شهدت الشركات غير المنتجة للنفط في مصر زيادة حادة في تكاليف مستلزمات الإنتاج، مدفوعة بارتفاع أسعار المواد وضعف العملة، مع ندرة العرض لمستلزمات الإنتاج، بما رفع متوسط أسعار المنتجات والخدمات بقوة، خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في حين ارتفعت الأجور بمعدلات متواضعة، خلال نفس الفترة.
وانخفض مؤشر مديري المشتريات إلى أدنى مستوى له منذ 5 أشهر في أكتوبر الماضي، في ظل استمرار التضخم وضعف النشاط الاقتصادي والأضرار بمعدلات الطلب في الاقتصاد غير المنتج للنفط. ويتوقع خبراء مواجهة البلاد صدمة انكماشية مع تراجع معدلات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، وندرة العملة الصعبة مع تدهور الجنيه، وتباطؤ الاقتصاد، متأثرا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وتوابع الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.
وبين مؤشر مديري المشتريات لمؤسسة ستاندرد آند بورز، أن التضخم دفع الشركات إلى تخفيض أعداد الموظفين وتراجع حجم المخزون للمرة الأولى منذ 3 أشهر، على الرغم من تحسن النشاط المستقبلي. وأضاف أن صعوبات التوريد وضعف العملة المحلية أدت إلى زيادة حادة في تكاليف الإنتاج، وإن كانت أقل من معدلات التضخم التي حدثت في مطلع العام الجاري 2023.
سجل المؤشر الشهري انخفاضا من 48.7 نقطة في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى 47.9 نقطة في أكتوبر، وهي أدني قراءة له في 5 أشهر، مبينا تدهور أحوال القطاع غير المنتج للنفط.
تدهور الطلب
ورصد المؤشر تراجعا في طلبات الشراء الجديدة، بشكل أكبر إلى النطاق السلبي في بداية الربع الرابع من العام الحالي، حيث سلطت الشركات المشاركة في الدراسة الضوء على استمرار تدهور معدلات الطلب بسبب ارتفاع الأسعار وضعف العملة ومشاكل التوريد، وفي حين أن بعض الشركات شهدت انخفاضا في الأعمال الجديدة خلال الشهر، كانت ضعف عدد الشركات التي شهدت ارتفاعا، إلا أن المعدل الإجمالي للانخفاض كان أقل بكثير مما وقع في بداية العام.
ورصد المؤشر انكماشا قويا في الإنتاج بالإضافة إلى انخفاض المبيعات، ما دفع الشركات إلى مزيد من الانكماش في ظل النقص المستمر في مستلزمات الإنتاج وضغوط الأسعار. تركز ضعف النشاط الاقتصادي في قطاعات التصنيع والانشاءات والجملة والتجزئة بيمنا توسع قطاع الخدمات بمعدلات طفيفة.
بين المؤشر وجود انخفاض طفيف في مستويات المخزون بالشركات، بعد أن قامت في السابق بزيادة المخزون في ظل المخاوف من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، مؤكدا انخفاض نشاط المشتريات الجديدة بقوة، في حين شهدت مدد التسليم زيادة طفيفة بسبب صعوبات الاستيراد.
ويظهر المؤشر وجود تفاؤل لدى الشركات بأن الإنتاج قد يتحسن خلال 12 شهرا مقبلة، مع توقع تعافي الظروف الاقتصادية.
وأكد الدكتور كمال الدسوقي نائب رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الصناعات أن حالة الركود التي تمر بها الصناعات المختلفة أمر حتمي في ظل تصاعد أسعار الفائدة على الدولار، ولجوء البنوك المركزية إلى رفع قيمة الفائدة على العملات المحلية، بما حرم القطاعات الصناعية من الحصول على تمويل رخيص للاستثمارات وشراء مستلزمات الإنتاج، ودفعها إلى تقليص أنشطتها.
وأضاف الدسوقي في حواره مع " العربي الجديد" أن حالة الحرب "شبه العالمية" التي تحدث في أوكرانيا وغزة أثرت بشدة على سلاسل الإمداد العالمية، ورفع أسعار الطاقة والشحن والتأمين، بما أضاف أعباء كبيرة على الدول المستوردة للخامات والتي تعتمد على الواردات، لتوفير حاجاتها الأساسية من الأسواق الدولية مثل مصر، بما انعكس سلبا على كافة الصناعات المحلية.
