تشهد أسواق السلع الغذائية في مصر ارتفاعاً حاداً في الأسعار، بينما تستعد ملايين الأسر لعودة أبنائهم إلى المدارس والجامعات هذا الشهر، ما يفاقم الأعباء المعيشية التي ثقلت كثيراً في الأشهر الماضية وسط موجات الغلاء المتتالية.
كشفت مصانع المواد الغذائية وكبار الموردين للسلع الأساسية، عن قوائم أسعار بيع المنتجات الغذائية في المحلات ومعارض البيع، اعتباراً من الأول من سبتمبر/أيلول الجاري. إذ ألزم المنتجون والموزعون فروع البيع، بقوائم الأسعار الجديدة، التي شملت الألبان والأجبان واللحوم والزيوت والحلويات، وهي أكثر المنتجات طلباً من الأسر في فترة العودة للمدارس.
جاءت الألبان المعبأة، على قمة المنتجات التي تقرر رفع أسعارها، ليتراوح سعر العبوة وزن 1.5 كيلوغرام بين 44 جنيهاً (1.41 دولار) و55 جنيهاً (1.77 دولار) بزيادة بلغت نسبتها 25%، ووزن الكيلوغرام من 32 جنيهاً إلى 38 جنيهاً، ونصف الكيلو من 12 جنيهاً إلى 16 جنيها.
وارتفعت الأجبان البيضاء بنسبة 20% عن معدلاتها السائدة نهاية أغسطس/آب عند مستوى يتراوح ما بين 130 و150 جنيهاً للكيلوغرام. وزادت العصائر بقيمة جنيه للعبوة الصغيرة وزن 200 غرام، و5 جنيهات في العبوة وزن كيلوغرام، ليصل متوسط السعر إلى 35 جنيهاً للعبوة.
وجاءت الزيادة الأعلى في بيض المائدة بقيمة 20 جنيها للطبق، حيث بدأت المعارض في طرح طبق البيض بسعر 140 جنيها في المتوسط، اعتباراً من نهاية الأسبوع الماضي، ليرتفع إلى 150 جنيهاً للبيض البلدي والمغلف.
كما زاد سعر علبة التونة من 22 جنيها إلى 25.5 جنيها وزن 200 غرام، وزادت أسعار قطع الحلوى المدرسية بالشكولاتة، ما بين 20% إلى 30%، ترتفع إلى 40% بالنسبة للمنتجات المستوردة.
ارتفع سعر كيلو سمك الماكريل المجمد من 130 إلى 180 جنيها، والبلطي البلدي الطازج من 80 إلى 90 جنيها، والبوري من 140 إلى 180 جنيها. وشملت الزيادة كافة الأسماك البحرية والمستوردة، التي تباع وفقا لحالة الندرة وكثافة العرض في الأسواق الشعبية والساحات المتخصصة.
قال حازم المنوفي، نائب رئيس الغرفة التجارية في الإسكندرية، لـ"العربي الجديد"، في تعليقه على قوائم الأسعار الجديدة إن "ارتفاع أسعار المواد الغذائية إجراء مؤقت"، مطالبا الجمهور بعدم التوسع في عمليات الشراء، عدا الاستهلاك اليومي، للحد من الطلب وتوجه الأسعار إلى مزيد من موجات الغلاء.
ويعتبر التجار الدولار مفتاح شفرة موجات الغلاء، التي تشهدها الأسواق، مع استمرار تدهور الجنيه أمام الدولار، ووجود حالة من الترقب لتعويم جديد للجنيه. وتتأثر الأسواق بحالة عدم اليقين التي تسود الأسواق، مع انتشار تقارير مؤسسات تمويل دولية وآراء خبراء بأن مرحلة التعويم الجديدة قادمة لا محالة، حيث يفقد الجنيه أكثر من 20% من قيمته دفعة واحدة، مقابل العملات الصعبة.
بينما تقول رئاسة الجمهورية في المقابل إنها لن تقبل بتعويم جديد للجنيه، خشية تأثيره السلبي على موجات الغلاء في ظل تدهور دخل الأفراد والأسر، في وقت تواجه السلطة ضغوطاً شديدة من صندوق النقد والدول الداعمة للنظام، تستهدف سرعة وضع سعر صرف مرن للعملة، يؤدي تلقائيا إلى تخفيض قيمة الجنيه، وتوحيد سعر الصرف في البنوك، ليواكب سعره الحقيقي في السوق الموازية وتعاملات التجار للعقود الآنية.
يباع الدولار بنحو 31 جنيها في البنوك الرسمية، بينما بلغ 41.5 جنيها في السوق السوداء، ويصل إلى 46 جنيها في تعاملات العقود الآجلة بين تجار السلع الغذائية والذهب لعقود تصل إلى 3 أشهر فقط.
