لو خرجت دول الخليج اليوم، معلنة وقف تصدير النفط والغاز لأسواق العالم خاصة للدول الداعمة للاحتلال في حربه الإجرامية، لتوقفت الحرب على الفور، ذلك لأن الاقتصاد الأميركي سيتضرر بشدة من تلك الخطوة التي سيترتب عليها إفلاس شركات كبرى وزيادة معدل التضخم وكلفة القروض المصرفية وعودة الاضطرابات لأسواق المال وأسواق السلع وسلاسل التوريد.
كما أن الاقتصادات الغربية، ومعها الشركات وقطاع الأعمال والمال والمصارف وسوق البطاقات، لا تستطيع تحمل أسعار نفط تقترب من 150 دولاراً للبرميل، لأن السعر يرفع كلفة الإنتاج بمعدلات قياسية.
حتى المواطن الغربي لن يتحمل أي مبررات من حكوماته تتعلق بزيادات جديدة في أسعار السلع، سواء الغذائية أو المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز طهي، وتحمل أي زيادات جديدة في إيجارات السكن وفواتير الكهرباء والغاز والمواصلات العامة وتكلفة المعيشة. يكفيه ما جرى خلال فترة جائحة كورونا وما اعقبها من موجات غلاء عقب اندلاع حرب أوكرانيا.
وبالتالي فإن أي زيادات في سعر النفط ناتجة من وقف تصدير الخام العربي ستؤدي مباشرة إلى زيادة حنق المواطن على الحكومات الغربية وإثارة ثورات شعبية وتغيرات سياسية كما حدث في سنوات سابقة، وربما إسقاط جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة كما أسقط تراجع مؤشرات الاقتصاد وزيادة كلفة المعيشة خلال جائحة كورونا سلفه دونالد ترامب.
وبشكل عام لا يوجد مبرر واحد لتأخر الدول العربية المنتجة للنفط عن اتخاذ قرار وقف تصدير النفط والغاز إذا كانت حكوماتها جادة حقا في وضع حد لتلك الحرب التي أكلت الأخضر واليابس وأودت بحياة ما يقرب من 11 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء.
واللافت هنا أن وقف تصدير النفط هو أمر في صالح الدول العربية المنتجة وفي مقدمتها دول الخليج ومصر والعراق والجزائر وليبيا، وأن احتمال خسارة تلك الدول إيرادات نفطية أو أسواق مستوردة هي مسألة مستبعدة واحتمال ضعيف في ظل مواصلة الغرب التضييق على صادرات النفط والغاز الروسي، وزيادة الإقبال على الخام من قبل بعض الاقتصادات الكبرى وفي مقدمتها الاقتصاد الصيني أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وكذا الاقتصاد الهندي والاقتصادات الصاعدة.
ولو خرجت الدول العربية المطبعة مع الاحتلال معلنة إلغاء التطبيع الاقتصادي والسياسي والتجاري والسياحي مع إسرائيل، لتوقفت الحرب على الفور، ذلك لأن دولة الاحتلال تحتاج بشدة إلى مليارات الدولارات القادمة من المنطقة العربية سواء في شكل استثمارات مباشرة أو صفقات استحواذ على شركات، أو شراء أسلحة بقيمة فاقت 3 مليارات دولار في العام 2022، أو في شكل صفقات شراء غاز طبيعي بقيمة تتجاوز 35 مليار دولار.
أي زيادات في سعر النفط ناتجة من وقف تصدير الخام العربي ستؤدي مباشرة إلى زيادة حنق المواطن على الحكومات الغربية وإثارة ثورات شعبية وتغيرات سياسية كما حدث في سنوات سابقة
ودولة الاحتلال ليست مستعدة للاستغناء عن تلك المليارات القادمة من بعض الدول العربية مع ضخامة كلفة الحرب الدائرة والتي قد تتجاوز 200 مليار دولار وفق تقديرات، وتفاقم عجز موازنتها العامة وهروب المستثمرين الأجانب، وسحب الإسرائيليين المدخرات من البنوك.
ولو أراد العرب حقا وضع نهاية لتلك الحرب الشرسة لأوقفوا على الفور مرور الطيران الإسرائيلي في الأجواء العربية، وألغوا رحلات الطيران من العواصم العربية إلى تل أبيب والعكس، وأوقفوا كذلك أي تطبيع اقتصادي مع دولة الاحتلال.
ولو أرادوا مساندة أهل غزة لأعلنوا عن سحب المشروعات الكبرى التي تقرر تنفيذها مع دول الاحتلال خلال العامين الماضيين، ومنها ممر تجاري واقتصادي يربط بين الهند وأسواق أوروبا عبر المرور بمنطقة الخليج وموانئ دولة الاحتلال، ولأوقفوا على الفور المشروعات التي تهدد قناة السويس، ومنها تدشين خطط سكك حديد يربط الخليج بإسرائيل، وأنبوب لنقل النفط الخليجي لأوروبا عبر الأراضي المحتلة.
نعم العرب نظريا يستطيعون تغيير دفة الحرب على غزة والتأثير بقوة في الأحداث الجارية، ولكن هل يستطيعون عمليا تطبيق المقترحات السابقة، أم يخشون غضبة الجالسين في البيت الأبيض وقبله اللوبي الصهيوني؟