هبوط الليرة يربك حسابات الجميع في تركيا... انفلات التضخم

17 أكتوبر 2021
سوق في إسطنبول (Getty)
+ الخط -

يربك التراجع المسجل في سعر صرف الليرة التركية حسابات الأتراك، وحتى المقيمين الأجانب، إذ يتخوف الكثيرون من تفاقم الأعباء المعيشية التي يتوقع أن تزداد تأثراً بالصعود القياسي في أسعار الطاقة عالمياً، ما يزيد من مخاطر ارتفاع معدل التضخم.

وهوت الليرة إلى مستوى قياسي منخفض جديد نهاية الأسبوع الماضي، عند 9.20 ليرات مقابل الدولار الواحد، لتصل خسائرها منذ بداية العام إلى نحو 19%، بفعل مخاوف متعلقة بالسياسة النقدية.   

ويأتي هبوط الليرة في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من معدلات تضخم مرتفعة بلغت 19.58% في سبتمبر/أيلول الماضي، وفق بيانات صادرة عن معهد الإحصاء الحكومي مطلع الشهر الجاري.

وتنعكس هذه الزيادة على فئات المجتمع المختلفة، حيث أشار اتحاد النقابات العمالية، في أحدث بياناته، إلى أن الإنفاق الشهري على نظام غذائي صحي ومتوازن وكاف لأسرة مكونة من أربعة أفراد يتطلب 3049 ليرة (331.4 دولارا)، بينما يبلغ الحد الأدنى الصافي للأجور 2825.9 ليرة شهرياً.

يقول فراس شعبو، أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير في إسطنبول، لـ"العربي الجديد"، إن "تدهور الليرة ليس وليد اللحظة، بل هو حالة استمرت منذ 2016 بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، حيث شهدت العملة التركية تذبذبا بين صعود وهبوط، ولكن المنحى العام كان نحو الهبوط".

يضيف شعبو: "هذا المنحى انعكس على الأسعار، لا سيما الغذاء والإيجارات"، مشيرا إلى أن "المواطن لاحظ هذا بشدة مع بداية عام 2021 نتيجة ارتفاع الأسعار بشكل كبير، مما أثر على القدرة الشرائية ومعدل الاستهلاك، خاصة أن الرواتب لم يطرأ عليها تغير يواكب تغير الأسعار".

ويتابع أن تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار أثر أيضا بالسلب على المستثمرين الأجانب، فـ"المستثمر الأجنبي الذي قام بتحويل مبلغ معين بالدولار إلى الليرة في 2016 من أجل الاستثمار، إذا أراد استعادة رأس المال الآن وتحويله إلى دولار ستكون خسائره كبيرة".

ومع التراجع الأخير لسعر صرف الليرة، يرى أستاذ المالية أن "هذا الأمر سينعكس على الأسواق عبر مزيد من التضخم، خاصة المنتجات التي يجري استيرادها".

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن، مطلع الشهر الجاري، أنه أعطى أمرا لتعاونيات الائتمان الزراعي بفتح حوالي 1000 سوق جديد في جميع أنحاء البلاد لتوفير أسعار مناسبة للسلع الاستهلاكية، وذلك لمواجهة التضخم المرتفع.

لكن شعبو يقول: "تركيا أكبر من أن يساهم ألف متجر في حل مشكلة التضخم الحاصلة فيها"، مضيفا "المشكلة الآن ليست في سعر سلعة معينة، بل في تدهور القدرة الشرائية، وبالتالي يمكن اعتبار هذه المبادرة تخفيفا من أثر الأزمة، ولكن ليس حلا لها".

ويأتي ذلك على الرغم مما يشهده الاقتصاد التركي من مؤشرات إيجابية، كارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى 123.5 مليار دولار، بالإضافة إلى رفع صندوق النقد الدولي في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، لتوقعات نمو الاقتصاد التركي لعام 2021 من 5.8 % إلى 9 %.

وتقول نورسال بولت (53 عاما)، تعمل في أحد محلات الملابس في إسطنبول، إن ارتفاع الأسعار أثر بالسلب على راتبها، إذ لا تشتري سوى القليل من احتياجاتها من السوق، بالإضافة إلى عجزها عن الادخار.

وتروي بولت، وهي المعيل الوحيد لأبنائها، لـ"العربي الجديد"، أن هناك بعض السلع التي استغنت عنها بشكل كامل، مثل اللحوم التي لا تشتريها إلا عند حضور ضيوف لزيارتها، بالإضافة إلى الاستغناء عن شراء ملابس جديدة.

وتابعت: "أشترى الأطعمة الأساسية فقط التي لا أستطيع الاستغناء عنها بكميات قليلة، مثل البيض والخضروات والفاكهة، بينما أعمل في وظيفتين، وراتبي يكاد يكفيني أنا وأبنائي، لأن وظيفة واحدة لا تكفي لدفع إيجار الشقة وفواتير الكهرباء والماء والموبايل، وكذلك تكاليف الطعام".