ووعد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء في اجتماعه، مساء الثلاثاء الماضي، مع أعضاء وزارته ومحافظ البنك المركزي، بأن تعمل الحكومة على توفير مخزون كاف من السلع الاستراتيجية، كالحبوب وزيوت الطعام واللحوم بأسعار مناسبة. بينما سبقه علي مصيلحي وزير التموين بقرار منفرد، برفع توزيع الأزر على بطاقات الدعم التمويني، المسعر بـ 14 جنيها، ليباع لدى المجمعات العامة بسعر 22 جنيها. وأدى القرار الذي أطلقه وزير التموين إلى ارتفاع فوري في سعر الأرز بالقطاع الخاص من 26 جنيهاً للكيلوغرام إلى 30 جنيهاً، ووصل إلى 34 جنيهاً للعبوة المعبأة.
وتعهد رئيس الوزراء بتوفير النقد الأجنبي لاستيراد احتياجات المواطنين من السلع الأساسية المكدسة في الموانئ، بقيمة تزيد عن 6 مليارات دولار، وفقا لبيانات الغرفة التجارية والصناعية.
وتروج الصحف الرسمية لأفكار يطرحها خبراء على الأسر المصرية، لمواجهة الغلاء الذي تضاعف، ويضغط على حياة المواطنين. ويراهن الخبراء على دور المرأة في العبور من نفق الأزمة المالية الطاحنة، بترشيد استهلاك الأطعمة والكهرباء والغاز، وتقسيم الدخل الشهري على البنود الأساسية، من مأكل ومسكن وتعليم فقط، ومنع شراء الطعام من المطاعم، واستبدال اللحوم بالبروتين النباتي، والبحث عن فرص عمل إضافية تمكنها من تدبير احتياجات أولادها.
وفاقت معدلات زيادة أسعار السلع الأساسية نحو 96%، خلال الفترة من يوليو/تموز 2022 إلى نفس الشهر من العام الجاري، حيث رصد جهاز التعبئة والإحصاء الحكومي ارتفاع معدل التضخم السنوي بشكل عام في يوليو/تموز بنسبة 38.2% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ويشير تقرير برنامج الغذاء العالمي، إلى ارتفاع أسعار الغذاء في منطقة الشرق الأوسط، من بينها مصر، بنحو 30 ضعفاً خلال 13 عاما. وقالت كورين فلايشر، المدير الإقليمي للبرنامج التابع للأمم المتحدة، في تصريحات صحافية، نهاية أغسطس الماضي، إن تكلفة الوجبة التي كانت تباع بما يعادل دولارا زادت إلى 30 دولاراً، بما أوقع العديد من الدول في المنطقة في مشكلة سوء التغذية، ووجود ملايين السكان الذين لا يستطيعون الحصول على أكثر من وجبة يومياً.
ولا تلوح في الأفق أي بوادر لانحسار الأزمات المعيشية في مصر، وسط احتدام أزمة الدولار وتفاقم أعباء الديون التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. وخفضت وكالة كابيتال إنتليجنس للتصنيف الائتماني، تصنيف الديون المصرية طويلة الأجل بالعملتين المحلية والأجنبية من "B+" إلى "B".
وأشارت الوكالة في تقريرها الصادر يوم الجمعة، إلى أن الدين الخارجي يمثل نحو 43% من الناتج المحلي الإجمالي. وتوقعت تراجع الدعم الخارجي من المقرضين الرئيسيين مثل دول الخليج التي ربطت التمويل ببيع الأصول. كذلك ثبتت الوكالة تصنيف الديون قصيرة الأجل عند درجة "B". وتستهدف الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجاري 2023/2024، الذي بدأ في الأول من يوليو خفض معدلات الدين العام (الداخلي والخارجي) من 96% من إجمالي الناتج القومي إلى 93%، نهاية عام 2024.
وارتفع الدين الخارجي فقط إلى 165.4 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من السنة المالية 2022/2023، أواخر مارس/آذار الماضي، مقابل 162.9 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من السنة المالية ذاتها في ديسمبر/كانون الأول 2022، و145.5 مليار دولار بنهاية عام 2021.
وسددت مصر خلال العام الماضي ديونا خارجية بقيمة 24.5 مليار دولار، مقابل 21.8 مليار دولار سددتها خلال 2021. فيما يتوقع صندوق النقد الدولي وجود عجز في موارد العملة الصعبة، يقدر بنحو 18 مليار دولار سنوياً حتى عام 2026.
ويطلب الصندوق تغطية العجز عبر بيع المزيد من الشركات العامة والحكومية بقيمة 40 مليار دولار على الأقل خلال 4 سنوات، مقابل تعهد من الحكومة المصرية بعدم اللجوء إلى المزيد من القروض، حتى يضمن سداد مستحقاته المتراكمة.
بينما منح مجلس الوزراء وزارة المالية، الأربعاء الماضي، الضوء الأخضر لتنفيذ إصدار جديد من سندات الساموراي المقومة بالين الياباني بقيمة 500 مليون دولار لأجل خمس سنوات. وأصدرت مصر لأول مرة في مارس/آذار 2022، سندات ساموراي بقيمة 500 مليون دولار (نحو 60 مليار ين ياباني) من السندات المقومة بالين الياباني. وتخطط الحكومة أيضاً لبيع سندات الباندا المقومة باليوان الصيني لأول مرة، مع إصدار بقيمة 500 مليون دولار في طور التنفيذ.