أدى نقص التمويلات الخارجية للموازنة التونسية إلى تأجيل إعداد قانون المالية التكميلي، بعد أن أعادت تطورات سوق النفط العالمية خلط كامل أوراق قانون الموازنة الأساسي للعام الحالي الذي صادق عليه البرلمان في ديسمبر/ كانون الأول 2020.
وكان يفترض وفق السيناريو الأولي الذي وضعته حكومة هشام المشيشي، أن تتولى وزارة المالية إعداد قانون مالية تكميلي تحيله إلى البرلمان في شهر مارس/ آذار الماضي من أجل إعادة ترتيب النفقات وضبط الموازنة، وفق التطورات الجديدة لأسعار صرف العملة وسعر النفط في السوق العالمية، باعتباره واحدا من أهم العناصر المؤثرة في توازنات الإنفاق العام.
ولم يسمح تأخر تعبئة موارد خارجية بنحو 6.9 مليارات دولار لحكومة هشام المشيشي بإعداد موازنة تكميلية في ظل تعثر في الحصول على القروض، وبطء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وباقي شركاء تونس الماليين.
أبدى رئيس لجنة المالية بالبرلمان هيكل المكي، مخاوف من تداعيات تأخر إعداد الموازنة التكميلية وعرضها على البرلمان قبل نهاية الربع الثاني من السنة، مشيرا إلى أن وزارة المالية لم تقدّم للجنة المالية أية توضيحات عن موعد إحالة القانون المعدّل.
وقال المكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن البرلمان منشغل بشأن تأخر الموازنة التكميلية، وانعكاسات ذلك على الإنفاق العام وقدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها في الأشهر القادمة، منتقدا تواصل الغموض بشأن تمويل الموازنة لبقية العام، بعد سقوط كل الفرضيات التي بنيت عليها الموازنة الأصلية، وفق قوله.
وأضاف رئيس لجنة المالية أن قانون الموازنة الأصلي أصبح شبه لاغ بعد ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 70 دولاراً مقابل تقديرات في الموازنة الأصلية بـ48 دولارا، إلى جانب تعثر تعبئة الموارد اللازمة لإنجاز مشاريع استثمارية وتحصيل الضرائب.
وأفاد في سياق متصل بأن الحكومة قد تذهب في قانون الموازنة التكميلي إلى إجراءات أكثر تقشفية ستكون على حساب مخصصات الاستثمار العمومي ومن أجل إنقاذ توازناتها. وأشار إلى أن الفارق بين سعر النفط في الموازنة الأصلية والسعر العالمي الحالي خلق فجوة في الموازنة في حدود 3 مليارات دينار، ستضطر الحكومة إلى بحث موارد إضافية لتغطيتها، وفق قوله.
ويكلّف زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط الموازنة العامة نفقات إضافية بـ129 مليون دينار (الدولار = 2.73 دينار)، حيث يتسبب تجاوز السعر العالمي عتبة الـ60 دولاراً في فجوة جديدة في موازنة تونس لن تقلّ عن 2.5 مليار دينار.
وتواصل الحكومة مساعيها من أجل عقد اتفاقات مالية مع مؤسسات القرض الدولية في أقرب الآجال، فيما تواجه المالية العمومية خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب القادمين ضغوطا كبيرة بسبب أقساط ديون بقيمة مليار دولار تحتاج البلاد لتوفيرها لخلاص أقساط قروض حلت آجالها.
ودخلت الحكومة منذ أسابيع في مفاوضات تقنية مع صندوق النقد الدولي من أجل اتفاق مالي بقيمة 4 مليارات دولار، في انتظار الخروج على السوق المالية لتعبئة موارد أخرى.
ورجّح وزير الاقتصاد والمالية، علي الكعلي، أن تتوصل تونس إلى اتفاق مع الصندوق بداية الربع الثالث من السنة الحالية. وهو يؤكد ترجيحات لجنة المالية بشأن تأخر عرض قانون المالية التعديلي قريبا.
لكن الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق، سليم بسباس، قال لـ"العربي الجديد" إن الحكومة لا تزال تملك هوامش تحرّك في إطار قانون المالية الأصلي، مؤكدا أن وزارة المالية غير ملزمة قانونيا بالالتزام بتاريخ محدد لعرض الموازنة التعديلية.
وبيّن أن الحكومة ستحيل القانون إلى مجلس نواب الشعب عندما تكون جاهزة ولديها رؤية واضحة بشأن الاتفاقات المالية التي ستعقدها، مشيرا إلى أن قانون الموازنة التكميلي سيتضمن السياسات العامة المزمع تطبيقها بناء على تعهدات الدولة تجاه صندوق النقد الدولي، ولا سيما منها المتعلقة بالدعم والإصلاح الضريبي وهو ما يفسر تأخرها، وفق قوله.
وتكشف معطيات وزارة المالية في تقريرها حول متابعة تنفيذ ميزانية الدولة للعام الحالي عن تعبئة قروض خارجية طيلة الربع الأول 2021 يناهز 889.5 مليون دينار، أي نحو 325 مليون دولار، في حين بلغت أقساط القروض المسددة في ذات الفترة 689.7 مليون دينار ما يعادل 255 مليون دولار.
وقال معهد الدراسات الاستراتيجية (مؤسسة بحث حكومية) في تقرير أصدره مؤخرا، أنه بإمكان الاقتصاد التونسي تجاوز الأزمة، التي يواجهها، خاصة على مستوى المالية العمومية والفجوة المسجلة في تمويل عجز ميزانية الدولة، في غضون نوفمبر/ تشرين الثاني 2021
وطلب المعهد في التقرير هيكلة ديون المؤسسات الحكومية، والتي ستمكن من التقليص في الفجوة المسجلة على مستوى التمويل، والمقدرة بنحو 5.2 مليارات دينار، كما اقترح تحويل المشاريع الاستثمارية إلى شراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، بالإضافة إلى إعادة توزيع موارد الموازنة في إطار قانون الموازنة التكميلي لسد فجوة التمويل المقدرة بنحو2.6 مليار دينار ما يقارب 955 مليون دولار.