نهاد إسماعيل لـ"العربي الجديد": شركات الأسلحة الأميركية تستفيد من استمرار الحرب على غزة

17 ديسمبر 2023
نهاد إسماعيل، الخبير في الاقتصاد الدولي وشؤون الطاقة (العربي الجديد)
+ الخط -

أكد نهاد إسماعيل، الخبير في الاقتصاد الدولي وشؤون الطاقة، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن شركات الأسلحة الأميركية تستفيد من استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

تحدث إسماعيل، حول أسباب تحرك أسعار النفط والغاز هبوطاً بشكل معاكس لتداعيات الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وإذا ما كانت هذه التحركات ستدوم طويلاً أم أنه قد تحدث تطورات تقلب الموازين.

وإلى نص المقابلة:

ـ ما تقييمك لتداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حتى الآن على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط؟ وهل ترى أن هناك تأثيرات أوسع قد تطاول اقتصادات أوروبية وعالمية؟

في السياق الحالي لا تزال التداعيات تقتصر على المنطقة الجغرافية المحيطة بالصراع، حيث تتأثر قطاعات السفر والسياحة والطيران. فعلى سبيل المثال ألغت الخطوط الجوية الأوروبية "رايان إير" ما يزيد عن 900 رحلة إلى إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، و870 رحلة في أكتوبر/تشرين الأول.

كذلك، تعاني الفنادق شبه المهجورة اليوم في إسرائيل، وتتدنى أعداد السياح في فنادق لبنان ومصر، خاصة في منتجعات البحر الأحمر. أما على صعيد الاستثمارات فمن الطبيعي أن يتدنى الاستثمار الأجنبي في الدول القريبة من غزة، مثل الأردن ولبنان ومصر، لأن الشركات لا تريد المخاطرة بالاستثمار في منطقة غير مستقرة. بيد أن تهديد الاقتصاد العالمي بشكل أكبر، يعتمد على اتساع نطاق الحرب في المنطقة.

ـ على الرغم من أن الحرب نظرياً يُفترض أن ترفع أسعار الطاقة، إلا أننا نشهد في الواقع انخفاضاً في أسعار النفط والغاز، هل يمكنك تفسير هذا التناقض؟ وهل تتوقع تغييرات كبيرة في أسعار الطاقة في المستقبل القريب؟

في ظل التوترات الجيوسياسية يعتبر ارتفاع أسعار الطاقة أمراً حتمياً، حيث يرتفع سعر برميل النفط بين 10 دولارات إلى 15 دولاراً تلقائيا عند اندلاع النزاع وتصاعد المخاطر المعروفة باسم "علاوة الحرب"، ومع ذلك فإن هذا السيناريو لم يتحقق في هذه المرة لعدة أسباب:

أولاً بسبب انحصار نطاق الحرب في منطقة محددة، وتجاهل الأسواق لعامل الخطر الجيوسياسي، نظراً لعدم توقع ارتفاع الأسعار في الوضع الحالي. وثانياً، تأتي التخفيضات الطوعية التي أعلنتها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها، فيما تعرف بمجموعة "أوبك+"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث أعلنت عن تقليص بنحو مليون برميل يومياً وتخفيضات إضافية اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2024، مع ذلك يُشكك البعض في قوة هذه التخفيضات، مع اعتبارها تدابير ورقية قد لا تُفعل على أرض الواقع.

والأمر الثالث، يتعلق بالطلب الصيني، وهو محرّك رئيسي لتقلبات أسعار النفط. ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي بلغ الطلب الصيني 11 مليونا و530 ألف برميل يوميا، لكنه هبط في نوفمبر/تشرين الثاني، لينتج عن ذلك وفرة في السوق مقابل تراجع في الطلب.

علاوة على ذلك، هناك مخاوف من ركود اقتصادي أميركي يرافقه ارتفاع الإنتاج الأميركي، لذلك لا يوجد عجز كبير في السوق يبرر ارتفاع الأسعار.

ومع ذلك، في حال توسع نطاق النزاع وإغلاق مضيقي باب المندب وهرمز، فقد تشهد أسعار النفط قفزات هائلة إلى مستويات تفوق 150 دولاراً للبرميل، مما يهدد الاقتصاد العالمي ويسفر عن ركود في أوروبا نتيجة تأثر السلع التي تعتمد على النفط والغاز.

