يشبه الصندوق السيادي النرويجي، الذي تبلغ قيمته 1.2 تريليون دولار، الصندوق الأسود عند العديد من مواطني النرويج الذين يصل تعدادهم إلى 5.4 ملايين نسمة، لكنّ الرئيس التنفيذي للصندوق، نيكولاي تانغين، عازم على تغيير ذلك، ليُطلع المواطنين على ما في جعبته.
مكاسب بمئات مليارات الدولارات وخسائر أيضا بمئات مليارات الدولارات، تعرض تانغين لحمل عبء أسرارها على مدار العامين الأخيرين، بعد توليه رئاسة الصندوق الذي يصنف على أنه الأضخم في العالم، لكن تقلب الأوضاع الاقتصادية العالمية أخيراً دفعه إلى الإعلان عن إصلاح شامل للتأكد من أن المواطنين، الذين يمتلكون الصندوق بشكل جماعي، يفهمون طبيعة ما يحدث للصندوق.
وتؤثر عوامل، التضخم المتصاعد والأسواق المالية المضطربة وعدم اليقين الجيوسياسي على عوائد أكبر صندوق لمواجهة ظروف الأيام العصيبة في العالم. فقد خسر الصندوق 217 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بما يعادل 18% من قيمته، منها 174 مليار دولار في النصف الأول من العام، وهي أكبر خسارة له على الإطلاق مقومة بالعملة. ومحت هذه الخسائر مكاسب العام الماضي بأكملها البالغة 177 مليار دولار، وتمتد إلى ثروات متراكمة من سنوات ماضية.
في مقابلة بمقر الصندوق في أوسلو قال تانغين، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية: "نواجه فترة متقلبة في ظل كثير من المخاطر، مع انخفاض محتمل في قيمة الصندوق، لذلك من المهم بشكل خاص أن يعرف المالكون ماذا يحدث".
تشمل حملة تواصله مع المواطنين بث مقابلات صوتية مع رؤساء تنفيذيين عالميين وإجراء زيارات للمدارس ودفع موظفي الصندوق إلى دائرة الضوء، مما يسمح لهم بشرح ما يفعلونه. يقول تانغين البالغ من العمر 56 عاماً: "لقد وفرنا المزيد من المعلومات عن الصندوق... في الماضي، كان هناك أربعة أشخاص يمكنهم التحدث نيابة عن الصندوق، بينما الآن يتحدث باسمه 575 شخصاً"، مضيفا "نشعر أنه ليس لدينا أي أسرار".
يمتلك الصندوق أسهماً في حوالي 9000 شركة في أكثر من 70 دولة. وعقد أكثر من 3000 اجتماع للشركات العام الماضي، وصوّت على حوالي 120 ألف بند في الجمعيات العمومية.
بالإضافة إلى إطلاع المواطنين على كلّ ما يحدث في الصندوق السيادي، تهدف خطة تانغين إلى جذب المواهب الجديدة ودفع الأداء. لقد أحدث أثراً بالفعل، إذ قفزت طلبات الالتحاق ببرامج الدراسات العليا والتدريب الداخلي في الصندوق بنسبة 65% و37% على التوالي في عام 2022 على أساس سنوي.
وفي مارس/آذار الماضي أصدر الصندوق الحلقة الأولى من البث الصوتي (بودكاست) بعنوان "إن غود كامباني" يتضمن العرض إجراء تانغين مقابلات مع كبار المسؤولين التنفيذيين من الشركات المدرجة في محفظة الصندوق، مثل ديفيد سولمون الرئيس التنفيذي لبنك "غولدمان ساكس" وهيلينا هيلميرسون الرئيسة التنفيذية لشركة "إتش آند إم" لتعريف مواطنيه بقادة عالميين يقول إنهم لولا هذه الطريقة ما كانوا سيستمعون إليهم أبداً.
واستحوذت هذه المقابلات على اهتمام الشباب على وجه الخصوص. يقول تانغين: "لم نكن نعرف طبيعة الجمهور في البداية، لكنه أصغر سناً مما كنت أتوقع... الغالبية تتراوح أعمارهم بين 24 و36 عاماً، الذكور أكثر من الإناث".
في المقابلات، يعتمد تانغين على حياته المهنية خلال عقود في مجال التمويل يتخللها عدد من المراحل التعليمية، التي درس فيها تاريخ الفن وعلم النفس الاجتماعي، وكذلك اللغة الروسية في مدرسة الاستخبارات والأمن التابعة للقوات المسلحة النرويجية، فضلا عن مهاراته في التدريب على إجراء الاستجوابات، إذ قال عن المقابلات التي يجريها الصندوق مع الشركات المختلفة "تسمونها مقابلة، لكن هي في الأساس استجواب، وتوجد منهجية في إجرائه".
ويعد تانغين من أصحاب الثروات الضخمة الذين اضطروا إلى التخلي عن طموحاتهم المالية في مقابل وظيفة عمومية.
وكانت صحيفة أفتنبوستن قد كتبت في 24 أغسطس/آب 2020، أن تانغين، واحد من أولئك الأشخاص الذي دفعوا الكثير من المال للحصول على وظيفة.
وكان الرجل، قد أعلن قطع جميع صلاته مع صندوق التحوط "أي كي أو كابيتال" الذي أسسه في عام 2005، وتنازل عن أسهمه في الصندوق، التي تبلغ نسبتها 43%، لمصلحة مؤسسة خيرية، فيما أعاد هيكلة استثماراته ووضعها في أحد البنوك.
وكان هذان الشرطان قد فُرضا عليه، حتى يتمكن من تولي منصب أكبر صندوق سيادي في العالم بدءاً من الأول من سبتمبر/أيلول 2020. واعترف تانغين، في حديثه للصحافة المحلية حينها، بأنه لو كان يدرك من البداية طبيعة الشروط التي ترافق الوظيفة الجديدة، لما تقدم دون شك لإجراء مقابلة التوظيف.