وقال الدسوقي إن الخروج من حالة الركود بالشركات يتطلب تنفيذاعاجلا للمبادرة الحكومية الخاصة بدعم الصناعات المحلية، التي توقفت عن دعم الفائدة عن طريق البنك المركزي، بنقل تبعيتها من وزارة المالية أو الصناديق الخاصة، لمنح الشركات المصرية قدرة على التنفس في مواجهة الصعود الحاد بقيمة مستلزمات الإنتاج، وتوفير السيولة اللازمة للتشغيل ومواجهة أعباء التضخم. وشدد على ضرورة مطالبة الحكومة للبنوك بفتح أبوابها للمستثمرين، لتمويل المشروعات الجديدة والتوسعات، لتساهم في تحريك عجلة الإنتاج، وضمان تشغيل العمالة المعرضة للانخفاض، مع توقف العمل بمزيد من الشركات.
نقص الدولار
وأرجع الدكتور محمد سعد الدين نائب رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات زيادة الركود بالشركات إلى عدم توافر النقد الأجنبي، والسيولة لدى البنوك التي يحتاجها المستثمرون والموردون لشراء مستلزمات الإنتاج، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن النقص في الدولار والعملة الصعبة أصبح حادا للغاية.
قال سعد الدين إن الأزمة ستظل قائمة خلال الفترة المقبلة، طالما نحتاج الدولار لزيادة الواردات، مشيرا إلى أن المواجهة تتطلب حلولا جماعية لخفض الواردات ودعم الصادرات.
وأضاف سعد الدين أن الحكومة عليها أن تعمل على زيادة معدلات الإنتاج بكافة السبل، لتوفير احتياجات المواطنين من كافة السلع، وقصر الاستيراد على الحاجات الأساسية للدولة ومستلزمات الإنتاج بالمصانع، والاستجابة للمطالب الشعبية الحالية بدعم المنتج المصري، التي جاءت في إطار مقاطعة الجهات الداعمة للعدوان على غزة، والاستغناء عن كافة الأنشطة التي تمثل رفاهية غير مطلوبة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.
وأشار سعد الدين إلى أن دعم المنتج المصري، سيقلص حجم الواردات بنسب عالية، بشرط أن يأتي في إطار عمل جماعي يستهدف الاستغناء عن أي سلع يمكن إنتاجها محليا، وأن تخصص صناعات محددة لدعم الصادرات التي تحتاجها الأسواق الدولية.
وأشار خبراء إلى مخاوف المستثمرين من التدهور الشديد المستمر بقيمة الجنيه، للشهر العشرين على التوالي، حيث تراجع من مستوى 15.6 للدولار منذ فبراير 2022 إلى نحو 31 جنيهاً في البنوك الرسمية، بينما تجاوز سعره 47 جنيها بالسوق السوداء، مع ندرة وجوده بالبنوك، وصعوبة تدبيره محليا.
ويعاني المستثمرون من تعدد سعر الصرف في السوق المحلية، بما يحملهم تكاليف مدفوعات غير منظورة، في تدبير العملة، ويصعب رصدها في حسابات الشركات رسميا، بما يحملهم المزيد من الخسائر شهريا.
ورفعت الحكومة سعر البنزين بنسبة 14% الجمعة الماضية، مع وجود خطط لرفع أسعار الوقود والطاقة والنقل مطلع العام المقبل، في إطار اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يقضي بتحرير سعر الصرف وأسعار الطاقة والوقود، بما يزيد من الأعباء المتوقعة على القطاعات الصناعية والإنتاجية.
وأكد الدكتور محمد سعد الدين أنه رغم تراجع كميات الغاز المحددة لمصانع البتروكيماويات والأسمدة والألومنيوم والحديد إلا إن امدادات الكهرباء مازالت مستمرة عند حدودها التعاقدية، مشيرا إلى أن السعر سيكون عنصرا حاسما لدى الشركات، للخروج من نفق الركود الذي تعاني منه منذ 3 سنوات.
لجأت الحكومة إلى قطع التيار الكهربائي لمدة ساعتين يوميا لمواجهة الشح الهائل في العملة الصعبة التي تحتاجها لتوفير 100 مليون برميل من النفط الخام المستورد خلال عام 2023-2024، المتوقع شراؤها من الخارج في الموازنة الحالية.