هجوم كورسك يهدد ترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا... لا رابحين من تعطل إمدادات الطاقة

22 اغسطس 2024
أنابيب نفطية تابعة لشركة ترانسنفت، 13 ديسمبر 2023 (ناتاليا كوليسنيكوفا/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تذبذب أسعار الغاز**: شهدت سوق الطاقة الأوروبية تذبذباً في أسعار الغاز بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ارتفعت الأسعار إلى 500 دولار لكل ألف متر مكعب نتيجة الهجمات على محطة قياس الغاز في سودجا، ثم تراجعت إلى 450-480 دولاراً.

- **تأثير تعطل الإمدادات على النمسا**: تعتمد النمسا بشكل كبير على الغاز الروسي، حيث وفرت "غازبروم" 64% من حاجياتها في 2023، و90% في أشهر الشتاء، مما يعرضها لضغوط من بروكسل رغم الحظر الأوروبي.

- **استمرار ترانزيت الغاز**: يتوقع الخبراء استمرار ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا رغم التوترات، حيث تعتمد أوكرانيا على عوائد الترانزيت، وتبذل الدول المعنية جهوداً دبلوماسية لضمان استمرار الإمدادات.

مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية المفتوحة من إكمال عامين ونصف العام، تواجه سوق الطاقة الأوروبية آفاقاً غامضة، وسط اندلاع المعارك في محيط محطة قياس الغاز في مدينة سودجا الواقعة في مقاطعة كورسك والتي تستخدم لترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية. ففي الوقت الذي دفع فيه هجوم القوات المسلحة الأوكرانية على مقاطعة كورسك والمستمر منذ 6 أغسطس/آب الجاري، بأسعار الغاز في السوق الأوروبية صوب عتبة الـ500 دولار لكل ألف متر مكعب، سرعان ما عادت إلى ما بين 450 و480 دولاراً، إذ إن استمرار تدفق الغاز رغم الاشتباكات طمأن الأسواق. ومع ذلك، لا يزال هذا الرقم أعلى كثيراً من معدلات يوليو/تموز الماضي التي تراوحت بين 400 - 420 دولاراً، وسط مخاوف من توقف الإمدادات في أي لحظة.

وتعود تذبذبات أسعار الغاز إلى المخاوف من إلحاق أضرار بمعدات محطة سودجا، مما سيجعل قياس كميات الغاز أمراً مستحيلاً، وقد يؤدي إلى توقف الترانزيت. أما المسار البديل لنقل الغاز عبر محطة سوخرانوفكا الواقعة في مقاطعة لوغانسك الأوكرانية والتي ضمتها روسيا تحت مسمى "جمهورية لوغانسك الشعبية"، فقد توقفت كييف عن استخدامها منذ مايو/أيار 2022 بذريعة نشوب ظروف قهرية من جهة فقدان أوكرانيا السيطرة على الأراضي الكائنة فيها المحطة. ومنذ ذلك الحين، واصل عملاق الغاز الروسي "غازبروم" ضخ نحو 40 مليون متر مكعب من الغاز يومياً عبر "سودجا"، مما يغطي احتياجات النمسا وسلوفاكيا وجزئياً المجر وإيطاليا.

النمسا في طليعة المتضررين من قطع الغاز الروسي

في حال تعطل الإمدادات على خلفية المخاطر الحالية، ستكون النمسا هي الدولة الأكثر تضرراً كونها لا تزال تتلقى القسم الأكبر من الغاز الروسي عبر الأنبوب الأوكراني. وعلى الرغم من التراجع الحاد لإمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا منذ عام 2022، إلا أن "غازبروم" وفرت لفيينا 64% من حاجيتها من الغاز في عام 2023. وفي أشهر الشتاء الماضي، فاقت نسبة هذه الإمدادات الـ90%، مسجلة رقما قياسية بواقع 98% في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وفي 13 أغسطس/آب الجاري، دقت وزارة الطاقة النمساوية ناقوس الخطر، معلنة وجود خطر كبير للتوقف المفاجئ لإمدادات الغاز الروسي الذي يتيح تشغيل المصانع الثقيلة الموجهة إلى التصدير.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي فرض في نهاية عام 2022 وبداية عام 2023 حظراً على استيراد النفط الروسي ومنتجاته، لم تمس القيود بإمدادات الغازين، المورد عبر الأنابيب والمسال، من دون أن يحفظ ذلك القيادة النمساوية الحالية التي تواصل شراء كميات هائلة من الغاز الروسي، من التعرض لضغوط بروكسل.

