"نيويورك تايمز": طول أمد الحرب يزيد الخسائر الاقتصادية لإسرائيل وغزة

20 أكتوبر 2023
تداعيات خطيرة للحرب في غزة على حياة الفلسطينيين وعلى اقتصاد إسرائيل (Getty)
+ الخط -

تهدد الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة بإحداث حالة من الفوضى في جميع أنحاء المنطقة، مع تزايد احتمالات استمرارها لفترة ممتدة، واتساعها لتشمل أطرافاً أخرى، ما قد يؤدي إلى تفاقم الفوضى الاقتصادية، بالإضافة إلى الخسائر البشرية المدمرة.

بالنسبة لغزة، من المؤكد أن الصراع الأوسع من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الظروف الإنسانية المتدهورة بالفعل في القطاع. لكن الأمر يختلف مع إسرائيل، التي يتوقع أن تواجه ضربة جديدة لاقتصادها، الذي كان حتى وقت قريب ينظر إليه باعتباره من أنجح نماذج ريادة الأعمال، وفقاً لتقرير حديث نشرته جريدة "نيويورك تايمز".

وكانت آفاق الاقتصاد الفلسطيني سيئة بالفعل قبل أن تعلن إسرائيل حصارها لغزة رداً على عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، مما خلق ما أسمته منظمة الصحة العالمية "كارثة إنسانية". وقال تقييم أجراه صندوق النقد الدولي هذا العام إن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة والقيود المتزايدة على الضفة الغربية يمثلان عقبات كبيرة أمام النمو وتنمية القطاع الخاص.

وقال صندوق النقد الدولي السنوي في المراجعة التي أجريت في أغسطس/آب إن الاقتصاد الفلسطيني يتكبد خسائر فادحة بسبب الفقر المستمر وارتفاع معدلات البطالة. وقال الصندوق إن التوقعات لا تزال "قاتمة وسط وضع سياسي وأمني متقلب". وخلص إلى القول إن أي تحول سيتوقف على “تخفيف القيود التي تفرضها إسرائيل على الحركة والاستثمار”، فضلاً عن التوصل إلى تسوية سلمية سياسية.

وأدى الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى تدمير البنية التحتية وأدى إلى نقص حاد في الغذاء والمياه والبنزين وغيرها من الضروريات، وتشريد حوالي نصف سكان غزة الذين يزيد عددهم عن مليوني فلسطيني. ويمثل توسيع الصراع ليشمل حزب الله، حليف حماس المدعوم من إيران، في لبنان تطوراً يخشى البعض أن يؤدي إلى مضاعفة اليأس الإقليمي.

وفي إسرائيل، ترك ما يصل إلى 360 ألف جندي احتياطي وظائفهم وشركاتهم للتعبئة للخدمة العسكرية، مما أدى إلى توقف أجزاء من الاقتصاد. وتباطأت صناعة التكنولوجيا في إسرائيل، وهي محرك النمو الأساسي، بشكل مفاجئ، كما تم إيقاف الإنتاج في أحد حقول الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية الرئيسية، ما اضطر البنك المركزي لتخصيص مليارات الدولارات لمنع العملة الإسرائيلية، الشيكل، من الانهيار.

ويمثل التصعيد الأخير مرحلة صعبة بالنسبة للاقتصاد الذي كان مزدهرًا في السابق، وحصل على اعتراف مجلة الإيكونوميست باعتباره رابع أفضل اقتصادات العالم أداءً بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما نجح قطاع الشركات الناشئة في إسرائيل في جذب استثمارات أجنبية كبيرة.

لكن الاقتصاد بدأ يتعثر هذا العام بعد أن تقدمت حكومة يمينية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بخطة مثيرة للجدل للحد من سلطة القضاء، والتي قال منتقدوها إنها قد تضعف سيادة القانون، وتحرض ملايين الإسرائيليين على الاحتجاج في الشوارع. وهدد العديد من قادة شركات التكنولوجيا بمغادرة البلاد بسبب الإصلاح القضائي، قائلين إنه سيقوض مكانة إسرائيل، ويسبب تراجع اقتصادها.

وتسببت التوجهات الأخيرة للحكومة الإسرائيلية في انخفاض بنسبة 60% في الاستثمار الأجنبي في إسرائيل، كما أدت إلى تسريع تآكل قيمة الشيكل والتقلبات الواسعة في سوق الأسهم الإسرائيلية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع التضخم وتزايد توقعات تباطؤ نمو الاقتصاد.

وقال دان بن ديفيد، مؤسس معهد شوريش للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية والأستاذ في جامعة تل أبيب، إن سعي الحكومة إلى التغيير القضائي ولد حالة من عدم اليقين بين المستثمرين، و"تسبب في هروب الأموال، وكل ذلك قبل أن تبدأ المواجهات العسكرية الأخيرة".

وأضاف أن "ما يزيد من حدة الصدمة هو أن العديد من جنود الاحتياط الذين يتم استدعاؤهم للخدمة في الجيش هم من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا، ومدرسون، ومحامون، وغيرهم من الإسرائيليين العلمانيين، في حين يتم إعفاء الرجال الأرثوذكس المتطرفين من الخدمة لأسباب دينية، وقد أدى ذلك إلى تركز مجموعة المجندين حول الأشخاص الذين يشكلون الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي الريادي في إسرائيل".

