تنطلق اليوم ليس صافرة بدء الحدث الكروي العالمي على أرض قطر فقط، وإنما أيضاً صافرة حصاد سنوات طويلة من ملحمة البناء والإنفاق الضخم، إذ تنتظر الدولة مكاسب طويلة الأمد لما بعد المونديال، مستفيدة في ذلك من إرساء بنية عملاقة للاقتصاد.
بين 2 ديسمبر/ كانون الأول عام 2010، يوم أُعلن في مدينة زيورخ السويسرية عن فوز دولة قطر بتنظيم بطولة كأس العالم FIFA 2022، و20 نوفمبر/ تشرين الثاني موعد انطلاق صافرة المباراة الأولى للمونديال، بذلت الدولة بجهاتها العامة والخاصة جهوداً كبيرة، وتحوّلت الدوحة والمدن القطرية إلى ورشات عمل مفتوحة، لإنجاز المنشآت الخدمية والرياضية، فشيّدت وطوّرت وجهّزت ثمانية استادات عالمية، وبالتوازي استكملت البنية التحتية من طرق وأنفاق وجسور وسكة حديد وشبكة ميترو وترام، وحدائق وميناء ومطار ونقل عام وغيرها من الأعمال اللوجستية.
وصل معدل الإنفاق إلى 500 مليون دولار أسبوعياً، وفقاً لتصريحات وزير المالية السابق، وكل ذلك ليس بهدف المونديال فحسب، وإنما في سياق ملحمة تشييد لتحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، لتصل التكلفة الإجمالية للمشروعات الضخمة إلى نحو 200 مليار دولار، نصيب مشاريع المونديال منها 8 مليارات دولار.
اليوم تنطلق صافرة الحصاد مع انطلاق بطولة عالمية تخطف أنظار العالم، والتي تعد حدثاً تاريخياً يُقام لأول مرة على أرض عربية رغم الحملات المشككة طيلة سنوات ماضية في قدرة قطر على استضافة مثل هذا الحدث، وقد أكد ذلك أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح دور الانعقاد الواحد والخمسين لمجلس الشورى القطري، يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول، بقوله "رغم الحملات الممنهجة التي لطالما أرادت استهداف هذه الاستضافة إلا أننا نسير في الطريق الصحيح وقطر باتت جاهزة لاستقبال الجماهير الرياضية من شتى أنحاء العالم".
من وجهة صغيرة للبحث عن اللؤلؤ في أعماق البحار إلى عاصمة خليجية مميزة ودولة تتجه إليها الأنظار من مختلف دول العالم.. فمكاسب المونديال مجرد بداية عدّ تصاعدي تنتظره الدولة في مختلف المجالات الاستثمارية والعقارية والخدمية.
رئيس رابطة رجال الأعمال القطريين، الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، قال إن المونديال سيكون نقطة قوة لجذب الاستثمار الخارجي، و"هو ما نعمل عليه حالياً في حضورنا الخارجي وترويجنا لقطر، وسينعكس إيجاباً على مستقبل البلاد كوجهة استثمارية وسياحية قادرة على رفع تحديات المنافسة"، مشيراً في تصريح لوكالة الأنباء القطرية مؤخراً إلى أنه جرى إنفاق ما يزيد على 200 مليار دولار على المرافق الأساسية من طرق وجسور وموانئ ومطار وميترو ومساكن وسياحة ومناطق حرة، وهذه البنية التحتية ستتحول إلى مكاسب بعد الانتهاء من البطولة.
بعد فوز قطر بتنظيم الحدث الكروي العالمي، متفوّقة بذلك على أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية، أعلنت الدولة الخليجية عن الموازنة العامة الكبرى في تاريخها (آنذاك) لعام 2011-2012 مع إيرادات بقيمة 162.4 مليار ريال (45.4 مليار دولار) بزيادة 27% عن موازنة العام السابق، وبلغ إجمالي النفقات 139.93 مليار ريال بزيادة بلغت نسبتها 18.7%.
وخصصت الموازنة 41% من النفقات العامة لتمويل المشاريع الكبرى، كالبدء في إنشاء ميناء الدوحة الجديد ودراسات مشروع السكة الحديد واستكمال إنشاء المطار الجديد والصرف الصحي وغيرها.
ومنذ موازنة 2011 ولغاية موازنة 2022 تُخصص نسب من بند النفقات والمصروفات العامة للمشاريع الرئيسة والتي تتعلق بكأس العالم. وارتفع إجمالي المصروفات المخطط لها في موازنة 2022 بنسبة 4.9% عن 2021، لتبلغ 204.3 مليارات ريال.
