قالت مصادر محلية في دمشق إن النظام السوري يتجه في الأيام المقبلة لزيادة رواتب القطاع العام في حكومته بعد اجتماعات مطولة بين الحكومة ومجلس الشعب التابع له، التي خلصت إلى ضرورة رفع الدعم عن كثير من السلع، خصوصاً الأساسية، كالمحروقات والخبز.
وكان مسؤولون في النظام قد سرّبوا سابقاً أن المجلس اتفق مع الحكومة على رفع الدعم عن المحروقات بشكل كامل وجزئي عن الخبز، متذرعين بأن هذه الخطوة تأتي بهدف ضبط الفساد الحاصل من جراء الدعم، فهناك جهات تستفيد من الدعم للبيع في السوق السوداء بسعر مرتفع للمواطن.
وفي الثامن من أغسطس/آب الماضي مهّد عضو مجلس الشعب التابع للنظام، صفوان قربي، للقرارات الجديدة التي من المقرر أن تصدر عن حكومة النظام، وقال في تصريحات إعلامية لراديو "شام إف إم" الموالي إن خطوات وقرارات جريئة للحكومة ستصدر.
وبيّن أن النظام ذاهب لرفع الدعم الحكومي عن المحروقات وتحرير أسعارها، زاعماً أن هذا سيتزامن مع زيادة في الرواتب، متهماً جهات بأنها تعتاش من الدعم، حيث تسرق أكثر من نصفه بآليات إدارية.
زيادة الرواتب من كتلة الدعم
وتقول مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، بحسب المعلومات المسربة من الاجتماعات: "ستكون هناك زيادة للرواتب، وهذه الزيادة من كتلة الدعم التي من المقرر أن تكون لسلع مدعومة من الحكومة كالمازوت والخبز، وهي من أهم المواد الأساسية للمواطن السوري. لكن إلى الآن لم يجرِ الاتفاق على نسبة الزيادة في الرواتب".
وأضافت المصادر التي تفضل عدم ذكر اسمها لدواعٍ أمنية، أن هذه الخطوة تلاقي انتقادات من مواطنين لأنهم يرون فيها ضحكاً عليهم، إذ إنهم سيأخذون الزيادة على الراتب، وسيعودون لدفعها مرة أخرى، فما الفائدة من هذه العملية، خصوصاً مع تغير سعر المحروقات كل شهر؟
ودائماً ما يرافق ارتفاع أسعار الوقود في سورية ارتفاع أسعار كل السلع الأخرى في السوق وارتفاع أجور الخدمات عامة، وهي لا تتناسب مع الزيادة في الأجور والرواتب دوماً وفق خبراء، وفي حالة رفع الدعم سيكون كل شيء مرتفع السعر مهما كان نوع المادة، وبالتالي سيكون المواطن أمام غلاء عام وليس فقط في المواد التي رفع عنها الدعم.
وكان النظام السوري قد رفع أسعار الوقود، وخصوصاً البنزين، منذ بداية العام الجاري أكثر من مرة كان آخرها نهاية يوليو/تموز الماضي، وهي المرة الخامسة خلال أقل من 8 أشهر، حيث بلغ سعر البنزين "أوكتان 95" عشرة آلاف ليرة سورية بدلاً من 8600 ليرة.
ويرى الباحث الاقتصادي السوري، يونس كريم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن رفع الدعم يزيل جانباً من العجز المالي لدى الموازنة الحكومية السنوية ويحسن لها شروط الاستدانة الخارجية التي باتت تطلبها من أكثر من جهة دولية، آخرها من إندونيسيا.
ويضيف أن الحكومة تدفع جزءاً من وارداتها المالية لتمويل نفقاتها تحت بند الدعم المادي، وفي حال رفع هذا الدعم ستعود هذه الأموال لها، فتصبح مسؤولة فقط عن كتلة الرواتب والأجور، وبالتالي تتحسن فرص حصولها على قروض وتحسن من قدرتها على سداد الديون لمؤسسات التمويل.
لكن الباحث يرى أن خطوة النظام ستفشل، ولن تحل مشكلة الأسعار، لأن هناك مشكلة جذرية، وهي عدم وجود السلع نفسها، وبالتالي سيكون هناك مزيد من التضخم وارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن مشكلة الأسعار لا تكمن فقط في توافر النقود، بل في توافر السلعة، إذ إن فقدان السلع أو احتكارها عامل أساسي في ارتفاع سعرها.
وأضاف "الكريم" أن وجود كتلة رواتب كبيرة أو توافرها وعدم وجود السلعة يعني زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، وبالتالي عدم الفائدة من المال.
ولا يوجد إحصاء دقيق لكتلة الموظفين في سورية في مناطق سيطرة النظام، وبعض التقارير تقدرها بما بين 1.5 و2.5 مليون شخص وقرابة 62% منهم يعملون لدى مؤسسات الدولة برواتب تراوح بين مائة ألف و300 ألف ليرة، و20% من أصل 62% بعقود جزئية أو في القطاع الخاص الذي تراوح نسبة العمالة فيه 38%، وأكثر من 75% من هذه العمالة موظفو مهن وورشات، والباقي موظفون بشركات، وهي تحصل على كتلة رواتب كبيرة، وبالتالي إن رفع الدعم سيؤدي إلى ضرر لطبقة من الموظفين في الدولة والقطاع الخاص، لأن الزيادة إن حصلت ستكون بأحسن أحوالها ضعف راتب.
وأضاف أنّ من الممكن أن يصل مستوى الراتب إلى 100 دولار، في حين أن الحد الأدنى المطلوب للمعيشة يقدر بـ 700 دولار. كذلك، لن يحصل كبار موظفي القطاع الخاص على زيادات من مؤسساتهم.
وبحسب موقع "وورد باي ماب"، تتصدر سورية قائمة الدول الأكثر فقراً بالعالم بنسبة 82.5%، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن نسبة الفقر في سورية تجاوزت 90 بالمائة.