قدّرت بلدية جنين الخسائر الاقتصادية في مختلف القطاعات بما لا يقل عن 40 مليون دولار بشكل أولي، جرّاء التصعيد الإسرائيلي على مدينة ومخيم جنين، شمالي الضفة الغربية، الذي استمر يومين في أكبر عدوان إسرائيلي على المحافظة منذ عقدين من الزمن، طاول البنية التحتية وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، بالإضافة لتضرر المحال التجارية وخسارة المواطنين ممتلكاتهم الشخصية.
وكانت مدينة جنين قد تعرضت، فجر الاثنين الماضي، لأوسع عملية عسكرية تدميرية منذ الانتفاضة الثانية استمرت يومين، تعمد الاحتلال الإسرائيلي خلالها تدمير الخطوط الرئيسية لشبكات المياه والكهرباء وقصف المنازل والمحال التجارية والمركبات الشخصية للمواطنين، خاصة في مخيم جنين، وذلك بمشاركة 3 آلاف جندي من مختلف الوحدات الخاصة، وعشرات الطائرات والجرافات، نتج عنها استشهاد 12 فلسطينيًا وأكثر من 140 إصابة، بالإضافة إلى مقتل جندي إسرائيلي.
وعمل الاحتلال في اقتحامه مخيم جنين عبر طائرات مروحية ومسيّرات وقوات برية، وقام بتجريف الشوارع وتدمير الأراضي الزراعية من خلال القصف الجوي والجرافات؛ ما أدى لتوقف الحركة الصناعية والتجارية والخدماتية، الذي ولّد تبعات اقتصادية وصفها مراقبون بالكارثية.
استهداف المياه والكهرباء
وحصرت بلدية جنين حوالي 6 كيلومترات من خطوط المياه، على مدى طول خط رئيسي، تدمرت بالكامل، بالإضافة إلى 30 في المائة من شبكات مياه فرعية أخرى، وفق ما اكده نائب رئيس بلدية جنين محمد جرار في حديثه مع "العربي الجديد".
وأفاد جرار بأن بلدية جنين أصبحت عاجزة عن توفير الماء لـ30 ألف مواطنٍ، إضافة لتضرر خزانات مياه المنازل، ذلك كله أدى لصعوبة تقديم حاجة أساسية من حاجات الناس اليومية، لا سيما أن شبكات الصرف المرتبطة بالمياه تضررت على مساحة 8 كيلومترات باتت غير قابلة للاستخدام.
أما عن تدمير قطاع الكهرباء، فقد أوضح جرار أن "أكثر من 10 محولات كهربائية ضربها الاحتلال بشكل نهائي، إضافة لخطوط كهرباء أرضية على طول ما يقارب 8 كيلومترات خرّبتها جرافات الاحتلال، ما أدى لانقطاع الكهرباء عن أنحاء عديدة في جنين ومخيمها، ناهيك عن خسائر الناس بالعموم".
خسائر جنين تفوق طاقة البلدية المادية وإمكانياتها في تقديم الخدمات للسكان، حيث قال جرار في السياق: "الأزمة تتعدى إمكانياتنا بعشرة أضعاف، وستكون لدينا اجتماعات مع الجهات ذات العلاقة لتشكيل خلية أزمة تتابع احتياجات المدينة والمخيم". تحتاج بلدية جنين إلى 10 ملايين دولار بشكل عاجل خلال الساعات القادمة كيّ تستطيع تقديم خدماتها للمتضررين.
وتحدث نائب رئيس بلدية جنين عن خطواتهم في كيفية توفير مساعدات للناس، قائلاً: "سنصدر رسالة نخاطب فيها الحكومة الفلسطينية باعتبار جنين منطقة منكوبة، وهذا يرتب عليها التزامات قانونية بدعم جنين، بالإضافة إلى أننا سنخاطب الدول العربية لدعم جنين، وبالأمس اجتمعنا مع جهات أوروبية والأمم المتحدة ويونيسف لوضعها في صورة حال جنين".
وقال اللواء أكرم الرجوب، محافظ جنين، إن حجم الخسائر جراء القصف الإسرائيلي في مخيم جنين كبير جداً، وكله يتعلق بالبنى التحتية.
