منصة مصرف لبنان: آلية تنظيم سوق النقد بلا جدوى

29 مايو 2021
+ الخط -

مرّ أسبوعٌ على إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن البنك المركزي سيقوم بعمليات بيع الدولار الأميركي للمصارف المشاركة على منصة "صيرفة" بسعر 12 ألف ليرة لبنانية، وما يزال سعر الصرف يسجّل ارتفاعاً تجاوز الجمعة حاجز الـ13 ألف ليرة.

ويلفت الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "مصرف لبنان يريد التدخل لضخّ الأموال في الأسواق وجذب بعض حملة الدولارات، سواء في المنازل أو التي تأتي من الخارج بالدخول إلى المنصة وبيع دولاراتهم بسعر 12 ألف ليرة".

ويتابع "أعتقد أن سلامة يريد أن يجفف حجم الليرة اللبنانية الموجودة في الأسواق والتي توازي بالدولار 5.5 مليارات، جزء منها موجود ورقياً مع الناس وفي منازلهم وصناديق المصارف، والجزء الآخر في حسابات الناس لدى المصارف بالليرة اللبنانية".

ويشرح حمود أنه "إذا باع مصرف لبنان مليارا أو مليارين أو ثلاثة مليارات دولار خلال سنة كاملة يستطيع أن يجفف السوق من السيولة بالليرة اللبنانية، الأمر الذي يؤدي حتماً إلى انقطاع أو شحّ في العملة الوطنية، وعندها يلجأ الناس إلى بيع الدولار للحصول على الليرة، ما سيخفض سعر صرف الدولار".

ويسأل: "قد تنجح الخطة ولكن السؤال الأهم كم ستدوم مفاعيلها؟ حيث إن الدولة اللبنانية لديها مصاريف شهرية وتدفع رواتب الموظفين بالليرة، والمودعون يسحبون دولاراتهم على سعر 3900 ليرة، وهي إجراءات تساهم في ضخ الليرة في الأسواق، ما يعني أن النتيجة إذا تم التوصل إليها ستكون محدودة المدة".

لا ثقة

من ناحية ثانية، يشدد حمود على أن "أي خطة أو محاولة أو إجراء لا يمكن أن ينجح من دون أن يترافق مع استقرار سياسي ولا سيما تشكيل حكومة جديدة، ما يعطي نوعاً من الثقة المطلوبة في السوق، بيد أنه لا توجد آفاق لتشكيل حكومة أو الوصول إلى استقرار سياسي قريباً".

ويتمنى الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف أن "تنجح خطوة مصرف لبنان ويصبح قادراً على التحكم بالسوق، خصوصاً أن المحاولات دائماً مطلوبة بدل الوقوف جانباً والتفرّج، ولكنها تحتم في المقابل تشكيل حكومة بالدرجة الأولى، وإلا سنكون أمام استقرار مؤقتٍ وعودة إلى العاصفة بعد حين".

ويلفت حمود إلى أن المصارف التي تريد شراء الدولار من البنك المركزي عليها أن تقدم له كامل التفاصيل حول الأطراف التي ستشتري بدورها العملة الصعبة وكيفية الدفع والغرض من التحويل، علماً انّ كل عملية بيع أو شراء غير حرّة أي مقيدة لا يمكن أن تكون بديلاً عن السوق الحرة بكل ما للكلمة من معنى حتى لو اسمها "سوداء"، باعتبار أن أي شخص يريد أن يحصل على الدولار لن يقف في الصف وينتظر دوره ويقدّم في كل مرة بيانات إلى المصارف عند كل عملية شراء، في حين أن السوق السوداء "حرة" وهذه أيضاً ثغرة تقيّد عمل المنصة.

ويؤكد حمود أنه "تربينا وعملنا في قطاع مصرفي عنوانه الأساسي السوق الحرّة والاقتصاد الحرّ ولم يمر لبنان في تاريخه في مراحل تفرض القيود على التحويل النقدي، وبالتالي فالمنصة تجربة أولى ودائماً هذه التجارب لا تحقق النجاح الباهر وتبقى في إطار المحاولة".

تجارب تقنية

ويقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل لـ"العربي الجديد" إن "المنصة ما تزال تحت التجارب التقنية، والمصارف بدأت تتلقى الطلبات لشراء الدولار، وسيؤمن مصرف لبنان السيولة على أن تدفع لدى المصارف المراسلة، ونحن بانتظار ما ستؤول إليه الأمور الأسبوع المقبل".

