نمو صناعة الأدوية السعودية... رهان على الإنتاج المحلي

04 أكتوبر 2024
المملكة تخصص 214 مليار ريال لقطاع الصحة (ديفيد ديجنر/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد صناعة الدواء في السعودية نموًا ملحوظًا مع ارتفاع عدد المصانع إلى 206 واستثمارات بقيمة 10 مليارات ريال، ومن المتوقع أن تصل قيمة السوق إلى 15.09 مليار دولار بحلول 2027، مدعومة بزيادة الإنفاق الحكومي وتوطين الصناعات الدوائية.

- تساهم رؤية 2030 في تعزيز سوق الأدوية من خلال تحسين البنية التحتية الصحية وزيادة الاستثمار الأجنبي، رغم التحديات مثل التضخم واضطرابات سلاسل التوريد، مما جعل السعودية أكثر جاذبية لشركات الأدوية العالمية.

- يشهد قطاع الأدوية نموًا في الصادرات بنسبة 33% وتقليل الاعتماد على الواردات، مع توقعات بتحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 60% إلى 70% بحلول 2030، مما يعزز المؤشرات الاقتصادية للمملكة.

 

تحسن ملحوظ تشهده صناعة الدواء السعودية على خلفية رفع نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، ووصول عدد المصانع إلى 206، بإجمالي استثمارات 10 مليارات ريال (2.66 مليار دولار)، حسب بيانات رسمية، ما سلط الضوء على العوامل التي حفزت نموا كهذا والتحديات التي تواجهه في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.
وحسب "فيتش سوليوشن"، فإن قيمة سوق الأدوية في السعودية بلغت 11.72 مليار دولار (44 مليار ريال) في عام 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 15.09 مليار دولار (56.6 مليار ريال) بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركَّب قدره 5.2%.
يأتي ذلك تزامنا مع تخصيص المملكة 214 مليار ريال (57 مليار دولار) في موازنة العام 2024 لقطاع الصحة، ما يدعم استمرار نمو الصناعة محليا وبالتالي نمو حجم السوق المحلية.
وتستهدف المملكة توطين صناعات دوائية عديدة، أبرزها اللقاحات، التي كانت محور مباحثات وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، في زيارته الأخيرة إلى البرازيل في يوليو/تموز الماضي.

كما أعلن المتحدث باسم وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، جراح الجراح، بدء تصنيع إحدى الشركات العاملة بالمملكة لـ"المتشابهات الحيوية"، مشيرا إلى أن "الوزارة تستهدف استحداث قطاعات جديدة أكثر تعقيداً مثل تصنيع اللقاحات، والأدوية الحيوية كالإنسولين، ومشتقات البلازما، والمتشابهات الحيوية بأنواعها المختلفة، إضافة إلى العلاجات الخلوية والجينية"، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السعودية.

