معضلة الـ"سويفت": دول عربية تتخوف من عزل روسيا مالياً

26 فبراير 2022
تحرك في أوكرانيا للمطالبة بتشديد العقوبات (سيرجي سوبنسكي/ فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد التهديدات بعزل روسيا عن نظام "سويفت" للمدفوعات العالمية بين المصارف، كجزء من العقوبات ضد موسكو لغزو أوكرانيا، إلا أن هذه الورقة لا تزال مطروحة كـ "خيار أخير"، وفقاً لتصريحات المسؤولين؛ إذ إن هذه الخطوة ستضر البنوك الروسية بشدة، إلا أنها ستضرب الاقتصادات المستوردة من روسيا خاصة الغاز والنفط، كما ستحدث خللاً كبيراً في المنظومة التجارية الدولية، وستجعل من الصعب على الدائنين الأوروبيين استرداد أموالهم، فيما تعمل روسيا على بناء نظام دفع بديل في المقابل.

وتُظهر بيانات بنك التسويات الدولية (BIS)، أن المقرضين الأوروبيين يمتلكون نصيب الأسد من تعرض البنوك الأجنبية لروسيا، حيث يوجد 11 ألف مؤسسة مالية في 200 دولة تستخدم "سويفت"، ولدى البنوك الإيطالية والفرنسية استحقاقات بـ25 مليار دولار على روسيا، والنمساوية 17.5 مليار دولار، و14.7 مليار دولار لأميركا.

وفيما تلوح الدول بعصا العزل عن "سويفت"، يترقب العرب القرارات، وسط مخاوف من تداعيات العزل على اقتصاداتهم، حيث كثفت روسيا خلال السنوات الأخيرة تواجدها التجاري والاستثماري في العديد من الدول العربية.

تأثيرات متفاوتة

وقال المحلل والباحث الاقتصادي الدكتور سمير سعيفان لـ "العربي الجديد"، إنه يستبعد عزل روسيا عن نظام "سويفت"، لأن ذلك "سيكون بمثابة إعلان حرب شاملة على روسيا، فهو أشبه بقطع التيار الكهربائي عن الشركات ما يمنعها من العمل".

ولفت إلى أن هذا العزل يحول التعاملات بين روسيا والدول من بنكية إلى نقدية، حتى لو حاولت موسكو التدارك من خلال علاقاتها مع الصين أو غيرها. وتابع: "من حيث المبدأ لا أعتقد أن واشنطن والدول الأوروبية ستقدم على هذا الإجراء، لأن روسيا هددت في حال فرض هكذا عقوبة، بضرب الخط البحري للإنترنت، واليوم الإنترنت والسويفت، هما عصب حياة الدول.

ولكن في حال الوصول إلى هذه المرحلة، قد تتأثر علاقات روسيا مع البلدان العربية نسبياً، خاصة مع دول مثل الجزائر ومصر والإمارات. علماً أن حجم التبادل بين موسكو وجميع الدول العربية لا يزيد عن 18 مليار دولار، فيما حجم الاستثمارات الروسية لا يزيد عن 50 مليار دولار، في المقابل الاستثمارات العربية في روسيا لا تتعدى 6 مليارات دولار".

وعملياً، يصل عدد الشركات الروسية التي تعمل في الأسواق المصرية إلى 470 شركة استثمرت أكثر من 8 مليارات دولار، فيما يرتفع التبادل التجاري إلى أكثر من 5 مليارات دولار.

أما في ما يتعلق بسورية، فلفت سعيفان إلى أن روسيا تستأثر بالتنقيب عن النفط والغاز براً وبحراً في سورية، وكذا التنقيب عن الفوسفات واستخراجه وبيعه في منجم خنيفيس شرقي حمص، كما استثمرت في مرفأ اللاذقية وتتواجد عبر شركات حكومية متعددة، وتستعد للسيطرة على عقود إعادة الإعمار، "لكن عملياً لا توجد حالياً علاقات نقدية كبيرة بين سورية وروسيا".