- لكن هناك بالفعل مخاوف من اتساع الحرب التي دخلت شهرها الثالث، خاصة في البحر الأحمر؛ حيث يستهدف الحوثيون السفن المتجهة إلى إسرائيل، فما هي توقعاتك للوضع في المنطقة وسلاسل التوريد؟

لا يزال الأمر يعتمد حتى الآن على السيناريوهات التي من الممكن أن تشهدها المنطقة. وهناك تأثيرات حالية بالفعل، فقد شهدت رسوم شركات الملاحة البحرية ارتفاعًا نتيجة استهداف الحوثيين في اليمن لبعض السفن التجارية في البحر الأحمر، حيث ارتفعت تكاليف التأمين البحري بنسبة تقارب 40% في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد تتضاعف هذه الأسعار في حال استمرار الهجمات على السفن، وهو أمر يثير القلق، خاصة أن حوالي ما بين 7% إلى 8% من التجارة العالمية تعتمد على مرورها عبر باب المندب المجاور لليمن. ويشمل هذا النشاط مختلف القطاعات من الغاز والنفط إلى المنتجات الغذائية.

وفي حال ردت الولايات المتحدة على الحوثيين عسكرياً، واضطرت إيران إلى التدخل دفاعاً عن حلفائها، قد تغلق مضيق هرمز الذي يربط الخليج العربي ببحر العرب ويصل عبره إلى البحر الأحمر وقناة السويس، حينها سيحدث تصعيد كبير على التجارة العالمية.

ـ كيف تنظر لتداعيات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، وهل تعتقد أن الدعم الأميركي قد يلعب دوراً في تقليل الخسائر؟

الدعم الأميركي لإسرائيل طويل وممتد تاريخياً، حيث يصل معدله السنوي إلى حوالي 3.5 مليارات دولار، بالإضافة إلى المساعدات العسكرية. وفي أكتوبر/تشرين الأول، بعد اندلاع الحرب بأيام، قرر الكونغرس الأميركي تقديم مساعدة خاصة لإسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار.

ورغم الدعم الأميركي، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات جسيمة حالياً. فقد أنفق البنك المركزي 30 مليار دولار من الاحتياطات الأجنبية لدعم الشيكل، من خلال شرائه من السوق واستعمال العملات الصعبة مثل الدولار. كما أصدرت الحكومة قبل فترة سندات بعوائد مغرية للحفاظ على المستثمرين، لأن الوضع الحالي سيئ مع تراجع الإنتاج وتضاؤل القطاع الزراعي بنسبة 20% وتعطل الصناعة، بعد أن توقف 780 ألف شخص عن العمل تقريبا ليلتحق معظمهم بجيش الاحتلال.

ـ في مقابل المتضررين من الحرب، ما هي الاقتصادات العالمية التي يمكن أن تستفيد بشكل بارز من التطورات الحالية؟

في هذه اللحظة الراهنة، يتوقع أن تستفيد بعض الشركات الأميركية من بيع الأسلحة إلى الإدارة الأميركية، التي ترسلها بدورها إلى إسرائيل، وهذا يعتبر مصدر فائدة مالية لتلك الشركات. على الجانب الآخر، فإن الشركات الروسية والصينية قد تستفيد بناءً على نتائج الحرب. في حال اتخاذ قرار بإعادة إعمار غزة وتولي السلطة الفلسطينية أو حماس إدارة الأمور، يمكن تحقيق أرباح للشركات، خاصةً في ظل بقاء مواقف روسيا والصين تقريباً محايدة أو داعمة لغزة.

ـ يرى محللون أن من ضمن أهداف الحرب الإسرائيلية الحالية بسط الاحتلال نفوذاً أوسع على الغاز والنفط في سواحل فلسطين المحتلة.. فما تعليقك؟

بصراحة، ربط بعض المحللين والخبراء أن لدى إسرائيل أهدافاً غير عسكرية مثل القضاء على حماس وغير ذلك، وإنها أيضاً تريد استغلال الأرض اقتصادياً وربما بناء مستوطنات. لكن يبقى السؤال: "هل يسمح لها القانون الدولي بذلك؟". وفي رأيي، أميركا ليست بحاجة لغاز البحر المتوسط الموجود في غزة، لأنّ الاحتياطات المثبتة غير كافية لجذبها إلى هذا الصراع. ومع أني أستبعد هذا السيناريو يبقى كل شيء ممكنا في العالم الذي نعيش فيه.

ومنذ عام 2009 اكتشفت إسرائيل حقول لفياثان وحقول تمار وحقل كاريش القريب من المياه الإقليمية اللبنانية. كذلك، تقول بعض المصادر إن من حق لبنان الاستفادة منها، بيد أنّ إسرائيل عرقلت أي استثمار في حقل غزة مارين، لتبقى هي المستفيد الأكبر من الغاز المتوفر. ونعلم أنها تصدّره إلى مصر والأردن وأوروبا، وتسعى لتكون قوة إقليمية وعالمية لتصدير الغاز والطاقة. وبالطبع، لا يمكن تجاهل حقوق مصر البحرية، حيث تقوم بإنتاج كميات كبيرة وتصديرها إلى أوروبا، محققة قيمة تقدر بـ 8 مليارات دولار سنوياً.

المساهمون