سافرت إلى الولايات المتحدة لإلقاء محاضرات، والالتقاء بعاملين في وزارة الخارجية، والأمن القومي الأميركي، ومراكز البحوث، في الوقت الذي وصل فيه الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن للقاء رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، وعدد من كبار المسؤولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية هُناك. ويبدو أن الرحلة، كما وصفها لي مَن التقيت بهم جميعاً وبدون استثناء، كانت ناجحة.
وحتى المقالات التي تناولت الزيارة الملكية، ونشرت في صحف رئيسية، مثل واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، قد عكست هذه الحقيقة.
ويعود السبب الرئيسي في النجاح إلى استعادة الأردن وملك الأردن موقعيهما الهامين في اعتبارات الولايات المتحدة لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
والواقع أن الرحلة قد نجحت قبل أن تبدأ. فمن ناحية، سَّربت الصحف الإسرائيلية اللقاء غير المعلن عنه بين الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت.
وقد تبين من لقاء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع رئيس الوزراء البديل، وزير الخارجية الإسرائيلي يئير ليبد، أن الجانبين قد اتفقا على عدد من الأمور، معظمها اقتصادي معيشي، مثل بيع إسرائيل 50 مليون متر مكعب إضافية من المياه تُضخ إلى الأردن من بحيرة طبريا. ومع أن السعر لم يُعلن، إلا أن مصادر قالت إن سعر المتر المكعب سيكون في حدود 0.6 دولار.
وكذلك اتفق الجانبان على زيادة صادرات الأردن إلى الضفة الغربية بمقدار 300 مليون دولار في السنة، إضافة إلى 150 مليون أخرى أو أكثر قليلاً، شريطة أن تكون مواصفاتها مطابقة للمواصفات الإسرائيلية. وقد اعتبرت هذه اللقاءات والاتفاقات صالحة للأردن، ومساعدة له على مواجهة التحدّي الاقتصادي الذي يواجهه.
ولكن بعد لقاء الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله مع الرئيس بايدن، نشر البيت الأبيض بياناً، وكذلك تسرّبت أخبار في الصحف الأميركية تؤكد أن الملك عبد الله الثاني طلب من الرئيس الأميركي دعم حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والتي تسعى إلى أن تستعيد حرية القرار فيها بعيداً عن تدخلات الجيران، خصوصا الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويبدو أن هذا الطلب لقي أذناً صاغية من الإدارة الأميركية.
ولكن لم تذكر تفاصيل عن أسلوب الدعم الأميركي لحكومة الكاظمي. والنقطة الثانية أن الملك عبد الله الثاني قد أثار موضوع رفع القيود عن الاقتصاد السوري، ودعا إلى عقد مؤتمر لإعادة إعمار سورية، يكون فيه الأردن وقطر وتركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا مدعوّين للمُساعدة والمساهمة.
بدا واضحاً أن الولايات المتحدة كانت حريصة على نجاح زيارة الملك لواشنطن بإرسال 600 مليون دولار من أصل المنحة الأميركية لدعم الموازنة الأردنية
ومن الجدير ذكره في هذا المجال أن رئيس الوزراء الأردني بِشر الخصاونة قد زار موقع جابر الحدودي مع سورية، من أجل تسهيل حركة مرور الناس والشاحنات بين البلدين بدون إعادة تحميل البضائع من شاحنات تحمل رخصة بلد إلى شاحناتٍ تحمل رخصة البلد الآخر.
وقبل أن تبدأ زيارة الملك، بدا واضحاً أن الولايات المتحدة كانت حريصة على نجاح الزيارة بإرسال 600 مليون دولار من أصل المنحة الأميركية لدعم الموازنة الأردنية، ومجموع المنحة حوالي 820 مليون دولار للعام 2021.
وكذلك حوّلت الإدارة 125 مليون دولار لدعم موازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA)، بعدما حجبها عنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ولم تكن زيارة الملك تهدف إلى دعم الأردن فحسب، بل أن تعلم واشنطن أنه توّاق لتحريك عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، من أجل تحقيق هدف الدولتين المستقلتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمان.
وقد أكد البيان المنشور الصادر عن البيت الأبيض (White House Read-out) بشأن زيارة الملك عبد الله الثاني وولي عهده، أن الإدارة الأميركية تسعى إلى حل الدولتين، وأنها تريد تحقيق الأمن والكرامة والازدهار لكلا الجانبين بدون تمييز.
ولكن السؤال هو: متى يمكن أن يبدأ تحريك هذه العملية السلمية. لقد تناقلت الصحف ووسائل الإعلام أخبارا تفيد بأن السلام في الشرق الأوسط ليس من أولويات هذه الإدارة.
ولمّا تساءلت عن هذا الأمر أمام المسؤولين الذين قابلتهم، قيل لي: "هذا ليس صحيحاً، فالولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن المنطقة، ولكن لا بد من إنجاز بعض الترتيبات على الأرض".
وأول هذه الترتيبات ثبات استقرار الحكومة الإسرائيلية الحالية حتى لا يعود بنيامين نتنياهو وزمرته إلى الحكم ثانية. وقد قرّروا أن موافقة الكنيست على الموازنة العامة الإسرائيلية للعامين المقبلين سوف يعتبر المؤشّر الأساسي لاستمرار الحكومة الإسرائيلية لمدة سنتين.
والأمر الثاني هو دَعْمُ السلطة الفلسطينية، والطلب من رئيس الوزراء بينت عند زيارته لواشنطن في منتصف الشهر المقبل (أغسطس/ آب)، بأن يإخذ إجراءات للتخفيف عن الفلسطينيين، ووقف هدم البيوت، خصوصا في منطقة القدس، والسماح بحرية العبادة والتنقل بدون الإجراءات العقيمة وغير الإنسانية، والطلب من الإدارة الفلسطينية الالتزام بالحوكمة والشفافية، حتى تكتسب ثقة الشارع، وتتمكّن من إجراء الانتخابات التشريعية خلال عدة أشهر.
هنالك دراسات كثيرة تجرى لتحسين الحياة على الأرض معيشياً وحركياً وإنسانياً. وهي إجراءات تخلق المناخ الأفضل للتفاوض. وذلك كله شريطة أن يكون الهدف النهائي من المفاوضات واضحاً في ما يتعلق بالأراضي المحرّرة، والقدس، وتصفية المستوطنات، وتبادل الأراضي بنسب يسيرة وضمان كرامة المواطن الفلسطيني.
تعمل الإدارة الأميركية الحالية بجدّ من أجل التصدّي لوباء كورونا، وتكثيف حملة التطعيم، وتمرير القوانين التي تسمح بدعم الاقتصاد الأميركي وتحسين البنى التحتية، وذلك لكي تضمن نتائج إيجابية في انتخابات منتصف الفترة التي ستجرى في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. وحتى ذلك الوقت، ستبقى التحضيرات والدراسات تسير على قدم وساق قبل البدء في عملية تفاوض جادّة.