من جهته، قال الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية البروفسوراللبناني مارون خاطر لـ"العربي الجديد" إنه "في ظل استبعاد التدخل الأوروبي المباشر في الأزمة الروسية الأوكرانية، يتقدم خيار العقوبات المالية كبديل عن التدخل العسكري. في هذا الإطار يشكل التهديد بفصل روسيا عن نظام "سويفت" المصرفي أحد أبرز هذه العقوبات وأشدها لناحية تداعياتها على الاقتصاد الروسي".
وأضاف: "إلا أنَّ قراراً كهذا، في حال التوافق عليه مع الاوروبيين، ستكون له تداعيات اقتصادية كبيرة على شركاء روسيا الاقتصاديين. فالعمق الأوروبي يعتمد بشكل كبير على الغاز بنسبة تصل إلى 40 في المائة في حين يشكل النفط الروسي حوالي 30 في المائة من مجمل الإمدادات".

وتابع: "الحال كذلك في أغلبية بلدان شرق المتوسط وشمال أفريقيا ومن بينها لبنان. فما تصدره روسيا من نفط وغاز ومن مواد أولية وأغذية يشكل حاجة استراتيجية للبلدان المستوردة مما سيوسع دائرة الضرر لتطاول حتى بعضاً ممن يلوحون بهذا الفصل".
وحول تداعيات عزل روسيا المتوقع عن نظام "سويفت" على البلدان العربية شدد خاطر على أنها ستؤدي إلى إنهاء الجزء الأكبر من معاملاتها الدولية مع روسيا. وعملياً، سيكون لهذا القطع، تأثيرات أساسية على الأمن الغذائي إذ تعد روسيا مصدراً أساسياً للمواد الغذائية الأساسية التي ترد إلى هذه المنطقة عبر البحر الأسود في ظل ضعف الإنتاج المحلي للحبوب في منطقة شمال أفريقيا وفي أكثرية البلدان العربية. 
ولفت خاطر إلى أن التداعيات على لبنان قد تكون محدودة بسبب عدم قدرة الاقتصاد اللبناني المنهار على الاستيراد وتعدد مصادر السلع المستوردة. "ولكن لا بد من الإشارة إلى أنَّ هذا العزل ستكون له نتائج سلبية على التصدير الذي، وإن كان متواضعاً، يبقى حاجةً ملحة في ظل الانهيار الذي نَعيشه".

بين العراق والجزائر

واعتبر الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي الجزائري عبد الرحمان مبتول أن "إخراج روسيا من نظام سويفت سيكون ذا تأثير متفاوت على الدول العربية، الضرر سيطاول عامة الدول التي حافظت على علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع موسكو على غرار الجزائر وسورية وحتى مصر، لكن أتوقع أن يكون الأمر مؤقتا، في حال تبني القرار من القوى الكبرى، فلو نظرنا مثلا لإيران لرأينا أنها خسرت جزءا من وارداتها المالية بعد تجميد نشاطها في "سويفت" سنة 2012، إلا أنها وجدت حلولا مالية ومصرفية للاستمرار، وأظن أن موسكو لديها من الحلفاء من يسمحون لها بإيجاد البدائل المصرفية التقنية، للتأقلم مع الوضع".

ورأى الخبير المالي الجزائري نبيل جمعة أن "عزل روسيا أو إخراجها من نظام سويفت، بالتأكيد سيلحق الأضرار بالجزائر كون روسيا من بين شركائها التجاريين والعسكريين المهمين".

وشرح أن "روسيا ممون للجزائر بالقمح في المرتبة الثالثة بعد فرنسا وكندا، كما تعد روسيا الممون الأول للجزائر بالأسلحة والطائرات الحربية، وأيضا بالآلات الإنتاجية والصناعية في مجال الصناعات الثقيلة كالحديد، ونحن نتحدث عن تحويلات مالية تلامس 4 مليارات دولار سنويا أو أكثر، لا تتم نقدا بل عبر الطرق البنكية، ونظام سويفت هو الأسرع، والمعتمد بين الدول، وبالتالي الأكيد في حال إخراج روسيا من نظام سويفت سيكون الضرر لروسيا أكبر، لكن التداعيات ستطاول أيضاً الجزائر".

