أدى قرار أعضاء تحالف منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" والدول المتحالفة معها بقيادة روسيا فيما يُعرف بـ"أوبك+"، بمزيد من الخفض الطوعي لإنتاج النفط بداية من مايو/أيار المقبل، إلى ارتفاع أسعار الخام، وصب مزيد من الزيت على الغضب الأميركي على التحالف النفطي.
وعاد مشروع قانون "نوبك" أو "لا لأوبك" (Nopic) للظهور مرة أخرى، وهو المشروع الذي إذا تم إقراره فسوف يمكّن الإدارة الأميركية من مقاضاة منتجي النفط في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وعلى رأسهم السعودية، بتهمة "التلاعب في الأسعار"، وهو المشروع الذي تكررت محاولات تمريره في الكونغرس منذ عام 2000 دون نجاح حتى اليوم.
ويثير هذا التكرار على مدى أكثر من عقدين قلق السعودية، الرئيس الفعلي لـ"أوبك"، ويدفع الرياض إلى الضغط بشدة في كل مرة يتم فيها طرح مشروع القانون الأميركي.
من جانبه، رد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان على أي احتمال لتمرير مشروع القانون بالقول لموقع مؤسسة "إنرجي إنتليجنس" العالمية، المتخصصة في معلومات الطاقة: "إننا سنوقف صادرات النفط حال فرض سقف سعري على إمداداتنا للأسواق العالمية".
بينما قال الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك"، جمال اللوغاني، الاثنين الماضي، إن مشروع قانون "نوبك" سيؤدي في حال إقراره من قبل السلطات الأميركية إلى عجز الإمدادات عن تلبية الطلب المستقبلي في سوق النفط العالمية بشكل ملحوظ.
واتفقت دول "أوبك+" في اجتماعها الأخير على زيادة تخفيضات إنتاج النفط الخام إلى 3.66 ملايين برميل يوميا أو 3.7% من الطلب العالمي.
هزة في السوق العالمية
ويرى الخبير الاقتصادي سليمان العساف، أن "الرد السعودي على التهديد الأميركي يستند على ما تملكه المملكة من تأثير مهم في سوق الطاقة العالمية، وهي تعي ما تقول وتعلم قدرتها".
وأشار العساف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تنفيذ السعودية لتهديدها بمزيد من خفض الإنتاج من شأنه إحداث هزة كبيرة في سوق الطاقة العالمية، إذ سيؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، وهو ما سيمثل تأثيرا سلبيا للدول المستهلكة، بينما سيكون إيجابيا للغاية بالنسبة للسعودية من منظور مالي".
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن "السعودية تملك البدائل الجاهزة والسريعة حال اتخاذ قرار بوقف إمدادات النفط عن الدول التي تفرض سقفا سعريا، إذ لديها أسواق كبيرة ومتنوعة، ولم تعد تعتمد على الولايات المتحدة كمستورد رئيسي، كما كان الحال في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي".
ويضيف العساف أن "السعودية وجدت البدائل في أسواق أخرى، لا سيما السوقين الصينية والهندية، ولذا فإن الاعتماد على السوق الأميركية لم يعد قائما، وبالتالي تستطيع المملكة ترتيب أولوياتها".
ويشير المتحدث ذاته إلى أن رؤية 2030 الاستراتيجية تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط اقتصاديا، ليكون أحد مداخيل الدولة، بنسبة 20%، وليس المدخول الرئيسي، بنسبة 80% كما كان الحال في السابق.
دفاع عن المصالح
وفي السياق، يرى الخبير في الاقتصاد السياسي، أحمد ياسين، أن "الرد السعودي يأتي في إطار متوقع، لأن قرار دول مجموعة السبع الكبرى بتحديد سقف سعري للنفط والغاز الروسيين لم يكن موجها ضد روسيا وحدها، بل إلى كل الدول المصدرة للنفط والغاز، ومن هنا فإن السعودية تدافع، بتهديدها الخاص بوقف الإمدادات، عن مصالحها ومصالح باقي الدول المصدرة للطاقة، وفق تراتبية منطقية مفادها أن البائع هو من يحدد السعر وليس المشتري".
ويتوقع ياسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تتراجع الدول الغربية عن السعي لتحديد سقوف سعرية للنفط والغاز، وأضاف أن الدول المصدرة للنفط، وعلى رأسها روسيا والسعودية، استطاعت تنويع أسواق التصدير النفطي خلال الفترة الماضية، كما أنها قادرة على وقف الإمدادات فعليا، وهو من شأنه التأثير بقوة على مصالح مستوردي الطاقة.