وأرجع وزير المالية القطري، علي بن أحمد الكواري، ذلك الارتفاع بشكل أساسي إلى الارتفاع المؤقت في المصروفات التشغيلية المتعلقة بأنشطة استضافة كأس العالم والتي تشمل تكاليف الأمن والتشغيل لكافة الفعاليات المتعلقة بالمونديال.
في مايو/ أيار 2019، دشّنت قطر المرحلة الأولى من مشروع ميترو الدوحة، بعد نحو 6 أعوام من الأعمال الخاصة، وتتكوّن الشبكة من ثلاثة خطوط، وتشتمل على 37 محطة تشكل المرحلة الأولى من ميترو الدوحة، ومن المنتظر استكمال المرحلة الثانية عام 2026 مع إضافة خطوط جديدة إلى الشبكة لتستمر ملحمة البناء.
هدف ميترو الدوحة توفير شبكة نقل عصرية تربط بين أهم الوجهات الرئيسية في مدينة الدوحة وضواحيها، ويعدّ جزءاً من الخطة الرئيسية للنقل التي تعتبر إحدى الدعائم المساندة لتحقيق رؤية قطر الوطنية.
وتقدر تكلفة مشروع الميترو والترام، بحسب العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة "الرَيل"، عبد الله السبيعي، بنحو 70 مليار ريال (19.2 مليار دولار)، وبلغ عدد العمال في المشروع 73 ألف عامل.
ويوفر ميترو الدوحة، خلال فترة كأس العالم 2022 وما بعدها، وسيلة سهلة وآمنة لتنقل زوار وضيوف قطر في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن كونه الوسيلة الأسرع لتنقل الجماهير بين 5 من الملاعب الثمانية التي ستستضيف نهائيات المونديال.
يقول المهندس المختص في الطرق، نمير محمد ويس، إنه كثر الحديث عن المبالغ التي أنفقتها قطر على مشاريع كأس العالم، ومقارنتها مع دول استضافت الحدث العامي سابقاً، فروسيا أنفقت 11.6 مليار دولار عام 2018، والبرازيل 15 مليار دولار عام 2014، وجنوب أفريقيا 3.6 مليارات دولار عام 2010، ليبدو حجم إنفاق قطر 200 مليار دولار كبيراً جداً، "لكن يبدو أن هؤلاء لا يعلمون أن مبلغ الإنفاق المذكور شمل مشاريع تحديث البنية التحتية والمرافق الخدمية والسكنية والسياحية والترفيهية، على مدى أكثر من 11 عاماً".
تابع نمير لـ"العربي الجديد" أنه جرى إنشاء وتوسيع طرق وشوارع بنحو 900 كيلومتر وإنشاء شبكة سكك حديدية، لينطلق ميترو الدوحة، ويوفر تجربة للنقل عالية المستوى، كما ازدادت المسطحات الخضراء وأُنشئت مسارات للمشاة و للدراجات الهوائية بما مجموعه 2647 كيلومتراً، ورافق ذلك تحسين وتطوير في نظم اللوحات الإرشادية وأنظمة السلامة المرورية على الطرق وغير ذلك الكثير.
وتابع أن مونديال قطر لم يكن الغاية من هذه المشاريع العملاقة، وإنما كان محطة لتحقيق رؤية طموحة لبلد ينافس على تحقيق أعلى مستويات الرفاهية الاجتماعية للمواطنين والمقيمين.
ووفق رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر، الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني، في تصريحات صحافية، فإن هناك أكثر من 150 مشروعاً كبيراً سيجرى طرحها بعد عام 2022، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية والطرق وتشييد المباني والمستشفيات والمدارس، ما يعني أن وتيرة المشاريع في الدولة ستستمر، مؤكداً أن القطاع الخاص سيلعب دوراً أكبر في هذه المشاريع بالشراكة مع القطاع العام للوصول إلى أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.
وتصدَرت قطر قائمة دول الشرق الأوسط في جذب تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، وأظهرت نشرةُ أسواق الاستثمار الأجنبي المُباشر لـ"فاينانشال تايمز" أخيراً أن قطر استقطبت 71% من مجمل الاستثمارات الأجنبية في الشرق الأوسط خلال الربع الثاني من 2022 باستثمارات بلغت قيمتها 19.2 مليار دولار.