المخاوف ذاتها تتكرر في العراق، وقال الخبير في الشأن الاقتصادي والمالي العراقي أحمد الوكيل لـ"العربي الجديد"، إن العراق قد يواجه نفس المشكلة التي اعترضته مع إيران بعدما فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات مالية عليها، حيث لم يستطع تسديد عقود الغاز والاستيراد المختلفة بواسطة الدولار، مع رفض إيران التعامل بالعملة العراقية المحلية أو عملة اليورو، لكن هذه الحالة ستكون أهون من مسألة عزل روسيا عن نظام الـ"سويفت".

وأضاف الوكيل أن "آخر صفقة تسليح ضخمة بين العراق وروسيا كانت بقيمة 4 مليارات دولار تقريباً. سيحتاج البلدان لبحث سبل أخرى للتمويل في حال فرض العزل المالي على موسكو".

لكن المستشار المالي في سوق بغداد للأوراق المالية محمد الحمداني توقع لـ"العربي الجديد"، أنه "قد يُمنح العراق استثناء من العقوبات على غرار الاستثناءات ربع السنوية التي يحصل عليها منذ سنوات من واشنطن وتسمح له بالتعامل مع إيران من خلالها". واعتبر أن العزل المالي لروسيا قد يؤثر على شركات النفط الروسية التي تمتلك فروعاً وأعمالاً ضخمة بالعراق".

تونس والمغرب

بدوره، قال الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق التونسي سليم بسباس إن إمكانية قطع روسيا من نظام "سويفت" لن تؤثر على تونس بشكل مباشر، مؤكداً أن التعاملات المالية بين تونس وروسيا ضعيفة جداً حيث يميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح روسيا.

وأضاف بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" أن العمالة التونسية في روسيا ليس لها إسهام في التحويلات التي يرسلها المغتربون، مؤكداً أن تسيير العمليات التجارية يمكن أن يتم عبر آليات أو تطبيقات أخرى غير نظام "سويفت".

وتستثمر 9 شركات روسية زهاء 20.7 مليون دينار في تونس وتغطي هذه الشركات التي توفر 780 وظيفة، قطاعات صناعة الأدوية والفلاحة والاستشارات الاقتصادية.

وقال الخبير المصرفي التونسي خالد النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن روسيا ستواجه وضعا صعبا في حال قطعها عن نظام سويفت، لكنه رجّح وجود أنظمة بديلة للتحويلات المالية ستعتمدها روسيا كونها تعمل على التخلص من التبعية للأنظمة المعلوماتية والمالية التي تحتكرها الدول الكبرى.

من جهته، أكد عبد الكريم معزوز، عضو جمعية شركات الصرافة في المغرب، أن تأثير وقف سويفت لن يكون كبيراً على مستوى تحويل الأموال وصرفها في المغرب. لكنه أشار إلى إمكانية التأثير على التعاملات المالية التي تهم بعض الصادرات المغربية إلى روسيا، مثل الحوامض.

ما هو الـ"سويفت"؟

تشرف البنوك المركزية في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا على شبكة SWIFT التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها، وهي شبكة مراسلة تستخدمها البنوك على نطاق واسع لإرسال واستقبال أوامر تحويل الأموال أو المعلومات.

وقد يؤدي فقدان الوصول إلى نظام "سويفت إلى تعقيد مدفوعات التصدير والاستيراد، وإلى منع دفع قسائم السندات، مما يؤدي إلى حدوث أزمة مالية ونقدية في روسيا في حال عزلها عن النظام، خاصة في ما يتعلق بصادرات الطاقة من نفط وغاز.

وأكد وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الجمعة أن الاتحاد الأوروبي "يريد قطع كافة الروابط بين روسيا والنظام المالي العالمي"، وذلك بعد الإعلان عن حزمة عقوبات جديدة ضد موسكو في أعقاب غزوها أوكرانيا. لكنه في الوقت ذاته اعتبر أن عزلها عن نظام "سويفت" يبقى "الخيار الأخير" نظراً لتداعياته الواسعة.

فيما قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس الجمعة إن بلاده ترغب في عزل روسيا عن نظام سويفت نهائياً. وشرح "هذا هو النظام المالي الذي يسمح للروس بنقل الأموال حول العالم لتلقي مدفوعات مقابل الغاز، لكن إذا لم تكن كل الدول تريد عزل موسكو من نظام سويفت سيصبح الأمر صعباً".

المساهمون