ليس العجز الكبير الذي قد يصل لنحو 500 مليار جنيه (27.7 مليار دولار) هو السمة الأبرز في موازنة مصر الجديدة لعام 2017 - 2018 التي سيبدأ العمل بها بداية يوليو/ تموز القادم، وليس تجاوز حجم الموازنة رقم التريليون جنيه للمرة الأولى في تاريخ البلاد هو السمة الثانية، وليس سعر الدولار المرتفع البالغ 16 جنيهاً، وزيادة سعر برميل النفط إلى 57 دولارا، أو معدل النمو المستهدف بنحو 4.8% هي السمات الأخرى الأبرز.
فهناك سمات أخطر، أبرزها مزيد من اعتماد الحكومة على الاقتراض الخارجي والمحلي في سد عجز الموازنة، وفرض مزيد من الأعباء على المواطن والموظف بالدولة، وخفض دعم السلع والخدمات الرئيسية، مثل الوقود والمياه والكهرباء والنقل والإسكان، وتخصيص مزيد من موارد الضرائب لإقامة السجون، ومنح مكافآت إضافية للقضاة والشرطة وغيرهم.
ورغم أن الموازنة الجديدة تفرض على المواطن أعباء مالية ومعيشية لا قبل له بها حيث تشهد زيادة في أسعار السلع، إلا أنها تشهد مزيداً من العجز المزمن رغم أن الحكومة طرحت برنامجا للإصلاح الاقتصادي هدفه الأول هو تقليص العجز والحد من الاقتراض.
وحسب أحمد كوجك، نائب وزير المالية، فإن الحكومة ستقترض 9 مليارات دولار من الخارج في العام المالي الجديد ما بين سندات دولية وقروض مباشرة.
في المقابل، لا نجد في الموازنة الجديدة اهتماما بالقطاعات الإنتاجية، خاصة الصناعة والتصدير والسياحة، فالحكومة لم تدرج مخصصات لإعادة فتح آلاف المصانع المغلقة منذ سنوات ومساعدة أصحابها على تجاوز الأزمات المالية التي دفعتهم لإغلاق أبوابها وطرد العمال، ولم تخصص الحكومة مليارات الجنيهات لتمويل إقامة ألف مصنع جديد، وهو المشروع الذي تعهد به السيسي قبيل الانتخابات الرئاسية.
ما نلحظه في الموازنة الجديدة هو حدوث مزيد من الأعباء على المواطن، وزيادة حصيلة الضرائب التي سيتم جمعها منه في العام الجديد بقيمة 500 مليار جنيه، وبزيادة 67 مليار جنيه عن العام المالي الحالي، وزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 14%، وهذا ستترتب عليه زيادة كل أسعار السلع.
كما نلحظ أيضاً في موازنة العام الجديد زيادة الإنفاق على الأمن وإقامة سجون جديدة، فقد كشف مصدر أمني عن مشروع حكومي لبناء مجمع سجون جديد على مساحة 200 فدان، جنوب البلاد، وبكلفة 1.5 مليار جنيه، كما تم بناء 11 سجنا خلال سنتين. وشهد عام 2015 فقط، بناء 5 سجون جديدة بكلفة 1.2 مليار جنيه.
خفض الدعم، وزيادة الضرائب ورفع أسعار الوقود مثل البنزين والسولار والغاز بنسبة 40% في يوليو/ تموز القادم هي أبرز ملامح الموازنة الجديدة، والمواطن هو من سيحمل الفاتورة كالعادة.
ببساطة، موازنة مصر الجديدة لا تعرف حقوق الفقراء، بل تدهسهم وبقوة، ولم تجب على التسريبات أو الأسئلة المعلقة، وأبرزها: أين أنفقت المساعدات الخليجية والتي قدرتها مصادر حكومية بنحو 30 مليار دولار، في حين قدرتها مصادر غير رسمية بنحو 60 مليار دولار، وما هو مصير الوفر الذي تحقق للموازنة في آخر عامين من تراجع أسعار النفط والغذاء، وأين اختفت الـ 32.5 مليار جنيه من موازنة عام واحد هو 2015؟