في هذا الصدد، يلفت الخبير في المعهد المالي التابع للحكومة الروسية، ستانيسلاف ميتراخوفيتش، إلى أن النمسا ستكون في طليعة المتضررين جراء تعطل إمدادات الغاز عبر "سودجا"، متوقعاً في الوقت نفسه استمرارها نظراً إلى ما يدر على أوكرانيا من عوائد.
ويقول ميتراخوفيتش لـ"العربي الجديد": "في أشهر الشتاء، تحصل النمسا على ما يصل إلى 90% من حاجيتها من الغاز عبر سودجا، ووضع سلوفاكيا وبصفة خاصة المجر أفضل بعض الشيء كون هذه الأخيرة تحصل على الحصة الرئيسية من الإمدادات عبر خط السيل التركي".

ويتوقع الخبير في المعهد المالي استمراراً لترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا رغم التصعيد الأخير، مضيفاً: "كييف نفسها معنية بمواصلة جني عوائد الترانزيت وتلبية احتياجاتها هي من الغاز، وأعتقد أنه سيتم الاستمرار في العمل بالعقد حتى بعد انتهاء مدته، إذ إني لا أتصور أن تستغني أوكرانيا طوعاً عن ترانزيت الغاز". ويلفت إلى أن أوكرانيا نفسها لم تستغن عن الغاز الروسي استغناء كاملاً حتى الآن، بل تواصل شراءه بصورة غير مباشرة بالسوق الثانوية من الدول الأوروبية، ثم تتسلمه من خط الترانزيت أثناء عبوره.

ويجزم بأن طرفي النزاع الروسي الأوكراني سيعملان على تجنب إلحاق أي أضرار بمحطة سودجا، من دون أن يستبعد في الوقت نفسه احتمال تعرضها للإصابة بقذيفة عن طريق خطأ، مشيراً إلى أنه حتى في هذه الحالة يمكن مواصلة ضخ الغاز بواسطة الضواغط الكائنة بمواقع أخرى. ويتوقع نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أليكسي غريفاتش، هو الآخر استمراراً لترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا حتى بعد انتهاء العقد المبرم بين "غازبروم" وشركة "نفتوغاز" الأوكرانية في نهاية العام.

ويقول غريفاتش لـ"العربي الجديد": "حتى الآن، لا تحمل الأحداث الراهنة في طياتها أي تداعيات خطيرة للأسواق باستثناء ارتفاع الأسعار، إذ إن ترانزيت الغاز يتواصل بالكميات المعتادة، وهو ما يبدو نتيجة لجهود دبلوماسية تبذلها الدول المعنية باستمرار إمدادات الغاز الروسي رغم أعمال القتال في محيط المحطة وأوكرانيا عامة". ويجزم بأنه لن يكون هناك طرف رابح من تعطل إمدادات الغاز في حال حدوثه، مضيفاً: "حتى الآن، لم تتوصل الأطراف المعنية إلى إجماع بشأن كيفية استمرار الترانزيت بعد انتهاء العقد، ولكنها تدرك أن الجميع سيتكبد خسائر في حال توقفه، ولذلك يتواصل الترانزيت رغم التصعيد العسكري والمخاوف من وقوع قصف وحتى من استيلاء التشكيلات الأوكرانية على محطة سودجا".

