يواجه اليمن صعوبة بالغة في تأمين احتياجات الأسواق قبل بدء شهر رمضان، بسبب الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر وخليج عدن، بالتزامن مع تفاقم الأزمة المالية وشح السيولة النقدية من العملات الأجنبية التي تسمح بتغذية احتياجات الأسواق وتمويل الواردات.
ويعتبر اليمن من أكثر الدول المعرضة للصدمات مع كل أزمة طارئة بالنظر إلى اعتماده بشكل كلي على الاستيراد لتوفير جميع احتياجاته بنسبة تتجاوز 90 في المائة.
إذ لا تزال البلاد تعاني حتى الآن من صدمة الحرب في أوكرانيا على كافة المستويات الغذائية والتجارية والتمويلية، في حين يتوقع مراقبون أن يكون اليمن من أكثر الدول التي قد تتأثر بتبعات الحرب الإسرائيلية على غزة وتصاعد الأحداث في الممرات المائية.
وأكد مصدر حكومي مسؤول، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة ستعمل بوتيرة عالية خلال الفترة القادمة على دعم جهود البنك المركزي في عدن واستقلاليته في إدارة السياسة النقدية واستخدام أدواته المتاحة للسيطرة على التضخم، وتعزيز موقف العملة الوطنية، والحفاظ على الاستقرار النقدي.
إضافة للاستخدام الأمثل للمنحة السعودية التي تم تخصيص الدفعة الثانية منها بنحو 250 مليون دولار، وتسليمها للبنك المركزي اليمني في عدن الذي سيستخدم جزءاً منها لتمويل الواردات من الغذاء عن طريق نظام المزادات الذي يتبعه منذ أكثر من عامين.
نقص في السلع
ويوضح المحلل الاقتصادي صادق علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الضرورة تقتضي تأمين احتياجات الأسواق السلعية بالرغم من وضعيتها الراهنة مع ارتفاع التضخم والركود وبقاء الأسعار عند مستوياتها المرتفعة.
ويؤكد متعاملون في الأسواق التجارية أن هناك نقصا في عدد من السلع الغذائية الأكثر استخداماً في المطابخ اليمنية والتي تلاقي رواجا كبيرا في رمضان، كالدقيق والسكر والزيوت وغيرها من السلع الغذائية والاستهلاكية.
يشير علي إلى أن هذه الفترة من العام تشهد ارتفاعا في خط الإمداد المالي المتبقي للكثير من الأسر اليمنية والمتمثل بتحويلات المغتربين التي تساهم في توفير بعض السيولة المالية للأسر لاستخدامها في توفير الغذاء واحتياجات رمضان السلعية، إذ ينعكس ذلك على الحركة التجارية في الأسواق.
من جانبه، يتطرق حميد طاهر، المسؤول في مكتب للشحن والخدمات التجارية، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن هناك تعقيدات يواجهها المستوردون في عقود الاستيراد السلعية نتيجةً للمتغيرات والتبعات الناتجة عن الأحداث في البحر الأحمر وارتفاع التأمين وتكاليف الشحن البحري بأكثر من 40 في المائة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
في حين يعتقد علي أن أي زيادة قد تطرأ في تكاليف الشحن والتأمين التجاري إلى اليمن ستكون لها انعكاسات سلبية على تأمين احتياجات الأسواق بصورة مناسبة وارتفاع أسعار السلع.
ويتوقع التجار في جميع أنحاء اليمن مع كل أزمة طارئة، سواء كانت داخلية أو خارجية، أن يكون هناك نقص في الإمدادات ومن ثم اتباع سياسة تحوطية للتعامل مع تبعات الأزمة الطارئة تنعكس على الأسواق المحلية برفع الأسعار وانخفاض تدريجي في المعروض من السلع الأساسية والغذائية.
في حين تترقب الأسواق خلال الفترة الراهنة نتائج التغيير الحاصل في رئاسة الحكومة المعترف بها دولياً وأطر الشراكة التي ستتبعها مع القطاع التجاري الخاص.
