ضربت أسواق المناطق لمحررة في شمال سورية موجات غلاء لمختلف السلع، الأمر الذي أدى إلى زيادة نسبة الفقر.
وفي هذا السياق، يختصر وزير الاقتصاد بالحكومة السورية المؤقتة (المعارضة للنظام)، عبد الحكيم المصري، أسباب زيادة نسبة الفقر بالمناطق المحررة، شمال غربي سورية بـ"زيادة البطالة وغلاء الأسعار وتدني الأجور"، مشيراً إلى أن متوسط أجر العامل لا يزيد عن 1500 ليرة تركية شهرياً (الدولار = نحو 18.2 ليرة تركية)، في حين تزيد مصاريف الأسرة، بحسب دراسة الوزارة، عن 4 آلاف ليرة تركية.
وأضاف: "تبقى بعض استثناءات الأجور المرتفعة، للعاملين مع منظمات دولية والتجار والذين لا تزيد نسبتهم عن 10%"، معتبراً أن نحو 90% من السوريين بتلك المناطق تعيش تحت خط الفقر.
وحول أسباب ارتفاع الأسعار يقول الوزير بالمعارضة لـ"العربي الجديد": "إضافة إلى التضخم الذي يجتاح العالم، خاصة بعد حرب روسيا على أوكرانيا، فقد زاد التعامل بالليرة التركية، من مستوى ارتفاع الأسعار، وحسب دراسة حول التضخم قامت بها وزارة الاقتصاد بالحكومة المعارضة، بلغ التضخم نصف السنوي لهذا العام 51% بالقياس على الليرة التركية، في حين لم يزد عن 14% بالنسبة للدولار".
وأوضح أن مناطق "درع الفرات وغصن الزيتون" التابعة للحكومة المؤقتة المعارضة، تتعامل بالليرتين التركية والسورية إضافة للدولار، في حين تتعامل مناطق حكومة الإنقاذ بمحافظة إدلب بالليرة التركية أولاً وبالدولار، ولم تعد تتعامل بالليرة السورية.
وبدأ تداول الليرة التركية بالمناطق المحررة السورية، منذ نهاية عام 2015 وقت تهاوي العملة السورية، من دون الاستغناء كاملاً عن النقد المحلي، وذلك حتى أواخر عام 2019 حين هوت العملة السورية إلى نحو 1000 ليرة للدولار الواحد، فتم الاستغناء عن التعامل بها في مناطق إدلب (حكومة الإنقاذ) في حين لم تزل قابلة للتداول بمناطق الباب وأعزاز (الحكومة المؤقتة).
ويشير الوزير خلال حديث خاص لـ"العربي الجديد" أن أبواب الاستيراد مفتوحة لجميع التجار، ليس من تركيا فقط، بل ومن أوروبا والصين وأميركا الجنوبية، لذا ترى بعض الأسعار أقل من الأسعار بتركيا، كالسكر مثلاً، مبيناً أن دور الحكومة المؤقتة في دعم المواطنين، يكمن بدعم الخبز أولاً "الربطة 1.5 كيلوغرام بسعر 2.5 ليرة تركية" ومن ثم بتخفيض الرسوم الجمركية للحد الأدنى، إذ تصل إلى أقل من 0.5% فالرسوم على طن الشعير لا تزيد عن نصف بالمائة ولا تزيد الرسوم على طن السكر 200 ليرة تركية.
ولأن غالبية سكان المنطقة تعمل بالزراعة، يضيف الوزير المصري أن الأعلاف توزع شبه مجانية، كما يتم استيراد الأدوية وتوزيعها على الفلاحين بأسعار تشجيعية، لأن رفع الإنتاج الزراعي يمثّل الحل الأمثل، سواء لزيادة فرص العمل أو لزيادة العرض السلعي بالسوق وبالتالي كسر حدة الأسعار.
