نخوة اقتصادية مفضوحة

08 اغسطس 2021
قفزات في سعر الأدوية بسورية (فرانس برس)
+ الخط -

ترى، ماذا تستنتج فيما لو قرأت، أن وزير الصحة في حكومة تسيير الأعمال بدمشق، حسن محمد الغباش، أعلن أن سورية جاهزة لإمداد لبنان باحتياجاته من الأصناف الدوائية التي تنتج في سورية.

على الأرجح، ستقول: "بارك الله بحكومة بشار الأسد التي تشعر بالشعب اللبناني، خاصة بعد أن أعلن تجمّع الصيدليات ببيروت، أن المستوردين توقفوا عن تسليم الأدوية للصيدليات بعد قرار وزارة الصحة اللبنانية بتسعير الأدوية غير المدعومة بسعر صرف 12 ألف ليرة لبنانية للدولار، فيما يبلغ سعره نحو 21 ألف ليرة في السوق السوداء".

وربما تتابع بقولك، جراء الانطباع الأول عن النخوة السورية المستمدة من "اسق أخاك النمري" أن معامل الأدوية بسورية، الحكومية والخاصة، لديها فائض إنتاج وتبيع الأدوية للسوريين بأسعار منخفضة تتناسب ودخله الحقير" نحو 22 دولاراً شهرياً" وتصدر الباقي لدول الجوار والعالم.

خاصة إن كنت من متابعي قطاع صناعة الدواء بسورية، وقت وصلت المعامل قبل حرب الأسد على حلم السوريين عام 2011، إلى نحو 70 معملاً خاصاً، فباتت صناعة الدواء تغطي أكثر من 90% من حاجة السوق المحلية وغزا الدواء السوري 53 دولة عبر العالم.

النظام السوري يعلن جاهزيته لإمداد لبنان باحتياجاته من الأصناف الدوائية، في الوقت الذي تعاني فيه السوق السورية من نقص حاد في الادوية

لكن خبراً عابراً وبنفس توقيت "نخوة الوزير السوري" قد يغيّر من قراءتك للخبر وفهمك للحدث، إذ قال لبنان، بنفس تاريخ بيان وزارة الصحة اللبنانية عن استعداد سورية الأسد لمد الأشقاء بالدواء، إن وحدات الجيش اللبناني "أوقفت مجموعة مواطنين وسوريين يهربون الأدوية من لبنان إلى سورية".

بيد أن وقع الاختلاط سيخّف، بمجرد معرفتك أن لبنان الذي يعاني من شح المحروقات وندرة المازوت، أيضاً يهرّب متنفذون فيه، المازوت إلى سورية.

قصارى القول: كل الأماني أن يكون لدى سورية فائض دواء تمد به اللبنانيين، فدمشق وطنت أول شركة خاصة لتصنيع وتصدير الأدوية، قبل وصول الأسد الأب للحكم. 

ففي عام 1968، بدأت" الشركة العربية لصناعة الأدوية" بالإنتاج، قبل أول صفعة تأميم بزمن حافظ الأسد، وقت أمم شركتي صناعة الأدوية "الديماس وتاميكو" والتي، الصفعة، لم تحد من تطلع رأس المال السوري، فرأينا شركة بركات عام 1972، وتتالت المعامل التي توجها "أوبري" عام 1989، ليتهافت رأس المال إلى هذا القطاع الذي جذب 20 شركة بين عامي 1990 و2000، معظمها بوكالات عالمية" افنتيس فارما، فارماسير، ألفا، ابن زهر للصناعات الدوائية، شركة ابن الهيثم" لتطرح جميعها نحو 8000 صنف دوائي غطى جلّ الاحتياج المحلي، قبل أن يؤسس الدواء السوري بالمنطقة، سمعة اقتربت من النسيج وخراف العواس وزيت الزيتون السوري.

نحو 4500 صيدلي في سورية يبحثون عن عمل، منهم خريجون جدد لم يتمكنوا من فتح صيدليات نتيجة توقف منح القروض وغلاء المستلزمات والتجهيزات والأدوية

بيد أن مسلسل التهديم الممنهج خلال الحرب، طاول هذا القطاع كما غيره من بنى وهياكل الاقتصاد السوري، ليأتي توقف المصرف المركزي العام الماضي، عن تمويل معامل الأدوية بالدولار الرسمي للاستيراد، ويتبعه أخيراً ملاحقة المنشآت بالضرائب المرتفعة بمفعول رجعي، ليأتيا على معظم قطاع الأدوية الذي أغلقت أكثر من 75% من منشآته أبوابها، بعد الخسائر المحققة وتراجع القدرة الشرائية وهجرة الكفاءات والمهنيين.

وفي أخبار ليست بعيدة عن السياق، قالت نقابة الصيادلة في سورية، إن حوالي 4500 صيدلي في سورية يبحثون عن عمل، منهم خريجون جدد لم يتمكنوا من فتح صيدليات نتيجة توقف منح القروض وغلاء المستلزمات والتجهيزات والأدوية، وآخرون فقدوا صيدلياتهم نتيجة تواجدها في المناطق الساخنة.

وأشارت الجهة الرسمية إلى أن 5500 صيدلي هجّروا من صيدلياتهم وهدمت 3000 صيدلية خلال الأزمة التي تتعرض لها البلاد، أما عدد الذين غادروا القطر فهو 711 صيدلياً منهم 300 صيدلي يتابعون دراساتهم العليا و411 صيدلياً لهم ظروف خاصة.

أما تتمة الأخبار التي تعرّي دبلوماسية مد اليد للجار اللبناني، فسورية اليوم تعاني نقص أدوية بنسبة 70% من حاجة السوق المحلي، ويقدر حجم الدواء المهرب إلى سورية، بنحو 100 مليون دولار، ربما المفاجأة، أن جل المهرب الدوائي من لبنان.

نهاية القول: رفعت وزارة الصحة في سورية الأسد قبل أيام، أسعار 11819 صنفاً دوائياً بنسبة تراوحت بين 40 و50%، ما جعل السوريين الذين دهشوا لعرض وزير الصحة للبنان، يستغنون عن العلاج بالدواء، ويتوجهون إلى الرقية والبسملة على يد رجال الدين، أو يلجؤون إلى حبوب "الكبتاغون" المخدرة التي تصنع بالتشارك، بين نظام الأسد وحزب الله اللبناني.

 
المساهمون