صعوبات وتحديات
يشير علي عيسى، وهو عضو في الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن القطاع التجاري الخاص يجد صعوبات وتحديات خلال هذه الفترة من كل عام في تأمين خطوط استيراد مناسبة كما هو الوضع حالياً وبصورة أكبر مقارنة بالأعوام السابقة.
ولفت إلى مشكلة السيولة من العملات الأجنبية التي تتيح للقطاع الخاص والمستوردين توفير احتياجاتهم منها لتغطية تكاليف الاعتمادات المستندية لاستيراد الاحتياجات السلعية.
وركز المبعوث الأممي إلى اليمن السويدي هانس غروندبرغ في الإحاطة التي قدمها إلى مجلس الأمن في 14 فبراير/ شباط على قضية فتح الطرق وإزالة الازدواج الضريبي التي أكد أنها ستساهم في خفض أسعار السلع الأساسية، كما سيُساهم استئناف إنتاج وتصدير النفط والغاز في توليد تدفقات مالية كبيرة، وهو ما سيسمح بدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية وتوفير الخدمات العامة.
بحسب المبعوث الأممي فإن تصاعد التوترات الإقليمية المرتبطة بالحرب في غزة، وبشكل خاص التصعيد العسكري في البحر الأحمر، يؤدي إلى تباطؤ وتيرة جهود السلام في اليمن، ويأتي ذلك في الوقت الذي يحاول فيه بقدر الإمكان عزل عملية السلام عن الديناميات الإقليمية الأوسع.
إلا أن الواقع يبرهن أن جهود الوساطة في اليمن لا يمكن النأي بها عما يحدث، فما يحدث على المستوى الإقليمي يؤثر على اليمن، وما يحدث في اليمن يمكن أن يؤثر على المنطقة بشكل عام.
التأثير على تعاملات اليمن
ردًا على الهجمات المتكررة للحوثيين على السفن في البحر الأحمر، والتي تهدف إلى دعم الفلسطينيين الذين يتعرضون لعدوان إسرائيلي متواصل في قطاع غزة، تقوم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة باستهداف محافظات يمنية في نطاق سيطرة الحوثيين، مثل الحديدة وصعدة وصنعاء، إضافة إلى التصنيف الأميركي للحوثيين كجماعة إرهابية والذي أصبح ساري المفعول منذ 16 فبراير/ شباط الحالي 2024.
وفق خبراء اقتصاد، فإن ذلك قد يؤثر على تعاملات اليمن الخارجية على كافة المستويات المالية والمصرفية والتجارية في مرحلة حرجة تمر بها البلاد التي تشهد تحركات دبلوماسية متعددة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية لتنفيذ خريطة الطريق المتفق عليها في نهاية العام الماضي 2023.
بدوره، يربط الباحث المصرفي نشوان سلام، في حديثه مع "العربي الجديد"، بين تدهور العملة المتجدد أخيراً وتراجع سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وارتفاع الطلب على الدولار من قبل التجار لاستيراد السلع وتوفير احتياجات الأسواق قبل حلول شهر رمضان.
وأبدى البنك الدولي تخوفه من تفاقم أزمة جديدة في سلاسل الإمداد بسبب ما يجري في البحر الأحمر وباب المندب والذي أدى إلى تعليق شركات الشحن الكبرى، منها ميرسك وهاباغ لويد، عملياتها عبر قناة السويس لتجنب طريق البحر الأحمر وتقوم بإعادة توجيه السفن حول طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما يضيف 3000 إلى 3500 ميل بحري (5500 إلى 6500 كم)، وسبعة إلى 10 أيام إبحار لرحلة معتادة بين أوروبا وآسيا.
ويمكن أن تستوعب المسافة الإضافية ما بين 700 ألف إلى 1.9 مليون حاوية قياسية مكافئة (وحدات شحن تعادل عشرين قدماً) من سعة الشحن حسب التقديرات.
كما تنعكس التكاليف الإضافية للرحلة حول رأس الرجاء الصالح - والتي تشمل ما يصل إلى مليون دولار من الوقود لكل رحلة ذهاباً وإياباً - بارتفاع أسعار الشحن.