ويقول العامل بالشأن الإغاثي محمود عبد الرحمن إن سعر ربطة الخبر زنة 1.5 كيلوغرام تباع بمناطق الحكومة المؤقتة بنحو 2.5 ليرة تركية، في حين يصل سعر ربطة الخبز زنة 500 غرام بمناطق حكومة الإنقاذ 5 ليرات تركية، لكن الخضر الموسمية بمناطق حكومة الإنقاذ، أقل سعراً من مناطق الحكومة المؤقتة.
لكن الفقر برأي العامل بالشأن الإغاثي عبد الرحمن هو السمة المشتركة بين السوريين بكلتا المنطقتين، فالكثافة السكانية "نحو 5 ملايين سوري بالمناطق المحررة" وقلة فرص العمل، حولت السوريين، بواقع الغلاء إلى فقراء، لأن العمل المتاح هو زراعي وبعض ترميم العقارات ولا يزيد أجر ساعة بالعمل الزراعي عن 2.5 ليرة تركية كما لا يزيد أجر العامل اليومي عن 50 ليرة.
يقول العامل بالشأن الإغاثي محمود عبد الرحمن إن سعر ربطة الخبر زنة 1.5 كيلوغرام تباع بمناطق الحكومة المؤقتة بنحو 2.5 ليرة تركية
ويضيف العامل الإغاثي من مدينة سرمين بمحافظة إدلب لـ"العربي الجديد" أن تراجع الإغاثة الدولية زاد من معاناة السوريين بالمناطق المحررة، إذ في السابق كانت المساعدات الإغاثية شهرية ومنتظمة، لكنها هذا العام لا تأتي كل ستة أشهر ولبعض الناس بكميات قليلة، ولولا تحويلات المغتربين من الخارج "خاصة تركيا" لمات الناس من الجوع "بمعنى الكلمة"، لأن الحد الأدنى لإنفاق الأسرة لا يقل عن 4 آلاف ليرة تركية، في حين لا تزيد الدخول "لمن يجد عملاً" عن 1500 ليرة تركية.
وحول مستوى الأسعار بالمناطق المحرر يشير المتحدث إلى أن سعر كيلو البندورة 7 ليرات تركية والخيار 4 ليرات والسكر 16 ليرة، لكن أسعار المشتقات النفطية مرتفعة جداً "مازوت 15 ليرة وبنزين 24 ليرة".
وكان فريق "منسقو الاستجابة" قد أكد أنه بسبب ضعف الاستجابة من قبل المنظمات والمؤسسات الإنسانية ووصول العجز الأساسي لعمليات الاستجابة الإنسانية إلى 60.7%، ارتفع حد الفقر والجوع في منطقة شمال غربي سورية، خلال شهر آب/ أغسطس الجاري، إلى 4354 ليرة تركية، وارتفع حد الفقر المدقع إلى قيمة 3218 ليرة تركية.
وأشار الفريق خلال بيان مؤخراً إلى أنّ الزيادات في الأجور نتيجة تغير أسعار الصرف، لم تكن بحسب زيادات الأسعار، بل بقيت محدودة مع انخفاض واضح عن الشهر السابق.
وحسب "الفريق" بلغت نسبة التضخم على أساس سنوي بالمناطق المحررة نحو 62.4% بعد أن سجلت أسعار الغذاء ارتفاعاً بنسبة 26.3%، وأسعار الحبوب بنسبة 19.4%.
ويقول الاقتصادي السوري محمود حسين إنّ أهم مصدرين لسكان المناطق المحررة، هما، أولاً التحويلات الخارجية من ذويهم ببلاد المهجر، وقد تراجعت التحويلات هذا العام، بسبب التضخم العالمي ومعاناة المهاجرين حتى، خصوصاً في تركيا، ما انعكس مباشرة على واقع المعيشة لسكان شمال غربي سورية.
والمصدر الثاني، حسب الاقتصادي السوري لـ"العربي الجديد"، هو المساعدات الدولية، والتي تأثرت بشكل كبير وتراجعت بنسب بين 60% بالنسبة لخارج المخيمات ونحو 40% بالنسبة لسكان المخيمات.