لا يبدو أن مرحلة الريبة ستفارق اقتصاد السودان وموازنته، رغم إعادة عبد الله حمدوك إلى رئاسة الحكومة بمقتضى اتفاق مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ما يعيد البلد إلى نقطة الصفر وفق محللين اقتصاديين، إذ سيظل موقف الترقب الذي تبناه المانحون الدوليون هو السائد لفترات ليست بالقصيرة.
ولم تمضِ ساعات على عودته إلى رئاسة مجلس الوزراء، حتى أعلن حمدوك أن موازنة 2022 ستمضي في نهج الإصلاح الاقتصادي وفتح الاستثمار، لكن اقتصاديين شككوا في إمكانية تحقيق هذا الهدف في ظل التعقيدات السياسية التي تمر بها البلاد، مطالبين بإعداد "موازنة طوارئ" حتى تستقر الأوضاع، خاصة أن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي قالت إن هذه الموازنة ستكون "صفرية" من دون الاعتماد على المنح والقروض وقدرت العجز بحوالي 40% وأنها ستعتمد بصورة كبيرة على الموارد المحلية.
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد الطيب السماني في حديث مع "العربي الجديد" أنه "يجب إعداد موازنة إسعافية ربع سنوية إلى حين استقرار الأوضاع السياسية في البلاد".
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي عادل خلف الله، أن الظرف الذي يمر به السودان حاليا معقد ما يفقده الكثير من الإيرادات، والعجز الذي تم تقديره متواضع جداً"، مضيفا أن "الانفتاح الذي حققته الحكومة الانتقالية بجهد وتضحيات الشعب الذي وصل لإسقاط العقوبات وخروج البلاد من قائمة الإرهاب والاستفادة من برامج دولية وحتى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ذهب سدى".
ويتابع أن "الانقلاب دفع البلاد إلى تأزيم الأوضاع الاجتماعية، حيث سنشهد أكبر عجز في إعداد موازنة في تاريخ السودان"، مشيرا إلى أن هناك عدة مصادر لتغطية العجز، ولكنها ستؤدي إلى زيادة الأعباء المعيشية من بينها طباعة النقود.
ويتوقع أن يشهد العام المقبل تراجعاً في الإيرادات، وارتفاعاً في الإنفاق بسبب الرشاوى السياسية لكسب بعض الأطراف".
بدوره، يقول الخبير المصرفي محمد الجاك، إن أي محاولة للاعتماد على موارد محلية مثل طباعة النقود سوف يعيد الأزمة إلى ما كانت عليه في السابق، مضيفا أنه إذا سار تشكيل الحكومة المدنية وفقا لما طلبه المجتمع الدولي والدول التي شهدت على الوثيقة الدستورية التي عاد بمقتضاها حمدوك، يمكن رفع التجميد عن الدعم الخارجي، ولكن إذا أوقفت الدول المانحة تمويلاتها فإن ذلك سيعيد البلاد إلى ما قبل الثورة عام 2019.
وكانت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي أعدت قبل الانقلاب مسودة موازنة 2022 قالت إنها تتميز عن غيرها بتوجيه الموارد المالية بشكل أمثل، بما يضمن خفض نسب الفقر وزيادة الدخل وتوجيه القطاعات الاقتصادية والإنتاجية لانتهاج إدارة فاعلة لتحقيق التوازن المالي وتعزيز التحول الاقتصادي من أجل تحقيق نمو شامل.
ويدفع فقراء السودان الثمن الأفدح للاضطرابات السياسية والأمنية، إذ تم تجميد المساعدات لملايين المواطنين بسبب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في وقت اشتدت وطأة الغلاء والأزمات المعيشية.
وتسبب تعليق أنشطة البنك الدولي في أعقاب الانقلاب على السلطة المدنية، في تجميد فوري لتمويل برنامج دعم الأسر السودانية (ثمرات).
وكان البرنامج قد تم طرحه خلال مؤتمر شركاء السودان رفيع المستوى الذي عقد في برلين خلال يونيو/ حزيران من العام الماضي، بهدف دعم الأسر السودانية المتأثرة بالأزمة الاقتصادية والتي تفاقمت بسبب الإصلاحات الاقتصادية.
وحسب تقديرات حكومية سابقة، تبلغ التكلفة السنوية لبرنامج دعم الأسر "ثمرات" نحو 1.9 مليار دولار، ويوفر البرنامج 5 دولارات لكل شخص مستحق في الأسرة في البداية لمدة ستة أشهر حال توفر التمويل، على أن يتم تكثيف التحويلات حتى 12 شهرا بهدف الوصول في نهاية المطاف إلى 80% من السكان، أو ما يقرب من 32 مليون مواطن سوداني.
وتتضارب الإحصائيات الحكومية والدولية حول نسبة الفقر في السودان، فبينما تقول تقارير الأمم المتحدة إن 46.5% من سكان الدولة يعيشون دون خط الفقر، تقول دراسة حكومية أجريت عام 2017 إن الفقر تراجع إلى 36.1%.
وحسب بيانات رسمية، بلغ معدل التضخم في السودان خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، 365.8%، مقارنة بـ387.5% في أغسطس/ آب، وهو ما يشكك فيه خبراء اقتصاد في ظل تصاعد الغلاء مع ارتفاع أسعار الطاقة وموجة التضخم العالمية. وكانت البلاد قد سجلت في شهر يونيو/حزيران واحدة من أعلى نسب التضخم في العالم عند 442.78%.