محفزات وتحديات

في هذا الإطار، يشير الاستشاري الاقتصادي بشركة استشارات في لندن علي متولي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن النمو الملحوظ لسوق الأدوية في السعودية يعود إلى الإصلاحات الحكومية، وارتفاع الطلب على الرعاية الصحية، وزيادة الاستثمار الأجنبي، لافتا إلى أن رؤية 2030 تلعب دورًا محوريًا في هذا النمو، حيث وضعت تحديات الرعاية الصحية في مقدمة أهداف التنمية.
وأدى تطبيق مشروعات الرؤية السعودية إلى زيادات كبيرة في التمويل وتوظيف المتخصصين في الرعاية الصحية، إضافة إلى تحسين البنية التحتية في مناطق متعددة بالسعودية، حسب متولي، الذي يلفت، في المقابل، إلى أن ارتفاع الطلب على الأدوية يأتي استجابة لزيادة معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة في المنطقة.
كما أن تركيز الحكومة السعودية على تحسين العلاج المتخصص للحالات مثل السرطان وأمراض القلب والسكري ساهم بشكل كبير في نمو السوق، وفق متولي، مشيرا إلى أن استراتيجية السعودية لجذب الاستثمار الأجنبي وتوسيع الإنتاج الدوائي المحلي تعد عاملًا مهمًا آخر في هذا النمو.
وينوه متولي، في هذا الصدد، إلى أن الحكومة السعودية نفذت إصلاحات تنظيمية جعلت الدولة أكثر جاذبية لشركات الأدوية العالمية، مما عزز التحالفات التجارية والشراكات المحلية، مشيرا إلى أن توطين صناعة الأدوية يشكل هدفًا استراتيجيًا للمملكة.
ويرى الاستشاري الاقتصادي أن هذا التوجه من شأنه الإسهام في تقليل اعتماد السعودية على الواردات وزيادة الإنتاج المحلي، خاصة أن الواردات ما زالت تشكل نسبة كبيرة من سوق الأدوية.
وعن تحسين المناخ الاستثماري في قطاع الأدوية، يرى متولي ضرورة تبني السعودية لعدة إجراءات، منها تعزيز إنفاذ حقوق الملكية الفكرية وإنشاء محاكم متخصصة في هذا المجال، بما يساهم في نمو القطاع وطمأنة المستثمرين الأجانب.
ويحذر الاستشاري الاقتصادي من أن استدامة النمو في سوق الأدوية السعودية تظل غير مؤكدة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، مشيرا إلى أن الضغوط الخارجية مثل التضخم العالمي والاضطرابات في سلاسل التوريد وتقلبات أسعار النفط تشكل مخاطر على استمرار النمو بنفس الوتيرة.
كما ينوه متولي إلى تحديات أخرى تواجه القطاع، منها قضايا متعلقة بموافقات براءات الاختراع وتدابير احتواء التكاليف، مؤكدا أن هذه القضايا قد تحد من ربحية شركات تصنيع الأدوية المبتكرة وتؤثر على نمو السوق.
ويمثل تغيير هيكل قطاع الأدوية في السعودية تحديًا إضافيًا، حيث تسعى حكومة المملكة إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص، لكن التوجه العام لقطاع الأدوية السعودي يبقى إيجابيًا رغم التحديات، حسب متولي، مشيرا إلى أن شركات الأدوية تبدي رضاها عن التطور الحاصل في القطاع، مدفوعة برؤية واضحة وأهداف حكومية محددة ضمن خطة 2030.

ويخلص الاستشاري الاقتصادي إلى أن التحول الجاري في سوق الأدوية السعودية يتطلب تغييرًا شاملًا في الهيكل الذي كان يعتمد في السابق على الحكومة بشكل كامل، مؤكدًا أن نمو القطاع مرشح للاستمرار، لكن استدامته بنفس المعدلات الحالية "تبقى محل نقاش"، حسب تعبيره.


نمو الصادرات

في السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي، محمد الناير، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن نمو حجم سوق الدواء في السعودية يعود إلى تنامي الصادرات التي تشهد نموًا متسارعًا، حيث وصلت إلى أكثر من 500 مليون دولار سنويًا.
ويوضح الناير أن الصادرات نمت بنسبة 33%، في حين نما سوق الدواء نفسه بنسبة 25% خلال السنوات الأربع الماضية، منوها إلى أن دعم الصناعة الوطنية السعودية يلعب دورًا محوريًا في هذا النمو، وذلك من خلال إنشاء المصانع والتوسع في نسبة التصنيع الدوائي المحلي.
وأدى هذا التوجه إلى خفض نسبة استيراد الدواء في السعودية من 80% إلى ما بين 70% و60%، حسب الناير، مشيرا إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من التصنيع الدوائي يمثل هدفًا استراتيجيًا للمملكة.
وعن الفوائد المترتبة على هذا التوجه، يلفت الناير إلى تقليل فاتورة الواردات وتوفير النقد الأجنبي، وتشجيع الصناعة الوطنية وتشغيل العمالة من خلال التوسع في المصانع، ما يساهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية للمملكة بصورة كبيرة.
لكن أهمية تصنيع الدواء تتجاوز حدود المملكة، حيث يعد من المجالات الحيوية التي تهتم بها معظم دول العالم حاليًا، وينوه الناير، في هذا الصدد، إلى توفر العديد من المواد الأولية اللازمة لتصنيع الدواء في المنطقة العربية والأفريقية، مثل الصمغ العربي المنتج في السودان.
ومن شأن استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة أن يدعم صناعة الدواء السعودية، خاصة الاستفادة من النباتات الطبية والعطرية المتوفرة في دول مثل السودان لتوسيع نطاق إنتاج الأدوية، حسب الناير.
ويخلص الخبير الاقتصادي إلى أن التوقعات المستقبلية لسوق الدواء السعودية تبدو إيجابية، وإذا استمرت السوق بهذه الوتيرة فمن المتوقع أن تحقق المملكة اكتفاءً ذاتيًا بنسبة 60% إلى 70% على الأقل بحلول عام 2030.

المساهمون