تُطبق الأزمة المعيشية الخناق على السودانيين. عجلة الإنتاج شبه متوقفة، والطلب على السلع غير الضرورية قليل، ومعظم المصانع بدأت تغلق أبوابها مشردة بذلك عدداً كبيراً من العاملين فيها، في وقت تشهد فيه البلاد تطورات سياسية وأمنية يومية تلقي بثقلها على مصادر رزق السودانيين.
إذ لا تزال أسعار السلع تزداد ارتفاعاً يوماً بعد يوم، في وقت تتصاعد نفقات الأسر على بند الطعام، أما التجار فيواجهون الغلاء بإغلاق أبواب المتاجر أو تخفيض المعروض السلعي إلى حد الشح. ويلفت الخبراء إلى أن الأوضاع لا تزال قاتمة بالنسبة للمواطن، حيث لا توجد حكومة فعلية تباشر مهامها بصورة كاملة مع تجدد الأزمات واتساع رقعة التحديات السياسية، الأمر الذي يشير إلى عدم استقرار الأوضاع في البلاد، ما يلقي بأعباء جديدة على معيشة المواطن.
يقول المواطن محمد بابكر التوم لـ"العربي الجديد" إن كل محاولاته فشلت بتوفير العيش الكريم لأسرته نتيجة لتوقف الأعمال. محمد يعمل في مجال السباكة يوفر قوت يومه لأطفاله الثلاثة، لكنه يلفت إلى أن الأزمات الاقتصادية اشتدت وتوقفت معها الأعمال "وأصبحنا بلا مدخول تقريباً، خاصة أن أطفالي في المدرسة ويحتاجون الى مصروف يومي نحو 200 جنيه".
ويضيف: "قمنا بعرض بعض أغراض المنزل للبيع، ولكن لم نجد من يشتريها، نظراً للظروف الصعبة التي تمر على جميع الأسر السودانية". المواطنة ست النفر إبراهيم التي تعمل في مصنع للعطور في مدينة أم درمان تشرح لـ"العربي الجديد": "أعيل أسرة مكونة من خمسة أبناء نتيجة وفاة والدهم، وأصبحت أعمل في مصنع العطور إلى أن تم الاستغناء عني بحجة الركود في السوق وعدم وجود إقبال على العطور في الوقت الراهن".
وتضيف: "هذا ضاعف من المعاناة اليومية التي نعيشها خاصة أنني كنت أتقاضى 700 جنيه في اليوم الواحد رغم أنها لا تلبي حاجات أسرتي ولكنها أفضل من لا شيء". ويقول عبد الحكم أبوك الذي كان يعمل في وظيفة بإحدى المؤسسات: "تركت الشغل مجبرا لأن راتب 7 آلاف جنيه لا يغطي تكلفة المواصلات".
فيما يشكو أصحاب الشركات بعد تراجع الطلب على منتجاتهم مثل الألبان والمياه الغازية والبسكويت. ويقول صاحب شركة (فضل حجب اسمه)، إنه لا توجد ضرورة للاستمرار في ظل هذه الأوضاع غير الواضحة وسط ارتفاع تكلفة الإنتاج. خلال أسبوعين فقط تراجع الطلب على المنتجات بنسبة 40 في المائة، وهذه بالتأكيد خسارة لا تعيننا في تغطية فواتير الكهرباء والمياه والوقود والرواتب". بدوره، يلفت المختص في علم الاجتماع التوم إسماعيل لـ"العربي الجديد" إلى أن المسؤولية المجتمعية أصبحت منعدمة "كل شخص يفكر في العلاج لوحده".
ويؤكد "أن نتائج الأوضاع الحالية غير معروفة العواقب وربما تظهر تداعيات سلبية أكثر قتامة إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فالأسواق بلا رقيب أو حسيب، ويوجد توقعات بانفلات مجتمعي وأمني خطير ربما ينسف ما تبقى من روابط أسرية لأن الحلول الفردية غير مأمونة". ولذا فإن انشغال السياسيين بـ"لعبة الكراسي"، كما سماها، إفرازاتها بالتأكيد سالبة على المعيشة.
الاقتصادي أحمد عز الدين لا يرى حلولاً في الأفق ما لم يتوافق الجميع على كيفية إدارة دفة البلاد خلال المرحلة المقبلة وينظر إلى المستقبل بأنه قاتم في ظل ضياع السودان بين المحاور المختلفة. ويقول: "لا حلول إلا بوضع خارطة طريق تفعل الموارد المحلية، لأن النتيجة الحالية تحوم ما بين البطالة والفقر، وهي إفرازات حكومية بامتياز شهدت من خلالها هجرة الشباب من مناطق الإنتاج إلى المدن وتركز الخدمات على قلتها في المدن الكبيرة".
ويشرح لـ "العربي الجديد" أنه "فقد السودان موارد كان يمكن أن تخرجه من أزماته الحالية، والنزاع يحمل في جوانبه عمليات فساد كبيرة أهدرت ثروات البلاد، حيث لم يتم توظيف الأموال بطريقة صحيحة، وحتى التهريب اتسعت أبوابه لعدم وجود ضوابط وقانون يلجأ إليه الناس، ولذلك فالصورة الحالية غير مبشرة كما أن نتائجها ستكون عصية على العلاج في المستقبل القريب".
ورغم دخول الانقلاب أسبوعه الثالث إلا أن عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية مازال يلقى بظلال سالبة وآثار نفسية على المواطنين، حيث تمتد الصفوف الطويلة للحصول على الخبز وسط انعدام شبه تام لغاز الطهي مع انفراج جزئي لتوافر الوقود في المحطات.