادة في الرواتب متواضعة، لم تكشف عن مسار تقدم مفاوضاتها مع الصندوق بشأن الاتفاق المالي المرتقب المقدر بـ4 مليارات دولار. غير أن تقريرا أعده بنك "باركليز" رجّح أن تتلقى تونس دعما تمويليا من دول الخليج، بعد الاستفتاء الذي أجري في 25 يوليو/ تموز الماضي، وهو ما يقلل الاعتماد على تمويل صندوق النقد الدولي، الذي من غير المتوقع أن تحصل عليه تونس هذا العام. وقال التقرير وفق ما نقلته وكالة "بلومبيرغ" إنه "يجب أن تتمكن تونس من تغطية احتياجاتها المالية وطلبات التمويل الخارجية حتى عام 2023 على الأقل، رغم استمرار تأخر تمويل صندوق النقد الدولي.
وكشف التقرير السنوي للبنك المركزي التونسي الصادر أخيراً أنّ مستوى العجز يظل مثيراً للقلق، بالنظر إلى حجم النفقات غير القابلة للتقليص وفتور النمو. وقال التقرير إنّ تمويل مثل هذا العجز يطرح تحديات حقيقية، علماً أنّ الدين العمومي قد ارتفع بحوالي 10.5 مليارات دينار، منها قرابة 9 مليارات دينار ذات مصدر داخلي، مع اللجوء المتزايد للتمويل البنكي.
وتواجه تونس ضغوطا مالية واقتصادية أدت إلى التأخر في دفع رواتب الموظفين الحكوميين ومشكلات في دفع ثمن واردات القمح، بالإضافة إلى ارتفاعات حادة في الأسعار. وزاد من هذه الضغوط تراجع قيمة الدينار التونسي إلى مستوى 3.18 للدولار في انخفاض سنوي نسبته 13.2% حتى 14 يوليو/ تموز الماضي.

المساهمون