نهاية "الرهان ضد أميركا"... عودة صائدي المال إلى "وول ستريت"

01 مارس 2021
التحفيز والتعافي الاقتصادي العالمي يعززان نمو بورصة نيويورك (Getty)
+ الخط -

"لا تراهنوا ضد أميركا أبداً".. رسالة حاسمة وجهها وارين بافيت، أشهر مستثمر أميركي في بورصة نيويورك، إلى أصحاب رؤوس الأموال، في إشارة إلى عودة ضخ عشرات المليارات في سوق الأسهم، بعد أشهر من التحوط وتقليص حجم المحافظ الاستثمارية، في ظل تداعيات جائحة فيروس كورونا، التي ألقت بظلال سلبية واسعة على الكثير من الأنشطة الاقتصادية الحيوية.

كسر بافيت الصمت غير المعتاد الذي التزمه منذ مايو/أيار من العام الماضي، ليخرج إلى المشهد الاستثماري من جديد عبر خطابه للمستثمرين، يوم السبت الماضي، وبدا متحمساً كثيراً حيال مستقبل أميركا وشركته بركشاير هاثاواي، التي تتجاوز استثماراتها 120 مليار دولار، حيث أشاد بقدرة الاقتصاد على تحمّل "تعطيلات شديدة" وتحقيق تقدم "مذهل".

ولا تقتصر حالة التفاؤل على الملياردير الأميركي الذي يتلقف الكثير من المستثمرين نصائحه، وإنما اجتمعت أخيراً ما تعرف بـ"جوقة وول ستريت" التي تضم أكبر بنوك الاستثمار في أميركا والعالم على توصية بشراء الأسهم، لاسيما المنخفضة، متوقعة انتعاش الأسواق في ظل المزيد من التحفيز والتعافي الاقتصادي العالمي من وباء كورونا.

ورغم فقد 31 ألف وظيفة لدى بركشاير العام الماضي، لم يحد بافيت عن تفاؤله المعروف به، وأعاد شراء أسهم بقيمة 24.7 مليار دولار في 2020، في مؤشر على أنه يعتقد أن السعر أقل من قيمتها الحقيقية. وكتب في رسالته إلى المساهمين المؤلفة من 15 صفحة: "النتيجة الحاسمة التي خلصنا إليها: لا تراهنوا ضد أميركا أبدا".

تناول الخطاب المواضيع المعتادة، مثل جشع المصرفيين في فرض رسوم على الصفقات تفيدهم أكثر من الشركات التي يمثلونها، لكنه لم يتطرق للجائحة، وهي عامل رئيسي وراء فقد الوظائف في بركشاير. كما لم يتناول المشاكل الاجتماعية الأخيرة أو مناخ الانقسام السياسي الذي تتعامل معه شركات أخرى بصورة أكثر مباشرة حالياً.

ورغم سيطرة المضاربات على العديد من الأسهم المرتبطة بنشاطات كان لها حضور خلال جائحة كورونا، مثل ألعاب الفيديو، وعلى رأسها شركة "غيم ستوب"، إلا أن تحركات السوق خلال الفترة المقبلة ستركز بشكل كبير على الشركات ذات القيمة الحقيقية والمرتبطة بأداء دورة الاقتصاد، التي يتوقع انتعاشها مع تمرير خطة التحفيز الأميركي الضخمة التي تصل قيمتها إلى 1.9 تريليون دولار، واتساع رقعة توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.

وأشار بافيت، البالغ من العمر 90 عاماً، إلى التزام طويل الأمد تجاه "آبل"، حيث ختمت بركشاير 2020 وفي حوزتها أسهم بقيمة 120.4 مليار دولار، بينما تبلغ السيولة التي بحوزتها نحو 138.8 مليار دولار.

وأعلنت بركشاير، السبت الماضي، عن تحقيق ربح صاف بلغ 35.84 مليار دولار في الربع الأخير من العام الماضي، وحوالي 42.5 مليار دولار للعام بأكمله، بفضل مكاسب كبيرة من الأسهم.

وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الأميركي يستعد لأشهر من الانتعاش، عندما يكون جزء كبير من السكان قد تلقّوا اللقاح ضد كورونا، فضلاً عن تأثير حزمة الإنقاذ الضخمة التي أقرها مجلس النواب، يوم السبت الماضي، ويتوقع أن يتبناها مجلس الشيوخ خلال الأيام المقبلة.

وستؤدي الحزمة إلى زيادة مدخرات الأسر، التي ستكون مستعدة لسحب الأموال مع الخروج بأمان لتلبية الاستهلاك المرجح أن يتزايد ما ينعش الكثير من الأنشطة الاقتصادية من جديد ويدفع عجلة الإنتاج إلى النمو، كما أن من المتوقع أن يوجه جزء من السيولة والمدخرات إلى الأسهم المرتبطة بتلك الأنشطة.

وأخيراً اجتمع الخبراء الاستراتيجيون في بنكي الاستثمار "غولدمان ساكس"، و"جيه بي مورغان"، على توصية بشراء الأسهم المنخفضة التي يتوقع ارتفاعها مجددا مع التعافي الاقتصادي.