ويلفت غبريل إلى أنّ "المصارف لها الحق بقبول طلبات المواطنين أو جزء منها انطلاقاً من معايير ومواصفات محدّدة، ومن الطبيعي أن تبدأ بالتجار الذي يحتاجون إلى الدولار لشراء البضائع المستوردة أكثر من الأفراد".

ويشير إلى أن "من الأهداف الأساسية للمنصة، استقطاب الدولارات من السوق السوداء والمنازل حتى تلك التي تأتي من الخارج عن طريق المغتربين المتوقع مجيئهم هذا الصيف".

ويلفت إلى أن هذا الأمر "يمنع تدهور سعر صرف الليرة في السوق الموازية، عبر تخفيض الاعتماد واللجوء إلى السوق السوداء، مع إضفاء شفافية في الطلب على الدولار لجهة تقديم معلومات ومستندات حول الغرض منه ووجهة الأموال، بالإضافة إلى تحديد سعر منطقي للصرف".

في المقابل، يعتبر غبريل أن "مصرف لبنان لا يملك عصا سحرية لمشكلة تعدد سعر صرف الدولار وإلغاء السوق الموازية، فهذه الأهداف تتطلب حكومة جديدة واستقراراً سياسياً، وبرنامجاً إصلاحياً متكاملاً يعالج الاختلالات في المالية العامة، وإعادة هيكلة القطاع العام، والذهاب إلى محادثات مع صندوق النقد الدولي لتوقيع اتفاق تمويلي يعطي مصداقية للمشروع الإصلاحي وانضباط لتطبيق البرنامج، وغيرها من الخطوات والإجراءات لتوحيد سعر الصرف".

وفقاً لذلك، فإن "توقعاتنا للمنصة واقعية ومتواضعة، وهي تأتي لتعبئة جزء من الفراغ الذي تركته السلطة السياسية رغم تراكم الأزمات"، يضيف غبريل.

لا جدوى منها

بدورها، تطرح الخبيرة الاقتصادية ليال منصور لـ"العربي الجديد" غايات عدّة للمنصة التي تعتبر أن "لا جدوى منها في السوق النقدية، ولكن يمكن أن يتم استخدام البيانات والمستندات التي يتم تقديمها للمصارف في إطار داتا يمكن أن تميز بين مستخدمي الدولار على صعيد التجار والأفراد، وبالتالي من هي الفئة التي تشتريه".

وتضيف منصور، "في المقابل، لا يمكن أن تُتخذ المنصة حلاً للسياسة المالية أو الاقتصادية، فهي أشبه بالدواء الذي يخفف الوجع مؤقتاً وليست علاجاً من مرض مزمن، من هنا لن تؤدي المنصة إلى تخفيض سعر الصرف في السوق ولن تنعكس إيجاباً على أسعار البضائع".

وتشرح أن المنصة "لن تكون علاجاً للأزمة النقدية، لأن الطلب على الدولار أكثر من الكميات الموجودة، والسوق لن تتشبع من الدولارات مهما كان حجم ضخها". وتوضح منصور أنها ترفض استخدام عبارة السوق السوداء، وتصرّ على وضعها في خانة "سوق الصراف" باعتبار أن السعر الحقيقي لليرة هو أدنى من السعر الحالي السائد في السوق الموازية.

وتؤكد الخبيرة الاقتصادية أن "الحل النقدي يجب أن يكون مرتبطاً بحالة اقتصادية وسياسية وجيو سياسية مستقرة، مع إجراءات اقتصادية جدية وتدابير فاعلة لمكافحة الفساد، مروراً بإجراءات دمج بعض المصارف أو حتى خروج بعضها من السوق، تمهيداً لاستعادة الثقة وإعادة تدفق الدولارات من الخارج".

وتعتبر أنه "منذ سنة وثلاثة أشهر لم يصدر أي مرسوم من البنك المركزي يعالج فعلياً الأزمة النقدية، ولا يوجد أي مرسوم يُصنَّف كجزء من السياسة المالية للدولة، وهي مؤشرات تدل جميعها على أن مسار الدولار العام سيبقى تصاعدياً، وإن انخفض لفترات محدودة".

المساهمون