وتشعر بولت بأن ارتفاع التضخم أضر بشكل مباشر المكان الذي تعمل فيه، قائلة: "المحل الذي أعمل به تراجعت به الأعمال بسبب تراجع عمليات الشراء".

بدوره، يقول دوكان (46 عاما)، وهو سائق تاكسي تركي، لـ"العربي الجديد"، إن أسعار جميع المنتجات من حوله بمختلف أنواعها ارتفعت بشكل كبير، مضيفا: "أصبحت أشعر أن الأموال بلا قيمة، فأنا أحصل على راتبي، لكنه يذهب سريعا في مقابل بضعة مشتريات".

وأمس السبت، قررت الحكومة رفع أسعار الوقود بمقدار 40 قرشا للتر البنزين وسعر لتر الديزل بمقدار 41 قرشا، وهو الأمر الذي يعزز من استمرار معدل التضخم عند مستويات مرتفعة لفترة طويلة.

ووفق الزيادة الجديدة، سيبلغ سعر لتر البنزين 7.95 ليرات في إسطنبول، و7.92 ليرات في أنقرة، و7.93 ليرات في إزمير، فيما سيبلغ سعر لتر الديزل 7.99 في أنقرة و7.93 في إسطنبول، و8.01 ليرات في إزمير.

وعلى مستوى الأسر والمستثمرين العرب المقيمين في تركيا، فقد طاولهم ارتفاع الأسعار أيضا، فتروي رزان، وهي ربة منزل سورية (27 عاما)، لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من أن زوجها يقضي نحو 12 ساعة في العمل بأحد المصانع التركية، إلا أن ما يتقاضاه بالكاد يكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

وبالحديث مع أحد مديري أفرع أشهر المطاعم العربية في إسطنبول (فلافل غزة)، يقول أبو تركي (52 عاما)، إن المنتجات التي يستخدمها في المطعم زاد سعرها، مما قد يدفعه لرفع أسعار مأكولاته في وقت لا يتحمل الزبون أي زيادة في السعر.

يضيف أبو تركي، خلال حديثه مع "العربي الجديد": "حتى الآن لم نقم بعد برفع أسعار المأكولات لدينا، ولكن في حال قمنا برفع الأسعار مستقبلا سيتأثر الإقبال، خاصة أننا نستهدف الجمهور العربي الذي يتقاضى رواتب ضعيفة بالأصل، وبالتالي من المتوقع أنهم لن يكون لديهم القدرة على استيعاب هذه الزيادة في الأسعار".

ويتابع: "قرار رفع الأسعار لدينا موجود، ولكن متى سنقوم بتطبيقه؟ لم نحدد بعد، ونتوقع أن تتأثر أرباحنا سلباً ما بين 10% إلى 20% بسبب هذا التضخم، وبالتالي نعمل على تقليل العمالة لدينا حتى لا نخسر عملاءنا ونتفادى الخسارة قدر الإمكان".

وعلى الرغم من هذا التضخم، يرى أبو تركي أن المشاريع في تركيا، وبخاصة إسطنبول، ناجحة بسبب الكثافة السكانية الموجودة بالمدينة، مشيرا إلى أن "المنافسة قوية"، لذا ينصح المستثمرين بدراسة مشاريعهم بشكل جيد حتى لا يتأثروا بتقلبات السوق مثل التي يشهدها الآن.

وتطاول تداعيات التضخم قطاع العقارات أيضا، لكن أسامة الشريف، وهو مقاول مصري وصاحب مجموعة شركات "فيوتشر غروب" في تركيا، يرى أن معدل التضخم لا يؤثر بالسلب على القطاع، بل يؤثر بالإيجاب نظراً لزيادة الإيجارات وأسعار الشقق والوحدات السكنية، مما قد يضاعف الأرباح.

ويشير الشريف إلى أن مجال المقاولات يأتي مغايراً لطبيعة قطاع العقارات، حيث تتآكل أرباحه بسبب ارتفاع الأسعار، نظراً لأنه قد يتم التعاقد على تشطيب وحدة معينة مقابل مبلغ معين، وفجأة ترتفع أسعار المواد التي ستستخدم في التشطيب، وبالتالي تتراجع نسبة الربح في هذه الصفقة.

وحول تهاوي الليرة، يقول الشريف، إن شركته واجهت هذه الأزمة عبر الاتجاه نحو الاستثمارات ذات العائد الدولاري، مثل المشروعات الفندقية والإسكان الفندقي، بالإضافة إلى تحديد أسعار الإيجارات الجديدة وفق سعر صرف الدولار عند نقطة أعلى من الحالية لتفادي تقلبات سعر الصرف. 

ولمواجهة معدلات التضخم في المستقبل، يعمل الشريف على تحويل رؤوس أمواله إلى العملات الأجنبية أولا بأول، أو تحويلها إلى أصول عقارية تحافظ على قيمة رأسمال الشركة.

المساهمون