وقال بيتر أوبنهايمر، كبير استراتيجي الأسهم العالمية في بنك "غولدمان ساكس" في لقاء مع تلفزيون بلومبيرغ: "من المرجح أن الانتعاش عندما يعود مرة أخرى سيكون بقيادة أجزاء أكثر دورية (مرتبطة بأداء دورة الاقتصاد)، وذات قيمة في السوق"، مضيفا أن الأسواق سترتفع بفعل انتعاش اقتصادي، وأرباح قوية.

وكانت وول ستريت قد شهدت ضجة في الأيام الأخيرة من يناير/كانون الثاني الماضي، بفعل غزو جيش من "المستثمرين الهواة" أسهم شركة "غيم ستوب" لألعاب الفيديو وبعض الشركات النظيرة، لترتفع هذه الأسهم بنحو 500% في أيام معدودة، وبعدها أطلّت شركات أخرى من نفق العالم الافتراضي أيضا لتخطف الأنظار، على رأسها الشركة المسؤولة عن تطبيق المواعدة "بامبل إنك".

وطغت إغراءات الربح السريع الذي تحققه بعض الأسهم على تعاملات وول ستريت في الآونة الأخيرة، الأمر الذي أربك العديد من المؤسسات المالية الكبرى، لاسيما صناديق التحوط التي تكبدت خسائر فادحة بفعل موجات الشراء المحمومة للعديد من الأسهم ودفعها للصعود بقوة، بينما راهنت هذه الصناديق سابقاً على انخفاضها.

لكن هناك من يرى أن أسهم المضاربات سرعان ما ستنحسر الأضواء حولها مع تعافي الاقتصاد الحقيقي، لتظل الأسهم المرتبطة بأنشطة رئيسية مثل الأدوية والتكنولوجيا والطاقة والأغذية محط اهتمام الكثير من المستثمرين.

لذا نصح ريتش روس، المحلل في شركة إيفيركور"، في تقرير حديث، المستثمرين، بشراء الأسهم المنخفضة في مؤشر "ستاندر آند بورز 500"، مشيرا إلى أن السوق لا يبدو في منطقة ذروة الشراء. كما أوصى ماركو كولانوفيتش، الخبير لدى بنك "جيه بي مورغان"، في رسالة لعملاء البنك أخيراً بتجاهل التحذيرات بشأن فقاعة في الأسهم، والاستفادة من عمليات البيع لتجميع المزيد من الأسهم. وقال إن تحليل الشركة يشير إلى أن المستثمرين المحترفين بعيدون كل البعد عن التخمة.

وفاتورة الإغاثة البالغة 1.9 تريليون دولار تكفي لدفع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة فوق مستويات ما قبل جائحة كورونا بحلول منتصف العام الجاري، وفق خبراء الاقتصاد، حيث يتوقع نمو الناتج المحلي بالقرب من 7.4% للعام بأكمله، وهو الأفضل منذ عام 1983.

كما يتزايد الرهان على ظهور المزيد من اللقاحات المضادة لكورونا، حيث وافقت هيئة الغذاء والدواء الأميركية، السبت الماضي، على اعتماد اللقاح الذي تنتجه شركة جونسون آند جونسون للاستخدام في الولايات المتحدة، ليعد بذلك ثالث لقاح يمكن أن يسد الثغرات في حملة التطعيم في البلاد.

ومن المتوقع أن يكون هذا اللقاح أسهل في التوزيع والإدارة من لقاحي فايزر وموديرنا، اللذين جرى اعتمادهما من قبل هيئة الغذاء والدواء الأميركية في أواخر العام الماضي. وللوصول إلى الفعالية الكاملة، تتطلب اللقاحات السابقة حصول الشخص على جرعتين تفصل بينهما عدة أسابيع، كما يجب حفظها في درجات حرارة شديدة البرودة، بينما يمكن تخزين لقاحات "جونسون آند جونسون" في الثلاجة لفترات طويلة، كما أن الشخص يأخذ جرعة واحدة منه.

وأشاد الرئيس الأميركي جو بايدن باعتماد اللقاح، في بيان السبت الماضي، واصفا إياه بأنه "خبر مثير". وتسارعت حملة التطعيم في الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة، حيث جرى إعطاء أكثر من 70.5 مليون جرعة، حتى يوم الجمعة الماضي، وفقا لمؤشر تتبع اللقاح الذي تصدره بلومبيرغ.

وتسير شركة جونسون آند جونسون في طريقها لتزويد الولايات المتحدة بـ 20 مليون جرعة بنهاية مارس/آذار الجاري، و100 مليون جرعة بنهاية يونيو/حزيران، حسبما قال مسؤول تنفيذي في جلسة استماع بالكونغرس في 23 فبراير/شباط الجاري.

ومن غير المحتمل أن يكون لقاح جونسون آند جونسون، هو الأخير المتوفر في الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تسعى كل من شركة "أسترازينيكا" و"نوفافاكس إنك" للحصول على ترخيص للقاحات في الأشهر المقبلة، في انتظار نتائج التجارب الأميركية الكبيرة التي جرى تسجيلها الآن بالكامل.

المساهمون