حققت الكثير من شركات النفط العالمية أرباحاً قياسية خلال عام 2021 ، لتمحو الخسائر التي مُنيت بها خلال الانكماش الاقتصادي المرتبط بجائحة فيروس كورونا، وسط توقعات بتسجيلها المزيد من المكاسب في ظل الصعود المتواصل للأسعار بسبب التوترات بين روسيا والغرب، التي دفعت خام برنت لكسر حاجز 92 دولاراً للبرميل محققاً أعلى مستوياته في 7 سنوات.
ويرصد "العربي الجديد" المكاسب التي حققتها العديد من الشركات من خلال الإفصاحات الرسمية التي جرى الكشف عنها خلال الأيام الماضية، والتي انعكست بدورها على أسهمها، وكذلك مؤشرات الطاقة في أسواق المال العالمية، لا سيما الأميركية والأوروبية.
وسجلت "إكسون موبيل" الأميركية أعلى أرباح في ثماني سنوات تقريباً، إذ جنت 23 مليار دولار خلال 2021، مقارنة بخسائر تجاوزت 22 مليار دولار في 2020، وفق بيان صادر مطلع فبراير/شباط الجاري.
ثلث المكاسب في الربع الأخير
وجاءت نسبة كبيرة من مكاسب الشركة خلال الربع الأخير من العام الماضي بقيمة 8.8 مليارات دولار، بما يعادل 38.2% من إجمالي أرباح العام، وذلك بدعم من صعود أسعار النفط بقوة خلال الأشهر الأخيرة من العام.
وحققت شركة "شل" أرباحاً قوية العام الماضي بقيمة 20.1 مليار دولار، مقابل خسائر حادة بلغت 21.7 مليار دولار في عام 2020، وفق بيان صادر عن الشركة نهاية الأسبوع الماضي.
وسجلت شركة "شيفرون" الأميركية العام الماضي أرباحاً لم تشهدها منذ عام 2014 بقيمة 15.6 مليار دولار، مقارنة بخسائر بلغت 5.5 مليارات دولار في 2020.
وتحقق أكثر من ثلث الأرباح في الربع الأخير من 2021، إذ شهد تسجيل 5.5 مليارات دولار، مقابل خسارة بلغت 665 مليون دولار في نفس الفترة من العام السابق عليه.
وبالتوجه شرقاً، كشفت بيانات، صادرة عن عملاق النفط الصيني "بتروتشاينا" نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أن صافي أرباح الشركة لعام 2021 وصل إلى حوالي 11.8 مليار دولار، مقابل 2.99 مليار دولار في العام السابق.
ومع فرض تدابير إغلاق في أنحاء العالم في 2020، انهارت أسعار النفط بدرجة كبيرة، بل إلى ما دون الصفر لفترة وجيزة، غير أن الأسعار عاودت الارتفاع.
وكان متوسط سعر النفط في الربع الأخير من عام 2021 حوالي 77.1 دولاراً للبرميل، بزيادة تبلغ نسبتها 81% عن متوسط سعر النفط في الفترة المماثلة من عام 2020، إذ كان سعر البرميل حوالي 42.7 دولاراً.
ويتوقع أن تسجل شركات النفط أرباحاً قياسية جديدة خلال العام الجاري، حيث كسر سعر خام برنت 92 دولاراً للبرميل في ختام تعاملات أمس الجمعة، في الوقت الذي تتوقع فيه بنوك استثمار عالمية أن يتجاوز السعر 100 دولار على المدى القصير، وأن يصل إلى 125 دولاراً بنهاية 2022.
حشد روسيا العسكري
وفي نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عن الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون، مايك ويرث، قوله إنه من المتوقع بلوغ أسعار النفط ما يفوق 100 دولار خلال أشهر، حيث تؤثر المخاطر الجيوسياسية وشح الإمدادات في أسواقه العالمية.
وأشار ويرث إلى أن الطلب على الخام ينمو بأسرع من الإنتاج مع تعافي العالم من أسوأ ما أتى به الوباء، مضيفا أنه على عكس السنوات الأخيرة، بدأت السياسات الدولية، مثل حشد روسيا العسكري قرب أوكرانيا، بإثارة الخوف في الأسواق أيضاً.
واستفادت القيم السوقية للشركات من قفزات أسعار الخام، إذ حققت 5 كيانات فقط هي: "إكسون موبيل"، "شيفرون"، "شل"، "توتال"، "أرامكو" السعودية، زيادة في قيمها السوقية بما يقرب من 240 مليار دولار خلال العام الماضي، لتصل إلى نحو 2.7 تريليون دولار.
وفي ظل الأرباح المحققة، أعلنت معظم الشركات أيضاً عن خطط لضخ استثمارات بعشرات مليارات الدولارات لتطوير المشروعات وزيادة الإنتاج خلال العام الجاري.
وتعطي هذه السياسات إشارات متضاربة حيال توجهات "صفر كربون" بحلول 2050، التي تبنتها وكالة الطاقة الدولية العام الماضي، وأيدتها كذلك الدول الكبرى التي تنتمي لها معظم شركات النفط العملاقة.
خريطة "صفر كربون"
وأصبحت خريطة طريق "صفر كربون" مثالاً نموذجياً على التوقيت السيئ في ظل أوضاع سوق الطاقة العالمية حالياً، بحسب تقرير لموقع "أويل برايس" العالمي المتخصص في النفط والغاز.
وبعد أربعة أشهر فقط من الخريطة التي تبنتها وكالة الطاقة الدولية، عادت الوكالة لتعلن أن العالم بحاجة إلى مزيد من الاستثمار في التنقيب عن النفط بسبب تضاؤل الطاقة الإنتاجية الفائضة لمنظمة "أوبك".
إلى جانب هذه الإشارات المتضاربة، انتقدت الوكالة أيضاً مجموعة "أوبك+" التي تضم الدول الأعضاء في "أوبك" والمنتجين الكبار من خارجها، على رأسهم روسيا، متهمة إياها بالحفاظ على إمدادات النفط العالمية ضيقة بشكل مصطنع للحفاظ على ارتفاع الأسعار.
زيادات معتدلة في الإنتاج
ومساء الجمعة الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن ستيفن برينوك، المسؤول في شركة "بي.في.إم" للوساطة في أسواق النفط، قوله إن " انتعاش أسعار النفط استمد دعما أيضا من ظهور دلائل جديدة على أن منظمة أوبك تواجه قدراً من المصاعب في زيادة الإنتاج".
كانت منظمة "أوبك" وحلفاؤها، وفي مقدمتهم روسيا، قد اتفقوا، الأسبوع الماضي، على الالتزام بضخ زيادات معتدلة في الإنتاج في حدود 400 ألف برميل يوميا، في وقت تواجه فيه المجموعة صعوبة بالفعل في بلوغ الأهداف الحالية رغم ضغوط كبار المستهلكين لرفع الإنتاج بسرعة أكبر.
وأظهرت بيانات أعلنتها شركة تسويق النفط العراقي (سومو)، الخميس الماضي، أن العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في "أوبك"، ضخ 4.16 ملايين برميل يومياً في يناير/كانون الثاني الماضي، وهو ما يقل عن مستوى 4.28 ملايين برميل يومياً الذي اتفقت عليه مجموعة "أوبك+".