الغاز الروسي ورقة أوكرانية لمساومة أوروبا

يرى الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، أن أوكرانيا قد تستثمر ورقة ترانزيت الغاز الروسي لمساومة الدول الأوروبية المتعاطفة مع موسكو، قائلاً لـ"العربي الجديد" من كييف: "من المبكر الحديث عن مصير عقد ترانزيت الغاز، إذ إن تغييرات كثيرة قد تطرأ على الوضع قبل نهاية العام، ولكن الأمر قد يصبح ورقة للمساومة مع أوروبا وبصفة خاصة دولها المتعاطفة مع بوتين"، في إشارة إلى النمسا والمجر. ومنذ بدء الحرب في أوكرانيا، غردت بودابست تحت قيادة رئيس الوزراء، فيكتور أوربان، المعروف بعلاقته الوطيدة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خارج سرب الدول الأوروبية في مسألة دعم أوكرانيا، من جهة عرقلة وصول الدعم العسكري الغربي إلى كييف أولاً، ثم منع تمرير الحظر الأوروبي الكامل على النفط الروسي وإصرارها على استبعاد نفط الأنابيب منه.

أما النمسا، فإلى جانب استمرارها في الاعتماد على الغاز الروسي، يواصل مصرفها "رايفايزن" العمل في السوق الروسية، رغم اضطراره إلى تقييد المعاملات وتحويلات الأفراد تحت ضغوط من البنك المركزي الأوروبي. وفي المقابل، ثمة دول أخرى عرفت بعلاقاتها الاقتصادية الوطيدة مع روسيا، لعل في مقدمتها ألمانيا، أبدت حزماً في قطع العلاقات التجارية معها، مما أدى إلى تراجع حصة الغاز الطبيعي الروسي في واردات الاتحاد الأوروبي من أكثر من 40% في عام 2021 إلى 8% فقط أو نحو 15% شاملة الغاز المسال، وفق أرقام مجلس الاتحاد الأوروبي عن عام 2023.

وفي سبتمبر/أيلول 2022، توقف ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط الأنابيب الرئيسي "السيل الشمالي" الممتد إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق بعد واقعة تفجيره، ما اضطر موسكو إلى مواصلة اعتمادها على خط أنابيب الغاز "السيل التركي" وأوكرانيا بصفتها بلد الترانزيت. وخلال الأيام القليلة الماضية، عادت قضية تفجير "السيل الشمالي" إلى الواجهة بعد إدراج ألمانيا أحد المشتبه بهم بتنفيذ العمل التخريبي في بحر البلطيق على قائمة المطلوبين، وهو غواص يدعى فلاديمير جورافليوف ويحمل الجنسية الأوكرانية.

ومع ذلك، أثارت التحقيقات الألمانية في واقعة تفجير أنابيب الغاز حفيظة موسكو، إذ اعتبر رئيس قسم أوروبا الثالث بوزارة الخارجية الروسية، أوليغ تريابكين، في تصريحات لوكالة نوفوستي الحكومية الروسية مطلع الأسبوع الجاري، أن الترويج لفكرة مفادها أن المنفذين لا يمتون إلى الدولة الأوكرانية بصلة ينذر بإغلاق التحقيق الألماني من دون الوصول إلى المحرضين الفعليين على التفجير، مشدداً على أن روسيا لن تقبل بذلك. وفي عام 2022 أيضاً، توقف ترانزيت الغاز الروسي عبر بولندا إلى ألمانيا بواسطة خط أنابيب "يامال - أوروبا" الذي كانت تمر به 15% من صادرات "غازبروم" إلى أوروبا وتركيا، وذلك بعد فرض العقوبات الروسية الجوابية بحق الشركة المالكة للشق البولندي من خط الأنابيب.

وتشير بيانات الشركة المشغلة لمنظومة نقل الغاز الأوكرانية إلى أن ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا تراجع هو الآخر بنسبة 28.5% من 20.5 مليار متر مكعب في عام 2022 إلى 14.65 ملياراً في العام الماضي. وكانت شركتا "غازبروم" و"نفتوغاز" قد أبرمتا في نهاية عام 2019 عقداً مدته خمس سنوات نص على ضخ عملاق الغاز الروسي 225 مليار متر مكعب من الغاز عبر أوكرانيا، بما فيها 65 ملياراً في عام 2020 و40 ملياراً في كل من الأعوام التالية. وبذلك يبقى خط الترانزيت عبر أوكرانيا هو المسار الوحيد لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية والوسطى، حيث إن الإمدادات عبر "السيل التركي" مخصصة لبلدان جنوب وجنوب شرق أوروبا.

المساهمون