يثير استعمال تونسيين للعملات الرقمية "بيتكوين" ومثيلاتها، جدلا بسبب ملاحقات أمنية تطاول مستعملي هذا الصنف من العملات بدعوى مخالفتها لقوانين الصرف المحلية، ومخاوف من استعمالها في تبييض الأموال أو تمويل عمليات تجارية مشبوهة.
وتصاعد الجدل بشأن استعمال العملات الرقمية من قبل تونسيين بعد إيقاف طاول شابا حجزت لديه السلطات قطعتين من عملة بيتكوين، ما تسبب في موجة انتقادات لمواصلة اعتماد البلاد على قانون صرف لم يستطع مواكبة استيعاب التطورات الكبرى التي يعيشها القطاع المالي العالمي.
ويطالب تونسيون في القطاع المالي بمواكبة التشريعات المحلية مع التطورات التي يشهدها العالم في مجال استعمال العملات المشفرة، معتبرين أن مواصلة اعتماد قانون صرف قديم يكبل كل إمكانيات تطوير الاقتصاد والانتقال الرقمي ويحرم آلاف الشباب من فرص عمل مهمة وجلب الخبرات إلى البلاد.
وانتقد حزب آفاق (ليبيرالي اجتماعي) تعرّض شباب تونسيين لملاحقات أمنية وتضييقات مالية من قبل البنك المركزي التونسي بلغت حد تجميد التحويلات بسبب التداول في العملات الرقمية أو نشاطات التعدين والأعمال الحرة.
ووصف الحزب في بيان نشره على صفحته بموقع فيسبوك عن رفضه مثل هذه الممارسات معتبرا أنها تعسفيّة ولا تتلاءم مع التحولات الرقمية والمالية الكبرى التي يشهدها العالم.
ودعا الحزب البنك المركزي ووزارة المالية والسلطات القضائية والأمنية إلى التعامل الإيجابي والمرن مع هذه الأنشطة التي قال إنها المشروعة على منصّات عالمية موثوقة ومدرجة في البورصات.
وطلب تبسيط طرق إثبات مصادر الدخل وقبولها في ظل الفراغ التشريعي الحاصل وحاجة الشباب التونسي الى التشغيل والاستفادة من فرص الاستثمار والعمل الواعدة في هذا المجال الريادي.
ويمثل موقف السلطات المالية الرسمية في تونس من استعمال العملات الافتراضية ولا سيما منها "بيتكوين" نقطة ضعف وأحد عوامل التأخر المالي في البلاد وفق المستثمر في مجال العملة الافتراضية، إسكندر بن حمدة، الذي يصف الإطار التشريعي التونسي في هذا المجال بالضبابي، مشيرا إلى أن القانون التونسي لم يمنع صراحة استعمال هذه العملة ولا يتيحها في نفس الوقت.
وأضاف بن حمدة في حديث لـ"العربي الجديد" أن تداول عملة بيتكوين انطلق منذ سنة 2008 غير أن السلطات التونسية وبعد نحو 14 عاما لم تتمكن بعد من تحديث تشريعاتها لمواكبة تطور التعاملات المالية في العالم، معتبرا أن هذا التأخر يؤثر سلبا على البيئة الاستثمارية في البلاد.
وأشار ذات المصدر أن بيتكوين شكل من أشكال الكتابة المالية ولا تختلف عن أشكال التحويلات الأخرى، لافتا إلى أنها أكثر وضوحا ويمكن تعقبها بسهولة باعتبار أن كل التعاملات التي تتم عبر هذه العملة تجرى على منصة مفتوحة يمكن الاطلاع عليها بسهولة ما يفند ما ذهب إليه محافظ البنك المركزي التونسي شاذلي العياري بأنها صعبة التعقب، وفق قوله.
ولا تحدد السلطات المالية التونسية بعد موقفها النهائي من التعامل بالعملات الافتراضية غير أن خبراء المال والاقتصاد يؤكدون أن قانون الصرف الحالي لا يزال بعيدا كل البعد عن تسهيل أشكال التعامل بهذه العملات التي باتت واقعا مفروضا في التداول المالي العالمي.
ويقول الخبير المالي، خالد النوري، إنه لا وجود لنص قانوني واضح يمنع التداول الرقمي للأموال أو التجارة الإلكترونية أو أنشطة التعدين، وفي المقابل تواصل السلطات المالية التضييق على هذه النشاطات مستندة إلى قانون صرف يعود إلى عام 1974 وجرى تنقيحه لأخر مرة سنة 1993.
وأضاف النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن غياب النص القانوني يجعل من عملية المنع أو ملاحقة الناشطين في التعدين غير قانوني، مشددا على ضرورة ملائمة التشريعات مع التطور الكبير الذي يعرفه القطاع المالي العالمي مع التحوّل تدريجيا نحو العملات الافتراضية.
وأفاد في سياق متصل بأن قانون الصرف التونسي يجيز للأشخاص تحويل العملة للسياحة الدينية (الحج والعمرة) أو العلاج في الخارج أو التحويلات لفائدة الطلبة الذين يدرسون في الخارج. كما يفرض تضييقات على الشركات وهو ما يفسّر غياب تونس عن خارطة الاستثمارات الخارجية بسبب تهرّب المستثمرين من العراقيل القانونية التي تواجهها الشركات الأجنبية على تحويل أرباحهم.
وازداد في السنوات الأخيرة اهتمام شباب تونسيين بالعملات الرقمية ومسالك تداولها ولا سيما منها "بيتكوين" و"الإيثروم"، ما يضطر المهتمين بهذا المنتج المالي إلى العمل مع شركات أجنبية في غياب فضاء قانوني يسمح لهم بتطوير هذه الأنظمة محلياً في تونس.