وأضاف في تصريحات صحافية أنّ هناك دماراً كبيراً في البنية التحتية في المخيم على مستوى الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وكل ذلك بدأ العمل فيه منذ ساعات الصباح، والأشغال العامة بدأت التعامل مع الشوارع، كما أن هناك أضرارا كبيرة لحقت بالبيوت. وتابع أنّ الجيش الإسرائيلي اقتحم المخيم من بيت إلى بيت، والبيوت جميعها متلاصقة، لذلك فقد دمر الجدران للوصول إلى البيوت الأخرى التي اقتحمها، مشددًا على أنه ليس من السهل حصر الأضرار في ساعات.
ولفت إلى أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أبو مازن، أصدر تعليمات للحكومة بضرورة الاستجابة السريعة لاحتياجات المخيم وترميم الشوارع والمياه والصرف الصحي والكهرباء، وكل ذلك بُدِئَ العمل به، وستُعالج كل هذه القضايا.
انعكاسات خطيرة
ومن المتوقع أن تواجه جنين أثرين اقتصاديين على المدى القصير، بتعطل حياة الناس وخدماتهم، والمدى البعيد وهو الأخطر الذي سينعكس على الحركة الشرائية والتسوق، وتحديدًا من أهالي الداخل المحتل، إذ تعتمد عليهم جنين بشكل أساسي كرافد مادي وتجاري، على اعتبار أن العلاقة الاقتصادية مبنية على أساس اجتماعي في جنين مع الداخل، بحسب ما قال الخبير الاقتصادي وأمين سر الاتحاد العام للاقتصاديين في جنين نصر عطياني.
وأضاف عطياني في حديث مع "العربي الجديد" أن قطاعات الخدمات من أبرز المتضررين على المدى البعيد، إذ إن حركة المطاعم والفنادق والمهن الطبية تعتمد على زوّار من خارج المدينة، بالإضافة إلى أن القطاع الزراعي والتجاري من أبرز المتضررين على المدى القصير إثر حرق مئات المحال التجارية وتدمير عددٍ من المجمعات، وتجريف الأراضي الزراعية.
حرق وتدمير المحال التجارية وفق عطياني سيؤدي لارتفاع نسبة البطالة إثر تسريح عشرات المحال التجارية العاملين لديها نتيجة تعطل عملها، بالإضافة لخسائر بملايين الشيكلات بالعملة الإسرائيلية لم تحص بعد، نتيجة توقف الحركة النقدية المالية التي ستظهر تبعاتها نهاية الشهر الجاري، إثر تعطل عشرات المشاريع الاستثمارية.
ورأى عطياني أن حل الإشكالية الاقتصادية الحالية يجب أن يكون تكامليًا، بحيث يعمل القطاع العام بالتعاون مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني على توفير صندوق لإعادة إعمار جنين، وأن تتوجه الحكومة نحو الشراء والاستثمار في المحافظة ككل، والطلب من البنوك التدخل وتقديم التسهيلات لصغار التجار.
وقالت وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني، الثلاثاء، إن العدوان الإسرائيلي المستمر على محافظة جنين يستهدف البنية التحتية لاقتصاد المحافظة، إلى جانب استهداف المدنيين وتهجيرهم، ما ضاعف خسائرها. ورصدت الوزارة، في تقرير لها، تعمد قوات الاحتلال تدمير الخطوط الرئيسية لشبكات المياه والكهرباء، خاصة في مخيم جنين، والقيام بعمليات تجريف للطرق والأراضي الزراعية، فضلاً عن استهداف منازل المواطنين وممتلكاتهم بالصواريخ، مؤكدة أن اقتصاد المحافظة يخسر ما يزيد على 8 ملايين دولار أسبوعيا في حال استمر العدوان الإسرائيلي، إضافة إلى تعطل 14 ألف منشأة.
وأظهرت عملية الرصد توقف الحركة الصناعية والتجارية والخدمات نتيجة الحصار المفروض على المحافظة، لا سيما لفلسطينيي الداخل وهم من أهم مصادر الحركة الشرائية في المحافظة، إضافة إلى منع التجار من إدخال السلع والبضائع نتيجة إغلاق حاجز الجلمة. وأشارت الوزارة في تقريرها إلى تعذر وصول العمال إلى أماكن عملهم، سواء إلى الداخل الفلسطيني أو إلى داخل المحافظة، نتيجة إغلاق الحواجز واستمرار العدوان الإسرائيلي والحصار الذي يفرضه على المحافظة.