لا يزال لبنان الغارق في انهيار اقتصادي مزمن بعيداً عن استخراج موارد النفط والغاز، إن وجدت، حتى وإن تم التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وفق ما يقول خبراء.
وبعدما سادت أجواء إيجابية حول اقتراب الإعلان عن اتفاق، أعلنت إسرائيل، الخميس، رفضها ملاحظات بيروت على عرض أميركي لترسيم الحدود.
في بلد يستشري الفساد في مؤسساته، ويُتهم مسؤولوه بنهب المال العام، يتساءل كثر عما إذا كان استخراج تلك الموارد سيعود على الدولة بأرباح تساعد اقتصادها على النهوض.
ويقول الباحث في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت مارك أيوب لوكالة فرانس برس: "سيشكل التوصل إلى اتفاق خطوة إلى الأمام، لكنه لا يعني أن لبنان أصبح دولة منتجة للغاز أو النفط". ويوضح: "نتحدّث عن إطار زمني من خمس إلى ست سنوات قبل أول (استخراج) غاز" في حال عُثر على مكامن تجارية صالحة، واصفاً التقدير الزمني بأنه "متفاءل".
لا تحركات جدية
مع ارتفاع الطلب عالمياً على الغاز على وقع أزمة الطاقة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا، يأمل لبنان أن يسهم أي اكتشاف بحري في التخفيف من حدة الانهيار الاقتصادي.
لكن بعد أكثر من عقد من الزمن على إعلان حدوده البحرية ومنطقته الاقتصادية الخالصة، لا يملك لبنان اليوم دلائل على احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي. ووجدت عملية تنقيب أجراها ائتلاف شركات "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية العام 2020 في أحد الآبار آثار غاز فقط، من دون العثور على مكامن تجارية.
ويحول النزاع الحدودي البحري بين لبنان واسرائيل، اللذين يعدان في حالة حرب، دون مباشرة أعمال التنقيب في إحدى الرقع البحرية. وبعد عامين من وساطة أميركية، أرسل لبنان، الثلاثاء، إلى الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين ملاحظاته على عرض قدّمه الأخير. لكن الأجواء الإيجابية اللبنانية حول التوصل إلى اتفاق قريباً، لم تقابلها إسرائيل بالمثل.
وقال مسؤول إسرائيلي، الخميس، لوكالة فرانس برس، إن رئيس الحكومة يئير لبيد "اطلع على تفاصيل التغييرات الجوهرية التي يسعى لبنان إلى إجرائها وأصدر تعليماته إلى فريق التفاوض برفضها". ويشرح أيوب أن الاتفاق إن حصل "يسمح باستمرار أنشطة التنقيب البحرية، لكنه لا يعني أن لبنان أصبح ثرياً.. أو أن أزمته قد تمّ حلّها".
بدء الاستخراج
وستشكل الرقعة رقم 9، حيث يقع حقل قانا، منطقة رئيسية للتنقيب من قبل شركتي توتال وإيني، اللتين حصلتا في عام 2018 مع شركة روسية على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة العام الحالي.
وبعدما كانت إسرائيل قد أعلنت أن جزءاً من حقل قانا يقع في مياهها الإقليمية، أكّد مسؤولون لبنانيون خلال الأيام الأخيرة أنّ الاتفاق الذي يجرى التفاوض عليه سيضمن للبنان الحقل كاملاً.
ويوضح أيوب أنه في حال تم التوصل إلى اتفاق، فإنه "في مثل هذا الوقت من العام المقبل، يجب أن نكون قد علمنا ما إذا كان هناك من اكتشاف تجاري في قانا أم لا". ويضيف: "إذا كان لدينا اكتشاف، فسيستغرق الأمر بعده.. ليس أقل من ثلاث إلى خمس سنوات" قبل أن يبدأ الإنتاج.
ويفترض هذا التقدير الزمني، وفق أيوب، عدم وجود أي عرقلة أو تأخير من جانب السلطات اللبنانية، المتهمة على نطاق واسع بالفساد والفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة، وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي الذي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
بعد تأسيس هيئة إدارة قطاع البترول في نهاية العام 2012، استغرق الأمر أشهراً عدة لتسمية أعضاء مجلس إدارتها جراء الخلافات السياسية على ترشيح الأعضاء.
وتأخرت مراراً جولات منح تراخيص التنقيب عن النفط والغاز منذ انطلاقها عام 2013. ويبدو لبنان متأخراً جداً عن جهود إسرائيل، التي تستثمر منذ سنوات في حقل كاريش وتتوقع بدء استخراج الغاز في غضون أسابيع. وبدأت قبرص ومصر كذلك في استكشاف حقول رئيسية.
"مخاطر"
ويقول بارودي: "لا يُعدّ لبنان استثماراً جيداً ما لم تنفّذ الحكومة إصلاحات" من شأنها أن توفّر "الضمانات الأساسية التي تحتاجها الشركات الدولية لكي تعمل مع مخاطر أقلّ".
ويشترط المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي، من أجل دعم لبنان مالياً، تطبيق إصلاحات ملحة في قطاعات عدّة ضمن خطة تعاف شاملة، لم يُصَر إلى التوافق عليها منذ ثلاث سنوات.
وتترافق الأزمة مع شلل سياسي يحول دون تشكيل حكومة منذ أشهر، وينذر بدخول لبنان مرحلة من الفراغ الرئاسي ما لم يتم التوصل إلى تسوية تقود إلى انتخاب رئيس خلفاً للرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته في نهاية الشهر الحالي.
ويحول هذا الجمود دون اتخاذ تدابير تحدّ من التدهور. وباتت مرافق رئيسية عاجزة عن تقديم الخدمات، خصوصاً الكهرباء التي بالكاد تتوفر لساعة أو اثنتين يومياً. ولا يستبعد بارودي أن تختار شركات الطاقة، التي ستستثمر في لبنان، قبرص مقراً لها. ويقول: "من دون سيادة القانون، لبنان أشبه بغابة".
(فرانس برس)