وحذرت وكالتان للتصنيف الائتماني هذا الأسبوع من إمكانية خفض تصنيف ديون إسرائيل، وقالت وكالة موديز يوم الجمعة إن الصراع كان أكثر حدة من حلقات العنف في العقود القليلة الماضية، ما أدى إلى خطر تحويل الموارد في الاقتصاد، وانخفاض الاستثمار وفقدان الثقة.

وحذرت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية يوم الثلاثاء من تزايد خطر توسيع الصراع الحالي في إسرائيل ليشمل مواجهات عسكرية واسعة النطاق مع جهات فاعلة متعددة، على مدى فترة طويلة من الزمن.

ومع ذلك، قال بنك غولدمان ساكس في مذكرة يوم الاثنين إن المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي والاقتصادي لإسرائيل تبدو أقل مما كانت عليه خلال الصراعات الكبرى السابقة، لأن الوضع المالي العام لإسرائيل أصبح أقوى اليوم، وأصبح البنك المركزي يمتلك رصيداً كبيرًا من احتياطيات النقد الأجنبي.

وأخبر غولدمان عملائه في مذكرته أنه يتوقع أن تظل السلطات المالية الإسرائيلية "حذرة بسبب المخاطر المحتملة لتصعيد الصراع بشكل أكبر".

ويمتلك بنك إسرائيل حوالي 200 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، أي ما يقرب من 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو ما قاله محافظه، أمير يارون، لصندوق النقد الدولي.

 ومنذ الصراع، خصص البنك المركزي 30 مليار دولار من النقد الأجنبي لدعم الشيكل، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له منذ ثماني سنوات، كما اضطر البنك لضخ أكثر من 15  مليار دولار، لضمان تدفق السيولة في الأسواق، مع موجات البيع الشديدة التي ضربت أسواق الأسهم والسندات المحلية.

ويواجه البنك المركزي حالياً اختياراً صعباً، فإما أن يخفض أسعار الفائدة ليساعد في تعزيز الاقتصاد في زمن الحرب، أو يبقيها مرتفعة لدعم الشيكل، وسيتم الإعلان عن القرار يوم الاثنين.

وقال يارون إن أي حرب من المرجح أن تؤثر على الموارد المالية لإسرائيل، لكن الحكومة يمكنها إجراء تعديلات على الميزانية للتكيف مع الصراع.

وتنفق إسرائيل بانتظام أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي على الجيش، أي ما يصل إلى 23.4 مليار دولار في العام الماضي، كما تتلقى دعمًا إضافيًا يقدر بنحو 3.8 مليار دولار من المساعدات السنوية من الولايات المتحدة، والتي تستخدم بشكل أساسي لشراء أسلحة أميركية. واليوم الجمعة، طلب البيت الأبيض من الكونغرس الموافقة على تخصيص نحو 106 مليارات دولار لبعض الأمور التي تخص "الأمن القومي"، كان منها نحو 14.3 مليار دولار سيتم منحها لإسرائيل.

وفي إسرائيل، تباطأ النشاط في العديد من قطاعات الاقتصاد أو توقف، حيث وصلت السياحة إلى طريق مسدود تقريبًا، بعد توقف نشاط السفن السياحية عند شواطئ إسرائيل، وإلغاء كل الرحلات تقريباً،  بالإضافة إلى إيقاف شركات الطيران الكبرى رحلاتها من وإلى البلاد، بما في ذلك رحلات الشحن.

وقالت شركة يو بي أس للشحن يوم الاثنين إنها توقفت عن الرحلات إلى إسرائيل. وواجهت عمليات الشحن البحري ضوابط إضافية من قبل البحرية الإسرائيلية، ما أثر على شحنات البضائع. وقال محللون إن إسرائيل، التي تعتمد بشكل كبير على النفط المستورد، أغلقت أحد مينائيها النفطيين الرئيسيين لأسباب تتعلق بالسلامة.

وأفادت شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة بأنه تم تعبئة العديد من موظفيها صغيري السن، حيث قالت إنفيديا، أكبر شركة مصممة للرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والرسومات الحاسوبية في العالم، إنها ألغت مؤتمراً للذكاء الاصطناعي، كان من المقرر عقده في تل أبيب. وأغلق تجار التجزئة، بما في ذلك "أنش أند أم" و "زارا"، متاجرهم في البلاد.

ويقول المحللون إن الصراع بين إسرائيل وحماس يمكن أن يؤدي أيضًا إلى إبطاء استثمارات الغاز الطبيعي في المنطقة، ما يضر بطموحات إسرائيل، ومحيطها الأوسع كمصر والأردن. وكانت إسرائيل قد تلقت مؤخرًا دعمًا من شركة شيفرون، لتصبح مركزًا لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى، عن طريق التصدير للبلدين العربيين.

وقال يارون، محافظ البنك المركزي، يوم الأحد، إن الاقتصاد الإسرائيلي عرف كيف يعمل ويتعافى من الفترات الصعبة في الماضي، وسيعود إلى الازدهار بسرعة.

ومع ذلك، قال السيد يارون، مع وجود العديد من جنود الاحتياط في الخطوط الأمامية، ومع المدنيين في الملاجئ، بسبب الهجمات الصاروخية، فسيكون لذلك بالتأكيد تأثير على النشاط الاقتصادي الحقيقي. وأضاف أنه "من المرجح استمرار الحرب لفترة مطولة".

المساهمون