معضلة تؤرق الشركات الغربية في روسيا: الانسحاب أو عصا العقوبات

معضلة تؤرق الشركات الغربية في روسيا: الانسحاب أو عصا العقوبات

04 سبتمبر 2023
تعرضت الشركات الغربية التي استمرت في روسيا لانتقادات شديدة (Getty)
+ الخط -

بعد 18 شهرا على اندلاع حرب أوكرانيا، لا تزال شركات غربية عالقة بين سندان مواصلة نشاطها التجاري في روسيا، ومطرقة الرضوخ للعقوبات الغربية والمغادرة، وهما خياران أحلاهما مكلف.

وبحسب إحصاء أجرته جامعة يال الأميركية، لا تزال نحو 100 شركة من دول مجموعة السبع تعمل في روسيا، على الرغم من أن عددها يواصل الانخفاض تدريجياً.

وقال الخبير الاقتصادي المتخصص بالشأن الروسي جوليان فيركوي: "ما زلنا نرى توجها نحو تقليص نشاط الشركات الغربية على الأراضي الروسية".

في 21 آب/أغسطس الماضي، أعلنت سلسلة مطاعم البيتزا الأميركية "دومينوز" قرارها مغادرة روسيا بسبب "أجواء تزداد صعوبة"، وأشهرت إفلاس فرعها المحلي الذي سعت لبيعه منذ أشهر، وأغلقت 142 مركزا في عموم أنحاء البلاد.

وأبلغ فيركوي وكالة "فرانس برس" أن "الحرب تخلق ظروفا غير ملائمة للشركات الأجنبية في روسيا، أيا كان قرارها" بشأن الاستمرار أو التوقف.

ففي حال قررت المغادرة وقامت بالأمر على وجه السرعة "فذلك قد يكبّدها خسائر كبيرة، لكن لمرة واحدة فقط".

والأمثلة على ذلك متعددة، فبحسب إحصاء أعدته صحيفة "فاينانشال تايمز" استنادا الى الحسابات السنوية لنحو 600 شركة أوروبية متعددة الجنسية، خسرت الشركات ما لا يقل عن 100 مليار يورو "في أعقاب بيع أو إغلاق أو تقليص نشاطاتها في روسيا".

وعلى سبيل المثال، عانى صانع السيارات الفرنسي "رينو" من خسارة قدرها 2,2 مليار يورو لدى انسحابه في أيار/مايو 2022 من روسيا، إحدى أهم الأسواق لمنتجاته في العالم.

أما الشركات التي عانت الخسائر الأبرز فهي تلك العاملة في مجال النفط.

وكانت مجموعة "بي بي" البريطانية أول المغادرين بعيد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر شباط/فبراير 2022، وتقدّر خسائرها جراء تلك الخطوة بأكثر من 22 مليار يورو.


دعاية سيئة ومقاطعة


في المقابل، فإن الإبقاء على نشاط تجاري في روسيا رغم الحرب ليس ممكناً من دون تكبّد كلفة أيضا.

وقال فيركوي إن الشركات التي تغامر بمواصلة عملياتها في موسكو معرّضة لـ"أكلاف باهظة على صعيد سمعتها".

ولا يخفي الأوكرانيون، وخصوصا رئيسهم فولوديمير زيلينسكي الذي يطل بشكل متكرر عبر منصات التواصل ووسائل الإعلام الغربية، انتقاداتهم اللاذعة للشركات التي تقرر مواصلة نشاطها في روسيا، وصلت الى حد اتهامها بـ"تمويل الحرب الروسية من خلال الأرباح التي تحققها على الأراضي الروسية".

وتتعرض مجموعات عملاقة للغذاء والزراعة والتوزيع لانتقادات مباشرة بعدما قرر عدد كبير منها الاستمرار في روسيا على الرغم من العقوبات والحرب.

وتشكّل سلسلة المتاجر الاستهلاكية الفرنسية "أوشان" مثالاً على ذلك.

وأعلنت أوكرانيا، الأربعاء، أن شظايا صاروخ روسي سقطت على مركز تجاري يضم فرعا لـ"أوشان" في كييف، وكررت دعوتها للشركة لوقف نشاطها في روسيا.

وسألت وزارة الدفاع الأوكرانية: "سخرية، ماسوشية، أو غباء؟ غادروا روسيا: هذا المال ملطّخ بالدماء".

وبررت شركات غربية عدة قرارها البقاء في روسيا برغبتها في الابقاء على توفير معيشة موظفيها والحؤول دون سيطرة المسؤولين الروس على أصولها.

الا أن هذه المبررات لا تقنع كثيرين، وقال أستاذ المسؤولية الاجتماعية للشركات في جامعة يال جيفري سونينفلد إن "هذه الشركات تقول إنها تبقى لأسباب انسانية. هذه كذبة تهكمية".

ورأى سونينفلد، الذي أعد قائمة بالشركات الغربية التي تركت روسيا أو بقيت فيها، أن هذه المجموعات الكبرى تساعد الاقتصاد الروسي على الاستمرار، وأيضا تغذي سردية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال طمأنة المستهلكين إلى استمرارها في بلادهم.

وأثار قرار شركات البقاء دعوات لمقاطعتها من مجموعات المستهلكين.

وأعلنت أطراف اسكندينافية مقاطعة مجموعة "مونديليز" الأميركية التي تشمل منتجاتها بسكويت "أوريو" وألواح الشوكولا "توبليرون". وباتت خطوط "ساس" الجوية والاتحاد النرويجي لكرة القدم والجيش السويدي ترفض شراء منتجات هذه المجموعة التي كانت تعرف سابقا باسم "كرافت فودز".

ضبابية قانونية

وتواجه الشركات التي تواصل العمل في روسيا خطر مصادرة أصولها وأرباحها.

وقال فيركوي إن "البقاء خطر لأن البيئة القانونية يطبعها حاليا التعسف وافتراس الدولة على حساب المصالح الأجنبية".

وبموجب أحد المراسيم النافذة حالياً، يمكن لروسيا "أن تستحوذ بشكل مؤقت على الشركات" من الدول التي تعد "غير صديقة"، وفق ما أفاد به "فرانس برس" فلاديمير تشيكين، المحامي المتخصص في قانون الشركات في روسيا.

وطاولت هذه السياسة العقابية منتج الجعة الدنماركي "كارلسبرغ" ومجموعة "دانون" الغذائية الفرنسية العملاقة.

وبينما كانت الشركتان في طور بيع عملياتهما في روسيا، باغتتهما الدولة بوضع اليد على أصولهما في البلاد.

(فرانس برس)