كل شيء حولي كان يدعو إلى التوتر والقلق، وربما الخوف؛ خوف من صعوبة الوصول إلى مطار تبليسي الدولي قبل موعد حظر تجوال تفرضه دولة جورجيا للحد من تفشي كورونا، والذي يبدأ من الساعة الحادية عشرة مساء وحتى السادسة صباحا.
قلق من أن تفوتني رحلة الطيران، ولا أستطيع العودة إلى المكان الذي كنت أقيم فيه بسبب الحظر المفروض.
خوف من عدم العثور على تاكسي يقلني إلى المطار الذي يبعد عن وسط العاصمة تبليسي نحو 45 دقيقة. أخشى ألا يكمل السائق طريقه نحو المطار بسبب الحظر.
عقارب الساعة تشير إلى العاشرة والربع مساء، لم يصل التاكسي الذي طلبته عبر تطبيق محلي بعد، أمطار تهطل بغزارة، تمر الدقائق صعبة وبطيئة، مرت 5 دقائق وكأنها سنة، أخيرا وصل التاكسي الذي برر قائده تأخره بسبب زحام ما قبل فرض حظر التجوال.
حملت حقائب السفر وألقيتها بسرعة في شنطة التاكسي، من دون انتظار مساعدة، جلست بجوار السائق الذي نقلت له جزءاً من التوتر الذي بداخلي، حينما طلبت منه القيادة بسرعة، حتى نصل إلى المطار قبل فرض حظر التجوال.
وجاء رده ليزيد منسوب التوتر عندي، حيث قال إنه قد لا يتمكن من الوصول إلى المطار قبل الحادية عشرة في حال أغلقت الشرطة طريق المطار.
لكنه استدرك بسرعة قائلا: "سأسير بسرعة، لا تقلق، ستصل قبل موعدك"، أومأت برأسي قائلا: "ربنا يستر".
وبعد أن قطع عدة كيلومترات في طريقه للمطار، حاول السائق امتصاص التوتر الذي لا يزال يسيطر عليً، سألني: من أين أنت؟ قلت له: من مصر. قلتها وأنا في شدة التوتر وعيني زائغة وتتنقل بين عداد التاكسي والساعة التي بحوزتي، فقد كان كل همي أن أصل إلى المطار قبل موعد الحظر، سكت السائق الجورجي ولم يعلق.
فهمت من سكوته أنه لا يعرف أي شيء عن مصر، ولا أين تقع. حاولت تسهيل الأمر عليه، فقلت له: "مصر الفراعنة، صاحبة أقدم حضارة في التاريخ، لديها حضارة يتجاوز عمرها أكثر من سبعة آلاف سنة"، فنظر إلي ولم يعلق، وأومأ برأسه في إشارة إلى أنه لم يفهم بعد عما أتكلم.
عدت وسألته: هل سمعت عن القاهرة والأهرامات وأبو الهول والأقصر وأسوان وشرم الشيخ والإسكندرية التي بناها الإسكندر الأكبر؟ واصل سكوته مع اظهار علامات تشي بالحيرة وعدم المعرفة.
فجأة وجدت عينيه تبرقان وابتسامة عريضة تملأ وجهه وترتسم على شفتيه، وقال بصوت عال كله حماس: "موووووو صلاح". قالها ثلاث مرات، ضحكت معه وقلت له: "نعم مووووو صلاح من مصر".
ساعتها راح يحكي لي عن أبرز الأهداف التي حققها نجم كرة القدم الشهير محمد صلاح مهاجم نادي ليفربول، وكيف أنه هز شباك مانشستر سيتي وغيره من الأندية الأوربية الكبرى. ويواصل: "صلاح أفضل لاعب في العالم، أفضل من ميسي ورونالدو، يعرف كيف يصطاد الهدف، أيضا أخلاقه عالية".
سألني: أين تتجه؟ قلت له الدوحة، عاد لحالة السكوت مرة أخرى ونظر إلى طالبا وكأنه يطلب مساعدته في التعرف عليها.
وحتى أقطع الطريق عليه، قلت له إنها عاصمة الدولة التي تستضيف مونديال كأس العالم 2022، وأنها أول دولة عربية وأسيوية تستضيف هذا الحدث الرياضي العالمي، إنها دولة تقع في منطقة الخليج التي تتدفق عليها العمالة من كل دول العالم باحثة عن فرصة عمل هناك.
أومأ برأسه وقال "تذكرتها.. قرأت عنها في الأخبار وبحثت عنها في المواقع". عاد يسألني عن استعدادات الدوحة لاستضافة مونديال 2022، ولم كل هذه الهجمة من وسائل الاعلام الإعلامية على استضافتها لكأس العالم.
قلت له إنها حملات من دول سعت إلى الفوز بالحدث المونديالي وفشلت، أو دول تحاول ابتزاز قطر أو الحصول منها على صفقات ومكاسب مالية مثل شحنات الغاز الطبيعي المجانية وغيرها.
قال إنه يتمنى المشاركة في مونديال 2022، لكن الدخل لا يكفي، فقد تراجعت أحواله المعيشية بسبب تفشي وباء كورونا، وانخفاض الدخل، وزيادة معدل التضخم. لم نعد نعمل في ظل إصابة قطاع السياحة بالشلل بسبب حظر التجوال وإغلاق المطارات والحدود في بعض الاوقات، وبقاء الناس في منازلها لشهور دون عمل، وتوسع موظفي الشركات في العمل من المنزل، الحياة باتت صعبة.
وبينما كان يواصل الشكوى من سوء حالته المعيشية وتراجع دخله الشهري، كانت أضواء مطار تبليسي قد ظهرت على بعد أقل من كيلومتر، هنا نظرت في الساعة فقد كانت تقترب من الحادية عشر، أخرجت بطاقتي الائتمانية بسرعة لسداد أجرة التاكسي قبل أن يتوقف، وبسرعة وضعت قدماي وحقائبي داخل المطار قبل فرض حظر التجوال.